أنه تعظيم لله وتعظيم لدين الله وتعظيم لرسول الله (عليه السلام). أمّا كونه تعظيما فقد أنه واضح، وأمّا كونه تعظيما لله فهو ممّا لا يحتاج إلى بيان لأن تعظيم كل مؤمن لمحض الإيمان، ليس إلا لتعظيم الخالق المنّان. وأمّا حسن تعظيم دين الله، فمن البديهيّات عند ذوي العقول، فلا نحتاج إلى ذكر خبر منقول، مع أنه قد شرع كثير من الواجبات والسنن لأجل هذا الأمر الحسن، كالأغسال المسنونة، وصلاة التحية والطهارة لدخول المساجد وقراءة القرآن وغيرها مما لا يحتاج إلى البيان. ويعجبني هنا نقل حكاية لطيفة فيها موعظة شريفة، ذكرها يناسب المقام ويكون تنبيها لأولي الأفهام، من كتاب إعلام الناس، بما جرى للبرامكة مع بني العباس، حكى محمد بن يزيد المبرد قال: كان أبو عثمان المازني، جاء إليه يهودي وسأله أن يقرأه كتاب سيبويه وبذل له مائة دينار، فامتنع أبو عثمان من ذلك. فقلت له: سبحان الله ترد مائة دينار مع فاقتك وحاجتك إلى درهم واحد؟ فقال: نعم يا أبا العباس، اعلم أن كتاب سيبويه يشتمل على ثلاثمائة آية من كتاب الله، ولم أرد أن أمكن منها كافرا، فسكت ولم يتكلم. قال المبرد فما مضت إلّا أيّام، حتّى جلس الواثق يوما للشرب، وحضر عنده ندماؤه، فغنت جارية في المجلس هذا الشعر:

أظلوم إن مصابكم رجلا * أهدى السلام تحية ظلم
فنصبت (رجلا) فلحنها بعض الحاضرين من الندماء، وقال: الصواب الرفع لأنّه خبر أنّ، فقالت الجارية: ما حفظته من معلمي إلا هكذا ثم وقع النزاع بين الجماعة فمن قائل الصواب معه، ومن قائل الصواب معها. فقال الواثق: من بالعراق من أهل العربية ممّن يرجع إليه فقالوا بالبصرة أبو عثمان المازني، وهو اليوم واحد عصره في هذا العلم. فقال الواثق اكتبوا إلى والينا بالبصرة يسيره إلينا معظما مبجلا. فما كان إلا أيّام حتّى وصل الكتاب إلى البصرة فأمر الوالي أبا عثمان بالتوجّه، وسيره على بغال البريد، فلمّا وصل دخل على الواثق فرفع مجلسه، وزاد في إكرامه، وعرض عليه البيت فقال: الصواب مع الجارية ولا يجوز في رجل غير النصب لأنّ (مصاب) مصدر بمعنى الإصابة، ورجلا منصوب به والمعنى إن أصابتكم رجلا أهدى السلام تحية ظلم فظلم خبر (إن)، ولا يتم الكلام إلّا به، ففهم الواثق كلام أبي عثمان وعلم أن الحق ما قالته، وأعجب به، وانقطع الرّجل الّذي أنكر على الجارية. ثم أمر الواثق لأبي عثمان المازني بألف دينار، وأتحفه بتحف وهدايا كثيرة لأهله، ووهبت له الجارية جملة أخرى ثمّ سيره إلى بلده مكرما فلما وصل جاء المبرد فقال له أبو عثمان: كيف رأيت يا أبا العباس! تركت لله مائة، فعوضني ألفا.
أقول: ترك المائة تعظيما للقرآن، وتعظيم القرآن تعظيم الخالق المنان، فافهم أيّها الإنسان واجهد في تعظيمه وتعظيم صاحب الزمان، فإنّه عدل القرآن وشريكه في كل عنوان. فإنّ القرآن حبل الله المتين. والقائم (عليه السلام) حبل الله المتين. القرآن: أعطاه الله النّبي في قبال جميع ما أعطاه أهل الدنيا. والقائم (عليه السلام) كذلك. القرآن: قال الله تعالى في حقه * (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون) * وكذلك القائم (عليه السلام). القرآن: فيه تبيان كل شئ. القرآن: أنزله الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور. القائم (عليه السلام): يظهره الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور ظاهرا وباطنا. القرآن التام غائب عن أهل العالم. صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه غائب عن أهل العالم. بالقرآن تبلى السرائر. بظهور القائم عليه الصّلاة والسلام تبلى السرائر. القرآن: شفاء للمؤمنين. القائم (عليه السلام): شفاء للمؤمنين. القرآن: لا يزيد الظالمين إلا خسارا وطغيانا وكفرا. وكذلك القائم (عليه السلام). القرآن: هدى ورحمة لقوم ونقمة وبوار لقوم آخرين. وكذلك القائم (عليه السلام). القرآن: حجة باقية. القائم (عليه السلام) حجة باقية. القرآن: منع الله عنه مس الأيدي النجسة. القائم (عليه السلام) منع الله عنه مس الأيدي النجسة. القرآن: من أقرّ به أقرّ بجميع الكتب المنزلة، ومن لم يقر به لم ينفعه الإقرار بغيره من الكتب.
القائم (عليه السلام): من أقرّ به أقرّ بجميع الأئمّة ومن لم يقر به لم ينفعه الإقرار بغيره من الأئمة. القرآن: يشفع لقارئيه يوم القيامة. القائم (عليه السلام): يشفع لتابعيه يوم القيامة.

(مکیال المکارم ؛ ج 1 ؛ محمد تقی الموسوی الاصبهانی)