ورد في التوقيع المروي في آخر الاحتجاج (1) عنه عليه السلام: لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض و السماء فلتطمئن بذلك من أوليائنا القلوب.
و قال السيد الأجل علي بن طاوس رحمه الله في المهج: و كنت أنا بسرّ من رأى فسمعت سحرا دعاءه عليه السلام فحفظت منه من الدعاء لمن ذكره من الأحياء و الأموات: و أبقهم، أو قال: و أحيهم في عزنا و ملكنا و سلطاننا و دولتنا، و كان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان و ثلاثين و ستمائة. إنتهى كلامه رفع مقامه.
و في الكافي (2) بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في خطبته في مسجد الخيف قال ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله و النصيحة لأئمة المسلمين و اللزوم لجماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم.
يعني دعوة الأئمة عليهم السلام.
و في الكافي (3) أيضا بإسناده عن رجل من قريش من أهل مكة قال: قال سفيان الثوري: اذهب بنا إلى جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: فذهبت معه إليه، فوجدناه قد ركب دابته، فقال له سفيان: يا أبا عبد الله! حدّثنا بحديث خطبة رسول الله (صلى الله عليه و آله) في مسجد الخيف. قال: دعني حتّى أذهب في حاجتي، فإني قد ركبت، فإذا جئت حدثتك. فقال: أسألك بقرابتك من رسول الله (صلى الله ليه و آله ) لما حدثتني. قال: فنزل. فقال له سفيان: من لي بدواة و قرطاس حتّى أثبته. فدعى به ثمّ قال (عليه السلام): اكتب بسم الله الرحمن الرحيم خطبة رسول الله (صلى الله عليه و آله) في مسجد الخيف: نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها و بلغها من لم تبلغه يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب، فربّ حامل فقه ليس بفقيه، و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، و النصيحة لأئمّة المسلمين، و اللزوم لجماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون إخوة، تتكافأ دماؤهم و هم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم. فكتبه سفيان، ثمّ عرضه عليه، و ركب أبو عبدالله (عليه السلام). و جئت أنا و سفيان فلمّا كنّا في بعض الطريق فقال لي: كما أنت حتّى أنظر في هذا الحديث. فقلت له: قد و الله ألزم أبو عبدالله رقبتك شيئا لا يذهب من رقبتك أبدا. فقال: و أي شئ ذلك؟ فقلت له: ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله قد عرفناه، و النصيحة لأئمّة المسلمين، من هؤلاء الأئمّة الّذين تجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان، و يزيد بن معاوية و مروان بن الحكم، و كل من لا يجوز شهادته عندنا، و لا يجوز الصلاة خلفهم؟ و قوله: و اللزوم لجماعتهم فأي الجماعة مرجئ يقول: من لم يصل و لم يصم و لم يغتسل من جنابة و هدم الكعبة و نكح أمّه، فهو على إيمان جبرائيل و ميكائيل؟ أو قدري يقول: لا يكون ما شاء الله عزّ و جلّ، و يكون ما شاء إبليس؟ أو حروري يبرأ من علي بن أبي طالب و شهد عليه بالكفر؟ أو جهمي يقول: إنما هي معرفة الله وحده، ليس الإيمان شئ غيرها؟ قال: ويحك و أي شئ يقولون؟ فقلت: يقولون: إن علي بن أبي طالب و الله الإمام الذي يجب علينا نصيحته، و لزوم جماعتهم أهل بيته. قال : فأخذ الكتاب فخرقه، ثم قال لا تخبر بها أحدا.
و يدل على دعاء (4) إمام كل زمان لشيعته أيضا، ما روي في البحار (5) عن مناقب ابن شهرآشوب عن موسى بن سيّار قال: كنت مع الرضا (عليه السلام) و قد أشرف على حيطان طوس، و سمعت واعية فاتبعتها فإذا نحن بجنازة، فلمّا بصرت بها رأيت سيّدي و قد ثنى رجله عن فرسه، ثم أقبل نحو الجنازة، فرفعها، ثمّ أقبل يلوذ بها، كما تلوذ السخلة بأمّها. ثم أقبل علي و قال: يا موسى بن سيار من شيع جنازة ولي من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه لا ذنب عليه حتى إذا وضع الرجل على شفير قبره رأيت سيدي قد أقبل فأفرج الناس عن الجنازة حتى بدا له الميت فوضع يده على صدره ثم قال: يا فلان ابن فلان أبشر بالجنة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة. فقلت: جعلت فداك! هل تعرف الرجل؟ فوالله إنّها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا. فقال (عليه السلام) لي: يا موسى بن سيار! أما علمت أنا معاشر الأئمّة تعرض علينا أعمال شيعتنا صباحا و مساء، فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه، و ما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه.
و يدل على المقصود أيضا ما روي (6) عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) في حديث ذميلة قال: يا ذميلة! ليس من مؤمن يمرض إلا مرضنا لمرضه و لا يحزن إلا حزنا لحزنه، و لا يدعو إلا أمّنّا على دعائه، ولا يسكت إلا دعونا له … . ويأتي بطوله في الباب الخامس إن شاء الله تعالى. هذا ، وأنت إذا لاحظت توقيعاته الشريفة المروية في كتاب الاحتجاج (7) كفاك في هذا الباب والله الهادي إلى نهج الصواب.
و يدل على المقصود أيضا ما رواه محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات بإسناده عن أبي الربيع الشامي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بلغني عن عمرو بن إسحاق حديث. فقال: اعرضه. قال: دخل علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فرأى صفرة في وجهه. قال : ما هذه الصفرة؟ فذكر وجعا به فقال له علي (عليه السلام): إنا لنفرح لفرحكم و نحزن لحزنكم، و نمرض لمرضكم و ندعو لكم، و تدعون فنؤمن. قال عمرو: قد عرفت ما قلت. و لكن كيف ندعو فتؤمن؟ فقال (عليه السلام) : إنا سواء علينا البادي و الحاضر. فقال أبو عبدالله (عليه السلام): صدق عمرو (8).
فهل جزاء الاحسان الا الاحسان؟ و هذا الاحسان العظیم الزمنا الدعاء له فی کل الآناة من اللیل و النهار.

(مكيال المكارم، ميرزا محمد تقي الأصفهاني 1: 87 – 89)

———————————————————–
1 – الاحتجاج 2: 324، توقيعات الناحية المقدسة.
2 – الكافي 1: 403، باب ما أمر النبي صلى الله عليه و آله بالنصيحة، ح 1.
3 – الكافي 1: 403 باب ما أمر النبي صلى الله عليه وآله بالنصيحة، ح 2.
4 – لا يخفى أن دعاء الإمام ( عليه السلام ) في حق المؤمن من أكمل إفاضاته له وأجمل عناياته عليه لأن سائر الإفاضات من قبله يتوقف على تحصيله وهذه إفاضة تفوزك بسائر الإفاضات وتوفقك لتحصيل السعادات .
5 – بحار الأنوار 49: 98.
6 – مشارق الأنوار: 77، و فيه رميلة بدل ذميلة و لکن فی البحار ذمیلة.
7 – الاحتجاج 2: 277.
8 – بصائر الدرجات: 260، ذيل 2 .