تشرّف السيّد مهديّ القزويني (المتوفی 1300 ق) بلقائه عليه السلام في الحلّة في داره في مجلس بحثه و قد شاهده جمع من أصحابه‏

حدثني جماعة من الأفاضل الكرام و الصلحاء الفخام منهم السيد السند و الحبر المعتمد زبدة العلماء الأعلام و عمدة الفقهاء العظام حاوي فنون الفضل و الأدب و حائز معالي الحسب و النسب الآميرزا صالح دام علاه ابن سيد المحققين و نور مصباح المجاهدين وحيد عصره و فريد دهره سيدنا المعظم السيد مهدي‏ المتقدم ذكره أعلى الله مقامه و رفع في الخلد أعلامه و قد كنت سألت عنه سلمه الله أن يكتب لي تلك الحكايات الآتية المنسوبة إلى والده المعظم التي سمعتها من الجماعة فإن أهل البيت أدرى بما فيه مع ما هو عليه من الإتقان و الحفظ و الضبط و الصلاح و السداد و الاطلاع و قد صاحبته في طريق مكة المعظمة ذهابا و إيابا فوجدته أيده الله بحرا لا ينزح و كنزا لا ينفد فكتب إلي مطابقا لما سمعته من تلك العصابة.
و كتب أخوه العالم النحرير و صاحب الفضل المنير السيد الأمجد السيد محمد سلمه الله تعالى في آخر ما كتبه سمعت هذه الكرامات الثلاثة سماعا من لفظ الوالد المرحوم المبرور عطر الله مرقده صورة ما كتبه.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حدثني بعض الصلحاء الأبرار من أهل الحلة قال خرجت غدوة من داري قاصدا داركم لأجل زيارة السيد أعلى الله مقامه فصار ممري في الطريق على المقام المعروف بقبر السيد محمد ذي الدمعة فرأيت على شباكه الخارج إلى الطريق شخصا بهي المنظر يقرأ فاتحة الكتاب فتأملته فإذا هو غريب الشكل و ليس من أهل الحلة.
فقلت في نفسي هذا رجل غريب قد اعتنى بصاحب هذا المرقد و وقف و قرأ له فاتحة الكتاب و نحن أهل البلد نمر و لا نفعل ذلك فوقفت و قرأت الفاتحة و التوحيد فلما فرغت سلمت عليه فرد السلام و قال لي: يا علي! أنت ذاهب لزيارة السيد مهدي؟ قلت: نعم. قال: فإني معك.
فلما صرنا ببعض الطريق قال لي: يا علي! لا تحزن على ما أصابك من الخسران و ذهاب المال في هذه السنة فإنك رجل امتحنك الله بالمال فوجدك مؤديا للحق و قد قضيت ما فرض الله عليك و أما المال فإنه عرض زائل يجي‏ء و يذهب و كان قد أصابني خسران في تلك السنة لم يطلع عليه أحد مخافة الكسر فاغتممت في نفسي و قلت سبحان الله كسري قد شاع و بلغ حتى إلى الأجانب إلا أني قلت له في الجواب الحمد لله على كل حال فقال: إن ما ذهب من مالك سيعود إليك بعد مدة و ترجع كحالك الأول و تقضي ما عليك من الديون.
قال: فسكت و أنا مفكر في كلامه حتى انتهينا إلى باب داركم فوقفت و وقف فقلت: ادخل يا مولاي! فأنا من أهل الدار. فقال لي: ادخل أنت أنا صاحب الدار فامتنعت فأخذ بيدي و أدخلني أمامه فلما صرنا إلى المسجد وجدنا جماعة من الطلبة جلوسا ينتظرون خروج السيد قدس سره من داخل الدار لأجل البحث و مكانه من المجلس خال لم يجلس فيه أحد احتراما له و فيه كتاب مطروح.
فذهب الرجل و جلس في الموضع الذي كان السيد قدس سره يعتاد الجلوس فيه ثم أخذ الكتاب و فتحه و كان الكتاب شرائع المحقق قدس سره ثم استخرج من الكتاب كراريس مسودة بخط السيد قدس سره و كان خطه في غاية الضعف لا يقدر كل أحد على قراءته فأخذ يقرأ في تلك الكراريس و يقول للطلبة أ لا تعجبون من هذه الفروع و هذه الكراريس هي بعض من جملة كتاب مواهب الأفهام في شرح شرائع الإسلام و هو كتاب عجيب في فنه لم يبرز منه إلا ست مجلدات من أول الطهارة إلى أحكام الأموات.
قال الوالد أعلى الله درجته: لما خرجت من داخل الدار رأيت الرجل جالسا في موضعي فلما رآني قام و تنحى عن الموضع فألزمته بالجلوس فيه و رأيته رجلا بهي المنظر وسيم الشكل في زي غريب فلما جلسنا أقبلت عليه بطلاقة وجه و بشاشة و سؤال عن حاله و استحييت أن أسأله من هو و أين وطنه ثم شرعت في البحث فجعل الرجل يتكلم في المسألة التي نبحث عنها بكلام كأنه اللؤلؤ المتساقط فبهرني كلامه فقال له بعض الطلبة اسكت ما أنت و هذا فتبسم و سكت.
قال رحمه الله: فلما انقضى البحث قلت له من أين كان مجيئك إلى الحلة؟ فقال: من بلد السليمانية. فقلت: متى خرجت فقال بالأمس خرجت منها و ما خرجت منها حتى دخلها نجيب باشا فاتحا لها عنوة بالسيف و قد قبض على أحمد باشا الباباني المتغلب عليها و أقام مقامه أخاه عبد الله باشا و قد كان أحمد باشا المتقدم‏ قد خلع طاعة الدولة العثمانية و ادعى السلطنة لنفسه في السليمانية.
قال الوالد قدس سره فبقيت مفكرا في حديثه و أن هذا الفتح و خبره لم يبلغ إلى حكام الحلة و لم يخطر لي أن أسأله كيف وصلت إلى الحلة و بالأمس خرجت من السليمانية و بين الحلة و السليمانية ما تزيد على عشرة أيام للراكب المجد.
ثم إن الرجل أمر بعض خدمة الدار أن يأتيه بماء فأخذ الخادم الإناء ليغترف به ماء من الحب فناداه لا تفعل فإن في الإناء حيوانا ميتا فنظر فيه فإذا فيه سام أبرص ميت فأخذ غيره و جاء بالماء إليه فلما شرب قام للخروج.
قال الوالد قدس سره: فقمت لقيامه فودعني و خرج فلما صار خارج الدار قلت للجماعة هلا أنكرتم على الرجل خبره في فتح السليمانية فقالوا هلا أنكرت عليه.
قال فحدثني الحاج علي المتقدم بما وقع له في الطريق و حدثني الجماعة بما وقع قبل خروجي من قراءته في المسودة و إظهار العجب من الفروع التي فيها.
قال الوالد أعلى الله مقامه فقلت اطلبوا الرجل و ما أظنكم تجدونه هو و الله صاحب الأمر روحي فداه فتفرق الجماعة في طلبه فما وجدوا له عينا و لا أثرا فكأنما صعد في السماء أو نزل في الأرض.
قال فضبطنا اليوم الذي أخبر فيه عن فتح السليمانية فورد الخبر ببشارة الفتح إلى الحلة بعد عشرة أيام من ذلك اليوم و أعلن ذلك عند حكامها بضرب المدافع المعتاد ضربها عند البشائر عند ذوي الدولة العثمانية.
قلت: الموجود فيما عندنا من كتب الأنساب أن اسم ذا الدمعة حسين و يلقب أيضا بذي العبرة و هو ابن زيد الشهيد بن علي بن الحسين علیه السلام و يكنى بأبي عاتقة و إنما لقب بذي الدمعة لبكائه في تهجده في صلاة الليل و رباه الصادق علیه السلام فأرثه علما جما و كان زاهدا عابدا و توفي سنة خمس و ثلاثين و مائة و زوج ابنته بالمهدي الخليفة العباسي و له أعقاب كثيرة و لكنه سلمه الله أعرف بما كتب.

(الجنة المأوی؛ للمحدث النوری [1254 – 1320 ق])