سابقة الغیبة فی الانبیاء من المسلّمایات الشرایع الالهیة منها غیبة نبي الله موسى (عليه السلام).

نقل الصدوق فی کمال الدین و تمام النمعة عن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليها، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لمّا حضرت يوسف (عليه السلام) الوفاة جمع شيعته وأهل بيته فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ حدَّثهم بشدّة تنالهم، يقتل فيها الرِّجال وتشقُّ بطون الحبالى وتذبح الأطفال حتّى يظهر الله الحقَّ في القائم من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل أسمر طوال، ونعته لهم بنعته، فتمسّكوا بذلك ووقعت الغيبة والشدَّة على بني إسرائيل وهم منتظرون قيام القائم أربع مئة سنة، حتّى إذا بُشّروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدَّت عليهم البلوى، وحمل عليهم بالخشب والحجارة، وطُلب الفقيه الّذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر، وراسلوه، فقالوا: كنّا مع الشدَّة نستريح إلى حديثك، فخرج بهم إلى بعض الصّحاري وجلس يحدِّثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر، وكانت ليلة قمراء، فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى (عليه السلام) وكان في ذلك الوقت حديث السنِّ، وقد خرج من دار فرعون، يظهر النزهة فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خزّ، فلمّا رآه الفقيه عرفه بالنّعت فقام إليه وانكبَّ على قدميه فقبّلهما، ثمَّ قال: الحمد لله الّذي لم يُمتني حتّى أرانيك، فلمّا رأى الشّيعة ذلك علموا أنّه صاحبهم، فأكبّوا على الأرض شكراً لله عزَّ وجلَّ، فلم يزدهم على أن قال: أرجو أن يعجّل الله فرجكم، ثمَّ غاب بعد ذلك، وخرج إلى مدينة مدين، فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثّانية أشدَّ عليهم من الأُولى، وكانت نيّفاً وخمسين سنة، واشتدَّت البلوى عليهم واستتر الفقيه، فبعثوا إليه أنّه لا صبر لنا على استتارك عنّا، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم وطيّب نفوسهم وأعلمهم أنَّ الله عزَّ وجلَّ أوحى إليه أنّه مفرِّج عنهم بعد أربعين سنة، فقالوا بأجمعهم: الحمد لله، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه، قل لهم: قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم «الحمد لله». فقالوا: كلُّ نعمة فمن الله. فأوحى الله إليه قل لهم: قد جعلتها عشرين سنة. فقالوا: لا يأتي بالخير إلاّ الله. فأوحى الله إليه، قل لهم: قد جعلتها عشراً. فقالوا: لا يصرف السّوء إلاّ الله. فأوحى الله إليه، قل لهم: لا تبرحوا فقد أذنت لكم في فرجكم، فبينا هم كذلك إذ طلع موسى (عليه السلام) راكباً حماراً. فأراد الفقيه أن يعرِّف الشّيعة ما يستبصرون به فيه، وجاء موسى حتّى وقف عليهم، فسلّم عليهم، فقال لهم الفقيه: ما اسمك؟ فقال: موسى. قال: ابن من؟ قال: ابن عمران. قال: ابن من؟ قال: ابن قاهث (بالقاف فالهاء ثم الثاء المثلثة كما في المعارف لابن قتيبة) بن لاوي بن يعقوب، قال: بماذا جئت؟ قال: جئت بالرِّسالة من عند الله عزَّ وجلَّ، فقام إليه فقبّل يده، ثمَّ جلس بينهم فطيّب نفوسهم وأمرهم أمره ثمَّ فرَّقهم، فكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم، بغرق فرعون أربعون سنة.
عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنَّ يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلاً، فقال: إنَّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويسومونكم سوء العذاب، وإنّما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب، اسمه موسى بن عمران (عليه السلام) غلامٌ طوال جعدٌ آدم. فجعل الرَّجل من بني إسرائيل يسمّي ابنه عمران ويسمّي عمران ابنه موسى.
ذكر أبان بن عثمان، عن أبي الحسن، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: ما خرج موسى حتّى خرج قبله خمسون كذَّاباً من بني إسرائيل، كلّهم يدَّعي أنّه موسى بن عمران.
فبلغ فرعون أنّهم يرجفون به، ويطلبون هذا الغلام، وقال له كهنته وسحرته: إنَّ هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام الّذي يولد العام من بني إسرائيل، فوضع القوابل على النساء، وقال: لا يولد العام ولد إلاّ ذبح، ووضع على أُمِّ موسى قابلة، فلمّا رأى ذلك بنو إسرائيل، قالوا: إذا ذبح الغلمان واستحيى النساء هلكنا، فلم نبق، فتعالوا: لا نقرب النساء. فقال عمران أبو موسى (عليه السلام): بل باشروهنَّ فإنَّ أمر الله واقع ولو كره المشركون، اللّهمَّ! من حرَّمه فإنّي لا أُحرِّمه، ومن تركه فإنّي لا أتركه، ووقع على أُمِّ موسى فحملت، فوضع على أُمِّ موسى قابلة تحرسها، فإذا قامت قامت، وإذا قعدت قعدت، فلمّا حملته أُمّه وقعت عليها المحبّة، وكذلك حجج الله على خلقه، فقالت لها القابلة: ما لك يا بنيّة تصفرِّين وتذوبين؟ قالت: لا تلوميني، فإنّي إذا ولدت أُخذ ولدي فذبح. قالت: لا تحزني فإنّي سوف أكتم عليك، فلم تُصدِّقها، فلمّا أن ولدت إلتفت إليها وهي مقبلة، فقالت: ما شاء الله، فقالت لها: ألم أقل: إنّي سوف أكتم عليك، ثمَّ حملته فأدخلته المخدع وأصلحت أمره، ثمَّ خرجت إلى الحرَس، فقالت: انصرفوا ـ وكانوا على الباب ـ فإنّما خرج دم منقطع فانصرفوا، فأرضعته، فلمّا خافت عليه الصوت، أوحى الله إليها: أن اعملي التابوت، ثمَّ اجعليه فيه، ثمَّ أخرجيه ليلاً فاطرحيه في نيل مصر؛ فوضعته في التابوت، ثمَّ دفعته في اليمِّ، فجعل يرجع إليها وجعلت تدفعه في الغمر، وإنَّ الرِّيح ضربته فانطلقت به، فلمّا رأته قد ذهب به الماء همّت أن تصيح فربط الله على قلبها.
قال: وكانت المرأة الصالحة امرأة فرعون، وهي من بني إسرائيل، قالت لفرعون: إنّها أيّام الرَّبيع فأخبرني واضرب لي قبّة على شطِّ النّيل حتّى أتنزَّه هذه الأيّام، فضربت لها قبّة على شطِّ النّيل، إذ أقبل التابوت يريدها، فقالت: هل ترون ما أرى على الماء؟ قالوا: إي والله يا سيّدتنا، إنّا لنرى شيئاً، فلمّا دنا منها ثارت إلى الماء فتناولته بيدها، وكاد الماء يغمرها حتّى تصايحوا عليها، فجذبته وأخرجته من الماء، فأخذته فوضعته في حجرها، فإذا هو غلامٌ أجمل النّاس وأسترهم، فوقعت عليها منه محبّة، فوضعته في حجرها، وقالت: هذا ابني! فقالوا: إي والله يا سيّدتنا! والله مالك ولدٌ ولا للملك فاتّخذي هذا ولداً. فقامت إلى فرعون، وقالت: إنّي أصبت غلاماً طيّباً حلواً نتّخذه ولداً فيكون قرَّة عين لي ولك فلا تقتله. قال: ومن أين هذا الغلام؟ قالت: والله، ما أدري إلاّ أنَّ الماء جاء به، فلم تزل به حتّى رضي، فلمّا سمع النّاس أنَّ الملك قد تبنّى ابناً لم يبقَ أحدٌ من رؤوس من كان مع فرعون إلاّ بعث إليه امرأته لتكون له ظئراً، أو تحضنه فأبى أن يأخذ من امرأة منهنَّ ثدياً، قالت امرأة فرعون: أطلبوا لابني ظئراً ولا تحقّروا أحداً، فجعل لا يقبل من امرأة منهنَّ، قالت أُمُّ موسى لأُخته: قصيّه انظري أترين له أثراً، فانطلقت حتّى أتت باب الملك، فقالت: قد بلغني أنّكم تطلبون ظئراً وههنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم وتكفّله لكم. فقالت: ادخلوها، فلمّا دخلت، قالت لها امرأة فرعون: ممّن أنت؟ قالت: من بني إسرائيل. قالت: اذهبي يابنيّة، فليس لنا فيك حاجة، فقلن لها النّساء: انظري عافاك الله يقبل أو لا يقبل. فقالت امرأة فرعون: أرأيتم لو تقبل هل يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل، والمرأة من بني إسرائيل ـ يعني الظئر ـ فلا يرضى. قلن: فانظري يقبل أو لا يقبل، قالت امرأة فرعون: فاذهبي فادّعيها، فجاءت إلى أُمّها، وقالت: إنَّ امرأة الملك تدعوك فدخلت عليها، فدفع إليها موسى فوضعته في حجرها، ثمَّ ألقمته ثديها فازدحم اللّبن في حلقه، فلمّا رأت امرأة فرعون أنَّ ابنها قد قبل قامت إلى فرعون، فقالت: إنّي قد أصبت لابني ظئراً وقد قبل منها. فقال: ممّن هي؟ قالت: من بني إسرائيل. قال: فرعون هذا ممّا لا يكون أبداً، الغلام من بني إسرائيل والظئر من بني إسرائيل، فلم تزل تكلّمه فيه وتقول: ما تخاف من هذا الغلام؟ إنّما هو ابنك ينشأ في حجرك، حتّى قلبته عن رأيه ورضي.
فنشأ موسى (عليه السلام) في آل فرعون، وكتمت أُمّه خبره، وأُخته والقابلة، حتّى هلكت أُمّه والقابلة الّتي قبلته، فنشأ (عليه السلام) لا يعلم به بنو إسرائيل، قال: وكانت بنو إسرائيل تطلبه وتسأل عنه فيعمى عليهم خبره. قال: فبلغ فرعون أنّهم يطلبونه ويسألون عنه، فأرسل إليهم فزاد العذاب عليهم، وفرَّق بينهم ونهاهم عن الإِخبار به والسؤال عنه. قال: فخرجت بنو إسرائيل ذات ليلة مقمرة إلى شيخ لهم عنده علم. فقالوا: قد كنّا نستريح إلى الأحاديث فحتّى متى وإلى متى نحن في هذا البلاء؟ قال: والله، إنّكم لا تزالون فيه حتّى يجيء الله تعالى ذكره بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران، غلام طوال جعدٌ، فبينما هم كذلك إذ أقبل موسى يسير على بغله حتّى وقف عليهم، فرفع الشيخ رأسه فعرفه بالصّفة. فقال له: ما اسمك يرحمك الله؟ قال: موسى. قال: ابن من؟ قال: ابن عمران. قال: فوثب إليه الشيخ فأخذ بيده فقبّلها، وثاروا إلى رجله فقبّلوها، فعرفهم وعرفوه واتّخذ شيعة.
فمكث بعد ذلك ما شاء الله، ثمَّ خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجلٌ من شيعته، يقاتل رجلاً من آل فرعون من القبط، فاستغاثه الّذي من شيعته على الّذي من عدوِّه القبطيِّ فوكزه موسى فقضى عليه، وكان موسى (عليه السلام) قد أُعطي بسطة في الجسم وشدَّة في البطش، فذكره النّاس وشاع أمره، وقالوا: إن موسى قتل رجلاً من آل فرعون، فأصبح في المدينة خائفاً يترقّب، فلمّا أصبحوا من الغد إذا الرّجل الّذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر. فقال له موسى: إنّك لغويٌّ مبين، بالأمس رجل واليوم رجل، فخرج من مصر بغير ظهر ولا دابّة ولا خادم، تخفضه أرض وترفعه أُخرى حتّى انتهى إلى أرض مدين، فانتهى إلى أصل شجرة، فنزل فإذا تحتها بئرٌ، وإذا عندها أُمّة من النّاس يسقون، وإذا جاريتان ضعيفتان، وإذا معهما غُنيمة لهما، قال: ما خطبكما، قالتا: أبونا شيخ كبير، ونحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرِّجال، فإذا سقى النّاس سقينا، فرحمهما موسى (عليه السلام) فأخذ دلوهما، وقال لهما: قدِّما غنمكما، فسقى لهما، ثمَّ رجعتا بكرة قبل النّاس، ثمَّ تولّى موسى إلى الشجرة فجلس تحتها، «فقال ربِّ إنّي لمّا أنزلت إليَّ من خير فقير» ـ فروي أنّه قال ذلك وهو محتاج إلى شقِّ تمرة ـ فلمَّا رجعتا إلى أبيهما. قال: ما أعجلكما في هذه السّاعة؟ قالتا: وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا. فقال لإحديهما: إذهبي فادّعيه لي فجاءته تمشي على استحياء. قالت: إنَّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا. فروي أنّ موسى (عليه السلام) قال لها: وجِّهيني إلى الطريق وامشي خلفي، فإنّا بنو يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء. قال تعالى: « فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء الله مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَالله عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ». فروي أنّه قضى أتمّهما لأنّ الأنبياء (عليهم السلام) لا يأخذون إلاّ بالفضل والتمام. فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ الطريق ليلاً، فرأى ناراً، فقال لأهله: امكثوا إنّي آنست ناراً؛ لعلّي آتيكم منها بقبس أو بخبر من الطريق، فلمّا دنا منها تأخّرت عنه فرجع وأوجس في نفسه خيفة، ثمَّ دنت منه الشجرة فنودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة: أن يا موسى! إنّي أنا الله ربُّ العالمين، وأن ألق عصاك، فلمّا رآها تهتزُّ كأنّها جانٌّ ولّى مدبراً ولم يعقّب، فإذا حيّة مثل الجذع لأسنانها صرير يخرج منها مثل لهب النّار، فولّى موسى مدبراً، فقال له ربّه عزَّ وجلَّ: إرجع، فرجع وهو يرتعد وركبتاه تصطكّان. فقال: يا إلهي، هذا الكلام الّذي أسمع كلامك؟ قال: نعم فلا تخف، فوقع عليه الأمان، فوضع رجله على ذنبها، ثمَّ تناول لحييها فإذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا، وقيل له: إخلع نعليك إنّك بالواد المقدّس طوى.
فروي أنّه أمر بخلعهما لأنّهما كانتا من جلد حمار ميّت.
[وروي في قوله عزَّ وجلَّ: (فاخلع نعليك) أي خوفيك: خوفك من ضياع أهلك وخوفك من فرعون]. ثمَّ أرسله الله عزَّ وجلَّ إلى فرعون وملائه بآيتين بيده والعصا.
روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال لبعض أصحابه: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإنَّ موسى بن عمران (عليه السلام) خرج ليقتبس لأهله ناراً، فرجع إليهم وهو رسولُ نبيٌّ، فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيّه موسى (عليه السلام) في ليلة، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثّاني عشر من الأئمّة (عليهم السلام) يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيّه موسى (عليه السلام) ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور.
عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: في القائم (عليه السلام) سنّة من موسى بن عمران (عليه السلام) فقلت: وما سنّته من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده، وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟ فقال: ثماني وعشرين سنة.
عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء، سنّة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمّد صلوات الله عليهم أجمعين، فأمّا من موسى فخائف يترقّب، وأمّا من يوسف فالسّجن، وأمّا من عيسى فيقال له: إنّه مات ولم يمت، وأمّا من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فالسيف.
سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عند وفاة موسى بن عمران. فقال: إنّه لمّا أتاه أجله واستوفى مدَّته وانقطع أكله أتاه ملك الموت (عليه السلام) فقال له: السلام عليك يا كليم الله! فقال موسى: وعليك السلام من أنت؟ فقال: أنا ملك الموت! قال: ما الّذي جاء بك؟ قال: جئت لأقبض روحك، فقال له موسى (عليه السلام): من أين تقبض روحي؟ قال: من فمك. قال موسى (عليه السلام): كيف وقد كلّمت به ربّي جلَّ جلاله. قال: فمن يديك. قال: كيف وقد حملت بهما التوراة، قال: فمن رجليك. قال: كيف وقد وطأت بهما طور سيناء. قال: فمن عينك. قال: كيف ولم تزل إلى ربّي بالرَّجاء ممدودة. قال: فمن أُذنيك. قال: كيف وقد سمعت بهما كلام ربّي عزَّ وجلَّ. قال: فأوحى الله تبارك وتعالى إلى ملك الموت: لا تقبض روحه حتّى يكون هو الّذي يريد ذلك. وخرج ملك الموت، فمكث موسى (عليه السلام) ما شاء الله أن يمكث بعد ذلك، ودعا يوشع بن نون فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره، وبأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر، وغاب موسى (عليه السلام) عن قومه فمرَّ في غيبته برجل وهو يحفر قبراً. فقال له: ألا أعينك على حفر هذا القبر؟ فقال له الرَّجل: بلى، فأعانه حتّى حفر القبر وسوَّى اللّحد، ثمَّ اضطجع فيه موسى (عليه السلام) لينظر كيف هو، فكشف الله له الغطاء، فرأى مكانه في الجنّة. فقال: يا ربِّ اقبضني إليك، فقبض ملك الموت روحه مكانه ودفنه في القبر، وسوّى عليه التراب، وكان الّذي يحفر القبر ملك الموت في صورة آدميٍّ، وكان ذلك في التيه، فصاح صائح من السماء: مات موسى كليم الله، وأيُّ نفس لا تموت،
حدَثني أبي عن جدِّي عن أبيه (عليهم السلام) أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) سئل عن قبر موسى أين هو فقال: هو عند الطريق الأعظم عند الكثيب الأحمر.

(نقلا عن: مرکز آل البیت العالمی للمعلومات)