اجتماع الكلمة علی التوحید و اعتلاء الاسلام فی العالم لا یوقع الا بظهوره علیه السلام و بسط العدل و القسط بین العباد و هذا احد الوجوه فی ضرورة الدعاء لتعجیل فرجه الشریف. في دعاء الندبة (1): أين جامع الكلم على التقوى. و في كتاب المحجة (2) و غيره عن أميرالمؤمنين في قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله …) (3)، حتى لا تبقى قرية إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله بكرة و عشيّا.
و عن ابن عباس (الذي قال أكثر ما قلت في التفسير مأخوذ عن أمير المؤمنين عليه السلام) قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي و لا نصراني، و لا صاحب ملّة إلا صار إلى الحق الإسلام، حتى تأمن الشاة و الذئب، و البقرة و الأسد، و الإنسان و الحية، حتى لا تقرض الفأرة جرابا، و حتى توضع الجزية، و يكسر الصليب و يقتل الخنزير، و هو قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون) (4) و ذلك يكون عند قيام القائم (عليه السلام).
و قال علي بن إبراهيم (5) عند تفسير هذه الآية: إنها نزلت في قائم آل محمد (عليهم السلام).
و في كتاب المحجة عن العياشي (6) في تفسيره عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى: (و له أسلم من في السماوات و الأرض طوعا و كرها) (7) قال: إذا قام القائم لا يبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله).
و الأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا. جمع أنصار الدّين من الملائكة و الجن و سائر المؤمنين ففي تفسير قوله تعالى: (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا) (8) عن أبي عبدالله عليه السلام يعني أصحاب القائم الثلاثمائة و البضعة عشر قال عليه السلام: يجتمعون و الله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف (9).
و عن علي بن الحسين و ابنه (عليه السلام) (10) قال عليه السلام: الفقداء قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكّة و هو قول الله تعالى: (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا).
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: لقد نزلت هذه الآية في المفقودين من أصحاب القائم: (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا) إنهم المفقودون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكّة، و بعضهم يسير في السحاب نهارا يعرف اسمه و اسم أبيه و حليته و نسبه. قال المفضل: فقلت: جعلت فداك! أيّهم أعظم إيمانا؟ قال عليه السلام: الّذي يسير في السحاب نهارا (11).
و عن (12) أبي الحسن موسى: و الله لو قد قام قائمنا يجمع الله إليه شيعتنا من جميع البلدان.
و في البحار (13) عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه ينحط عليه الملائكة الّذين كانوا مع نوح في السفينة، و الذين كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار، و الذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل، و الذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه، و أربعة آلاف ملك مع النبي (صلى الله عليه و آله) مسومين و ألف مردفين، و ثلاثمائة و ثلاثة عشر ملائكة بدريين، و أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي (عليه السلام)، فلم يؤذن لهم في القتال، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة و رئيسهم ملك يقال له: منصور، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه و لا يودعه مودع إلا شيعوه و لا يمرض مريض إلا عادوه، و لا يموت ميت إلا صلوا على جنازته، و استغفروا له بعد موته و كل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم إلى وقت خروجه.
و في حديث المفضل (14) عن الصادق عليه السلام قال: يا مفضل! يظهر وحده و يأتي البيت وحده، و يلج الكعبة وحده، و يجن عليه الليل وحده فإذا نامت العيون، و غسق الليل نزل إليه جبرائيل و ميكائيل و الملائكة صفوفا فيقول له جبرائيل: يا سيدي! قولك مقبول و أمرك جايز، فيمسح يده على وجهه و يقول: (الحمد لله الذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين) (15) و يقف بين الركن و المقام، فيصرخ صرخة فيقول يا معشر نقبائي، و أهل خاصّتي و من ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض! ائتوني طائعين فترد صيحته عليهم و هم في محاريبهم و على فرشهم في شرق الأرض و غربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل فيجيبون نحوها، و لا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين يديه بين الركن و المقام، فيأمر الله عزّ و جلّ النور فيصير عمودا من الأرض إلى السماء فيستضئ به كل مؤمن على وجه الأرض و يدخل عليه نور من جوف بيته، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور إلى أن قال المفضل: يا سيدي! يقيم بمكّة؟ قال عليه السلام: لا يا مفضل! بل يستخلف فيها رجلا من أهله فإذا سار منها و ثبوا عليه فيقتلونه فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون و يتضرعون و يقولون يا مهدي آل محمد (صلى الله عليه و آله) التوبة! التوبة! فيعظهم و ينذرهم و يحذرهم و يستخلف عليهم منهم خليفة و يسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجن و النقباء و يقول لهم: ارجعوا فلا تبقوا منهم بشرا فلو لا أن رحمة ربكم وسعت كل شئ و أنا تلك الرحمة لرجعت إليهم معكم فقد قطعوا الأعذار بينهم و بين الله و بيني و بينهم فيرجعون إليهم فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد لا و الله و لا من ألف واحد. قال المفضل: قلت: يا سيدي! فأين تكون دار المهدي (عليه السلام) و مجتمع المؤمنين؟ قال (عليه السلام): دار ملكه الكوفة و مجلس حكمه جامعها و بيت ماله و مقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة و موضع خلواته الذكوات البيض من الغريين. قال المفضل: يا مولاي! كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟ قال: أي و الله لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها و ليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، و ليودن أكثر الناس أنه اشترى شبرا من أرض السبع، بشبر من ذهب. و السبع خطة من خطط همدان … .
و لعل المراد من قوله عليه السلام: لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها، الكون الزيارة أي زيارة مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه، لا الكون على الدوام للإقامة و يشهد لذلك قوله: “و ليودن …”. و يحتمل أن يكون أو حواليها تصحيف أو حن إليها كما في رواية مروية في البحار و غيره عن أبي عبدالله عليه السلام.
و يؤيد المعنى الأول الذي ذكرناه ما في البحار (16) عن غيبة الشيخ الطوسي رحمه الله عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا دخل القائم (عليه السلام) الكوفة لم يبق مؤمن إلا و هو بها أو يجيء إليها.
و ممّا يدل على اجتماع المؤمنين عند مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه و عجل الله فرجه ما رواه الصدوق في كمال الدين (17) عن أبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) فإنه سئل عن معنى قول النبي (صلى الله عليه و آله): لا تعادوا الأيام فتعاديكم. فقال (عليه السلام): نعم الأيام نحن بنا قامت السماوات و الأرض، فالسبت اسم رسول الله (صلى الله عليه و آله) و الأحد أمير المؤمنين، و الاثنين الحسن و الحسين، و الثلاثاء علي بن الحسين و محمّد بن علي الباقر، و جعفر بن محمد الصادق، و الأربعاء موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمّد بن علي و أنا، و الخميس ابني الحسن، و الجمعة ابن ابني و إليه تجتمع عصابة الحق و هو الذي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا. فهذا معنى الأيام و لا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة.

مكيال المكارم – ميرزا محمد تقي الأصفهاني – ج 1 – ص 71 – 75

——————————————————————–
1 – بحار الأنوار 102: 107.
2 – المحجة: 732.
3 – سورة الفتح: 28.
4 – سورة التوبة: 33.
5 – تفسير القمي 2: 264 سورة التوبة.
6 – تفسير العياشي 1: 183، ذيل ح 81.
7 – سورة آل عمران: 83.
8 – سورة البقرة: 148.
9 – تفسير البرهان 1: 163، ح 7.
10 – تفسير البرهان 1: 162، ح 1.
11 – تفسير البرهان 1: 162، ح 6.
12 – تفسير البرهان 1: 164، ح 11.
13 – بحار الأنوار 52: 328، باب 27، ح 48.
14 – بحار الأنوار 53: 7، ح 6.
15 – سورة الزمر: 74.
16 – بحار الأنوار 52: 330، باب 27، ذيل 51.
17 – إكمال الدين 2: 282، باب 27، ذيل 9.