قصّة اخرى للعابد الصالح السيّد محمّد العامليّ و تشرّفه بلقاء الحجّة عليه السّلام عند ما أشرف على الهلاك في زيارته للمشهد الرضوي عليه السّلام‏:

و حدث السيد الصالح محمّد العامليّ قدس الله روحه قال: وردت المشهد المقدس الرضوي عليه الصلاة و السلام للزيارة و أقمت فيه مدّة و كنت في ضنك‏
ضيق مع وفور النعمة و رخص أسعارها و لما أردت الرجوع مع سائر الزائرين لم يكن عندي شي‏ء من الزاد حتى قرصة لقوت يومي فتخلفت عنهم و بقيت يومي إلى زوال الشمس فزرت مولاي و أديت فرض الصلاة فرأيت أني لو لم ألحق بهم لا يتيسر لي الرفقة عن قريب و إن بقيت أدركتني الشتاء و مت من البرد.
فخرجت من الحرم المطهر مع ملالة الخاطر و قلت في نفسي: أمشي على أثرهم فإن مت جوعا استرحت و إلا لحقت بهم فخرجت من البلد الشريف و سألت عن الطريق و صرت أمشي حتى غربت الشمس و ما صادفت أحدا فعلمت أني أخطأت الطريق و أنا ببادية مهولة لا يرى فيها سوى الحنظل و قد أشرفت من الجوع و العطش على الهلاك فصرت أكسر حنظلة حنظلة لعلي أظفر من بينها بحبحب «1» حتى كسرت نحوا من خمسمائة فلم أظفر بها و طلبت الماء و الكلاء حتى جنني الليل و يئست منهما فأيقنت الفناء و استسلمت للموت و بكيت على حالي.
فتراءى لي مكان مرتفع فصعدته فوجدت في أعلاها عينا من الماء فتعجبت و شكرت الله عز و جل و شربت الماء و قلت في نفسي: أتوضأ وضوء الصلاة و أصلي لئلا ينزل بي الموت و أنا مشغول الذمة بها فبادرت إليها.
فلما فرغت من العشاء الآخرة أظلم الليل و امتلأ البيداء من أصوات السباع و غيرها و كنت أعرف من بينها صوت الأسد و الذئب و أرى أعين بعضها تتوقد كأنها السراج فزادت وحشتي إلا أني كنت مستسلما للموت فأدركني النوم لكثرة التعب و ما أفقت إلا و الأصوات قد انخمدت و الدنيا بنور القمر قد أضاءت و أنا في غاية الضعف فرأيت فارسا مقبلا علي فقلت في نفسي إنه يقتلني لأنه يريد متاعي فلا يجد شيئا عندي فيغضب لذلك فيقتلني و لا أقل من أن تصيبني منه جراحة.
فلما وصل إلي سلم علي فرددت عليه السلام و طابت منه نفسي فقال ما لك فأومأت إليه بضعفي فقال عندك ثلاث بطيخات لم لا تأكل منها فقلت لا تستهزأني و دعني على حالي فقال لي انظر إلى ورائك فنظرت فرأيت شجرة بطيخ عليها ثلاث بطيخات كبار فقال سد جوعك بواحدة و خذ معك اثنتين و عليك بهذا الصراط المستقيم فامش عليه و كل نصف بطيخة أول النهار و النصف الآخر عند الزوال و احفظ بطيخة فإنها تنفعك فإذا غربت الشمس تصل إلى خيمة سوداء يوصلك أهلها إلى القافلة و غاب عن بصري.
فقمت إلى تلك البطيخات فكسرت واحدة منها فرأيتها في غاية الحلاوة و اللطافة كأني ما أكلت مثلها فأكلتها و أخذت معي الاثنتين و لزمت الطريق و جعلت أمشي حتى طلعت الشمس و مضى من طلوعها مقدار ساعة فكسرت واحدة منهما و أكلت نصفها و سرت إلى زوال الشمس فأكلت النصف الآخر و أخذت الطريق.
فلما قرب الغروب بدت لي تلك الخيمة و رآني أهلها فبادروا إلي و أخذوني بعنف و شدة و ذهبوا بي إلى الخيمة كأنهم زعموني جاسوسا و كنت لا أعرف التكلم إلا بلسان العرب و لا يعرفون لساني فأتوا بي إلى كبيرهم فقال لي بشدة و غضب من أين جئت تصدقني و إلا قتلتك فأفهمته بكل حيلة شرحا من حالي.
فقال أيها السيد الكذاب لا يعبر من الطريق الذي تدعيه متنفس إلا تلف أو أكله السباع ثم إنك كيف قدرت على تلك المسافة البعيدة في الزمان الذي تذكره و من هذا المكان إلى المشهد المقدس مسيرة ثلاثة أيام اصدقني و إلا قتلتك و شهر سيفه في وجهي.
فبدا له البطيخ من تحت عبائي فقال ما هذا فقصصت عليه قصته فقال الحاضرون ليس في هذا الصحراء بطيخ خصوصا هذه البطيخة التي ما رأينا مثلها أبدا فرجعوا إلى أنفسهم و تكلموا فيما بينهم و كأنهم علموا صدق مقالتي و أن هذه معجزة من الإمام عليه آلاف التحية و الثناء و السلام «1» فأقبلوا علي و قبلوا يدي و صدروني في مجلسهم و أكرموني غاية الإكرام و أخذوا لباسي تبركا به و كسوني ألبسة جديدة فاخرة و أضافوني يومين و ليلتين.
فلما كان اليوم الثالث أعطوني عشرة توامين و وجهوا معي ثلاثة منهم حتى أدركت القافلة.

(الجنة المأوی؛ للمحدث النوری)
__________________________________________________
(1) الحبحب: البطيخ الشاميّ الذي تسميه أهل العراق: الرقى، و الفرس: الهندى. قاله الفيروزآبادي و الظاهر أنّه يشبه الحنظل من حيث الصورة.