لا یخفی علیکم أیّها الزملاء المسلمین انّ هذا المصحف الشریف فی ایدینا جُمع فیه الآیات و لا یکون فیه شیء سوی کلام الله العزیر و هو حجّة الهیّة فی ایدی المسلمین و هو ما امر رسول الله صلی الله علیه و آله باخذه حین فقده صلی الله علیه و آله و لکن فی تقدیم الآیات و تأخیرها تأملات للعلماء الاسلامیین من الخاصة و العامة کما نشاهده فی الکتب المدونّة و الآثار الباقیة منهم و باجماع جمیع المسلمین هذا المصحف الشریف لا یُجمع علی تنزیله لانّ السورة الحمد لیست اوّل سورة نزلت علی رسول الله صلی الله علیه و آله و السورة البقرة سورة مدنیّة و نزوله متأخّر من هذا الترتیب الموجود و … و القول بأنّ هذا الجمع بأمر رسول الله صلی الله علیه و آله قول جزاف، بل هذا الجمع باجتهاد بعض الصحابة و فی هذا الاجتهاد منازعة بین أصحاب الرسول کعبد الله بن مسعود و ابیّ بن کعب و … و أهل بیت الرسول لهم أقوال فی هذا الجمع من ترتیب السور و عدد الآیات و قرائة بعض الآیات؛ و مصحف أمیرالمومنین جُمع علی ترتیب النزول و اعرابه علی قرائة الرسول من طریق أهل بیته علیهم السلام و هذا الکلام لا یقدح هذا المصحف الشریف. ولکن لو جُمع القرآن علی ما أُنزل له حلاوة خاصة و طراوة عالیة کما ورد فی الاحادیث من الاصحاب کامیرالومنین و فاطمة الزهراء و الحسن بن علی و الحسین بن علی و سلمان و أبی ذر الغفاری و عبد الله بن مسعود و ابی بن کعب و ام المومنین ام سلمة و عایشة و … و التابعین و اتباع التابعین و من اهل البیت علیهم السلام مطلقا.
فی البحار (1) نقلا عن غيبة النعماني (2) عن أمير المؤمنين عليه السلام: «كأنّي أنظّر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة، و قد ضربوا الفساطيط، يعلمون الناس القرآن كما أنزل.»
و عن أبي عبد الله عليه السلام: «كأني بشيعة عليّ في أيديهم المثاني يعلّمون الناس.»
و عن إرشاد الديلمي عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزل الله جل جلاله فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف.»
و في الكافي بإسناده (3) عن سالم بن أبي سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبدالله و أنا أستمع حروفا من القرآن، ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبدالله عليه السلام: «كفّ عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ النّاس، حتّى يقوم القائم (عليه السلام) فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عز و جل على حدّه و أخرج المصحف الذي كتبه عليّ (عليه السلام)».
و قال: «أخرجه علي (عليه السلام) إلى الناس حين فرغ منه و كتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عزّ و جلّ كما أنزل الله على محمّد (صلى الله عليه و آله) و قد جمعته من اللوحين، فقالوا هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال (عليه السلام): أما و الله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا، إنّما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه.»
و في الاحتجاج (4) أنّه لما توفّي رسول الله صلى الله عليه و آله جمع عليّ عليه السلام القرآن و جاء به إلى المهاجرين و الأنصار، و عرضه عليهم لمّا قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه و آله. فلمّا فتحه أبوبكر، خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر و قال: يا علي! اردده فلا حاجة لنا فيه. فأخذه عليه السلام و انصرف ثم أحضر عمر زيد بن ثابت و كان قارئا للقرآن، فقال له عمر: إن عليّا جاءنا بالقرآن، و فيه فضائح المهاجرين و الأنصار فأجابه زيد إلى ذلك، ثمّ قال لهم: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم، و أظهر علي القرآن الّذي ألّفه، أليس قد بطل كلّ ما عملناه؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة! فقال عمر: ما حيلة دون أن نقتله و نستريح منه و من شرّه، فدبّروا في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك. فلما استخلف عمر سأل عليّا عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم. فقال: يا أباالحسن لو أنّك جئتنا بالقرآن الّذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر، حتّى نجتمع عليه. فقال علي عليه السلام: هيهات! ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إليكم لتقوم به الحجّة عليكم و لا تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به. إنّ القرآن الّذي عندي لا يمسّه إلا المطهّرون، و الأوصياء من ولدي. فقال له عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم؟ فقال عليه السلام: نعم! إذا قام القائم من ولدي يظهره، و يحمل النّاس عليه فيجري السّنّة به صلوات الله عليه.
يمكن أن يكون هذا هو الوجه في تسمية القائم عليه السلام بالقرآن العظيم باعتبار أنّه الآمر به و حامل النّاس على قرائته و مظهره و مروجه.
روي في البرهان (5) عن حسان العامري قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى: (و لقد آتيناك سبعا من المثاني و القرآن العظيم) قال: «ليس هكذا تنزيلها إنّما هي “و لقد آتيناك السبع من المثاني” نحن هم و “القرآن العظيم” ولد الولد.»
و عن القاسم (6) بن عروة عنه عليه السلام عن قول الله تبارك و تعالى (و لقد آتيناك سبعا من المثاني و القرآن العظيم) قال: «سبعة أئمّة و القائم (عليهم السلام).»
أمّا كونهم سبعة فيمكن أن يقال إنه باعتبار أسمائهم و تكون فاطمة عليها السلام مقصودة أيضا في الحديث الأوّل “و القرآن العظيم” ولد الولد و هو القائم عليه السلام و أمّا الحديث الثّاني فبتسمية القائم عليه السلام باسم سابع و هو أحمد. كما في البحار (7) عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: «له اسمان اسم يخفى، و اسم يعلن، فأمّا الذي يخفى فأحمد و أمّا الّذي يعلن فمحمّد … .»
و يؤيده ما رواه عن يونس (8) بن عبد الرحمن عمّن ذكره رفعه قال: سألت أباعبدالله عن قول الله تعالى (9) (و لقد آتيناك سبعا من المثاني و القرآن العظيم) (10) قال: «إن ظاهرها الحمد و باطنها ولد الولد، و السابع منها القائم (عليه السلام).»
و على هذا يكون عطف القرآن العظيم على سبع من باب تخصيصه عليه السلام بالذّكر لأمور مهمّة، و أمّا المثاني فيمكن أن يكون المراد به جميع الآيات القرآنية و يؤيده قوله تعالى (11): (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني) (12) الآية. و يؤيّده أيضا قول أبي عبدالله عليه السلام في الحديث المروي سابقا. عن غيبة النعماني (13) كأنّي بشيعة علي (عليه السلام) في أيديهم المثاني و التعبير بذلك لتكرر نزوله، فقد نزل إلى بيت المعمور جملة واحدة في ليلة القدر مرّة أولى، ثمّ نزل منه إلى النّبيّ صلى الله عليه و آله نجوما في مدّة عشرين سنة و يمكن أن يكون المراد به خصوص فاتحة الكتاب كما عن أمير المؤمنين عليه السلام و التعبير عنها بالمثاني إمّا لتكرّرها في كلّ فريضة أو لتكرّر نزولها عن النّبيّ صلى الله عليه و آله و التعبير عن الأئمة عليهم السلام بذلك اللّفظ إمّا باعتبار كونهم ولد الولد فهم في مرتبة ثانية بالنّسبة إلى النّبيّ صلى الله عليه و آله بحسب عالم البشريّة و ترتيب الخلقة الإنسانيّة كما أن فاطمة في المرتبة الأولى و إمّا باعتبار كونهم في مرتبة ثانية بالنّسبة إلى الكتاب الكريم كما يشهد به حديث الثّقلين المتواتر المرويّ من الطريق العامة و الخاصّة. فمن طريق العامّة عن أبي سعيد الخدري عنه صلى الله عليه و آله (14) قال: أيّها النّاس! إني تارك فيكم الثّقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله عزّ و جلّ حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و أنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض. (15)
و أمّا باعتبار كونهم عليهم السلام في مرتبة ثانية بالنّسبة إلى النّبيّ صلى الله عليه و آله بحسب العلوم الربّانيّة، و المقامات العقلانيّة. فقد قال صلى الله عليه و آله: “أنا مدينة الحكمة و علي بابها”.(16)
و قال أمير المؤمنين عليه السلام: “علّمني رسول الله ألف باب كل باب يفتح ألف باب.” (17)
هذا ما سنح بالبال في حل الإشكال، و تحقيق هذا المقال، و الله العالم بحقائق الأحوال، و قد قيل فيه وجوه بعيدة لا نطيل الكتاب بذكرها، من أرادها فليرجع إلى كتاب مرآة الأنوار و مشكاة الأسرار للشيخ أبي الحسن الشريف.
و طریق ظفرنا بهذا المصحف الشریف ظهوره علیه السلام و لنا فرض عقلی و شرعی فی الدعاء لتعحیل فرجه الشریف.

(المأخوذ من مكيال المكارم، الميرزا محمد تقي الأصفهاني 1: 60 – 64 و …)

———————————————————————
1 – بحارالأنوار 52: 364، باب 27، ح 139.
2 – النعماني اسمه محمد بن إبراهيم بن جعفر قال في أمل الآمل: شيخ من أصحابنا عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة، كثير الحديث، قدم بغداد و خرج إلى الشام مات بها. قاله العلامة النجاشي (إلى أن قال): و هذا من تلامذة محمد بن يعقوب الكليني و من مؤلفاته تفسير القرآن رأيت قطعة منه و رأيت كتاب الغيبة و هو حسن جامع.
3 – الكافي 2: 633، باب النوادر، ح 23.
4 – الإحتجاج 1: 225.
5 – البرهان 2: 354، ح 9.
6 – البرهان 2: 354، ح 9.
7- بحار الأنوار 51: 35، باب 4، ذيل 4.
8- البرهان 1: 354، ح 10.
9- بحار الأنوار 51: 25، و ج 2: 354، ح 10.
10 – سورة الحجر: 87.
11- البرهان 2: 354، ح 8.
12- سورة الزمر : 23.
13- غيبة النعماني: 171، ذكر الشيعة عند خروج القائم.
14- سعد السعود: 238.
15 – روى السيد الجليل السيد هاشم البحراني في غاية المرام: 218، باب 91، ح 5 أنه سئل أمير المؤمنين عن معنى قول رسول الله: إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي … من العترة؟ قال (عليه السلام): أنا و الحسن والحسين و الأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم قائمهم. (انظر معاني الأخبار: 91).
16 – الأمالي للشيخ الصدوق: 188.
17 – الخصال للشيخ الصدوق: 647.