استجابة الدعاء يعني أن الداعي إذا جعل دعاءه لنفسه مقرونا بالدعاء لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه، يصير دعاؤه لمولاه سببا وواسطة في استجابة ما يدعو به لنفسه. ويدل على ذلك وجوه عقلية ونقلية:
الأول: أنه لا شك ولا شبهة في تحقق إجابة دعاء العبد لمولانا صاحب الزمان لوجود المقتضى، وعدم المانع، وكلاهما واضحان والتأخير في الإجابة لا يدل على نفي الإجابة كما لا يخفى فإذا جعل الشخص أول دعائه وآخره لصاحب الأمر بتعجيل فرجه، وتسهيل مخرجه، كان مقتضى كرم أكرم الأكرمين أن يستجيب ما بينهما أيضا، وقد قرر سبحانه ذلك بين عباده، فإن من اشترى أمتعة مختلفة بصفقة واحدة، وكان بعضها معيبا يجب عليه إما أن يقبل الجميع أو يرد الجميع، ولا يجوز أن يرد المعيب فقط.
الوجه الثاني: أن جملة من الذنوب والسيئات مانعة عن إجابة الدعوات فإذا قرن الإنسان دعاءه بالدعاء لمولانا صاحب الزمان غفرت له تلك الذنوب الموانع فيصير دعاؤه بلا مانع فيستجيب له المنان الواسع.
الوجه الثالث: أن من فوائد الدعاء له (عليه السلام) دعاءه في حق الداعي، ولا ريب أن دعاءه بكفاية مهم الداعي يقتضي استجابة ما يسأله من الله جل شأنه كما لا يخفى.
الوجه الرابع: ما روي في أصول الكافي في فضل الصلاة على محمد وآله مرسلا عن الصادق (عليه السلام) قال: من كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثمّ يسأل حاجته، ثمّ يختم بالصلاة على محمّد وآل محمّد، فإن الله عزّ وجلّ أكرم من أن يقبل الطرفين، ويدع الوسط، إذ كانت الصلوات على محمد وآل محمد لا تحجب عنه.
أقول: وجه دلالته على المطلوب، أن عموم التعليل يقتضي استجابة كل دعاء يقع بين دعاءين مستجابين، لأنه تعالى أكرم من أن يستجيب الطرفين ويرد ما وقع في البين. وقد ذكرنا في الوجه الأول أن دعاء المؤمن في فرج مولاه (عليه السلام) وطلب نصرته، مستجاب لا محالة. فهذا الدليل النقلي شاهد لما ذكرناه من الوجه العقلي.
الوجه الخامس: ما سيأتي من دعاء الملائكة للداعي في حق مؤمن غائب، بأضعاف ما سأل له، ولا ريب في استجابة دعاء الملائكة لخلوه عن الموانع، فيقتضي دعاؤهم استجابة دعائه في حق نفسه.
الوجه السادس: ما روي في أصول الكافي بسند معتبر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا دعا أحدكم فليعم، فإنه أوجب للدعاء، وفي بعض النسخ: فليعم في الدعاء، فإنه أوجب للدعاء.
أقول: قوله (صلى الله عليه وآله) فإنه أوجب للدعاء، يعني أن الدعاء للعموم أثبت، وألزم لدعاء الداعي في حقه، من أن يدعو لنفسه فقط، خاليا عن الدعاء للمؤمنين، فحاصله سببية ذلك الدعاء العام، لإجابة الدعاء ونيل المرام. ووجه دلالة هذا الكلام على ما هو المقصود في هذا المقام، أن العموم في الدعاء يتصور على وجهين:
أحدهما: أن يشرك الداعي جميع المؤمنين والمؤمنات في دعائه، بأن يدخل نفسه فيهم، فيدعو له ولهم جميعا كأن يقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، واقض حوائج المؤمنين والمؤمنات. أو يقول: اللهم اغفر لنا، واقض حاجتنا مريدا بذلك نفسه وسائر المؤمنين والمؤمنات.
وثانيهما: أن يكون دعاؤه دعاء يشمل نفعه جميع المؤمنين والمؤمنات، وإن لم يصرح بهم، كالدعاء بطلب الأمنية، ونزول البركات السماوية، وخروج البركات الأرضية، ودفع البلاء، ونحوها مما يعم نفعه جميعهم وهذا أيضا تعميم في الدعاء. والدعاء لفرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) من هذا القبيل فيكون من مصاديق هذا الدليل، ويترتب عليه الفائدة المذكورة، وهي على العارفين غير مستورة، وإن تجمد أحد لقصوره، وأنكر ما ذكرناه مع ظهوره، وأنكر كون هذا القسم تعميما في الدعاء قلنا – مماشاة ومسالمة للخصماء -: إذا قصد الداعي، أو صرح بأن غرضه من هذا الدعاء انتفاع جميع المؤمنين والسعداء، فلا ريب في كونه دعاء للعموم، وبذلك يقحم المتعنت الخصوم. وأما كون الدعاء لظهور مولانا صاحب الزمان عليه صلوات الملك المنان مما ينتفع به جميع أهل الإيمان، فلا يحتاج إلى مزيد بيان إذ بظهوره فرج كل مؤمن، وفرح كل موقن، وظهور كل عدل، وخمود كل جهل، وانكشاف العلوم، واندفاع الغموم، وارتفاع العاهات، وانتشار البركات وغلبة المؤمنين، وهلاك الظالمين، وأمن البلاد، وسلامة العباد، واجتماع الأحباب، وغيره مما بيناه في مطاوي هذا الكتاب والله تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب. وأمّا قوله (صلّى الله عليه وآله) إذا دعا أحدكم فليعم فهو يحتمل أمورا:
أحدها: أن يكون المقصود أن المؤمن إذا دعا فليجعل دعاءه هذا عاما للمؤمنين، وليدخل نفسه في جملتهم فإذا فعل ذلك: بأن دعا دعاء شاملا عاما لجميعهم، كان ذلك أوجب، أي أثبت، يعني يكون هذا الدعاء أسرع إجابة، وأشد نفوذا من دعائه لنفسه فقط، فهذا الوجه يقتضي كون التعميم سببا لسرعة إجابة هذا الدعاء.
وحاصلة أنك لو قلت: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات كان أوجب لمغفرتك من قولك: اللهم اغفر لي، وإذا قلت: اللهم عجل فرج مولانا صاحب الزمان، كان أوجب لفرجك من أن تقول: اللهم اجعل لي من أمري فرجا، لأن الدعاء لفرجه (عليه السلام) دعاء للفرج لجميع المؤمنين والمؤمنات فتدبر.
الأمر الثاني: أن يكون من باب المشارفة ويكون المقصود أنك إذا أردت الدعاء لنفسك في أمر من الأمور فابدأ بالدعاء للعموم، فإنه أوجب لدعائك، يعني أن دعاءك للعموم يصير سببا لاستجابة دعائك، وثبوت مرادك وحصول مرامك فيكون هذا الكلام من قبيل قوله تعالى: *(إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم)* وقوله: *(فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله)* ونحوهما.
وحاصل هذا الوجه أن معنى قوله (عليه السلام): إذا دعا أحدكم فليعم، أنه إذا أراد أحدكم الدعاء لنفسه، فليبدأ بدعاء عام للمؤمنين ثم يدع لنفسه فإن ذلك أوجب لدعائه لنفسه، وأثبت له، لأن في تقديم الدعاء لأهل الإيمان تأثيرا تاما في استجابة دعاء الإنسان. كما ورد في عدّة روايات عن الصادق (عليه السلام): إن من قدم أربعين رجلا من إخوانه فدعا لهم، ثم دعا لنفسه، استجيب له فيهم وفي نفسه.
الأمر الثالث: أن يكون المراد مطلق المقارنة العرفية يعني أنك إذا دعوت في كل زمان لنفسك، فادع بدعاء عام لإخوانك، سواء كان قبل دعائك لنفسك أم بعده، أو دعاء عاما له ولهم. وهذا النوع من الاستعمال كثير في اللغة العربية والمحاورات العرفية كما لا يخفى على العارف البصير، ولا ينبئك مثل خبير.
– الوجه السابع: ما رواه ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) أيضا، في أصول الكافي عن محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تبارك وتعالى * (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله)* قال (عليه السلام): هو المؤمن، يدعو لأخيه بظهر الغيب، فيقول له الملك: آمين، ويقول الله العزيز الجبار: ولك مثلا ما سألت وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه.
أقول: السند صحيح عندنا.
وحكم العلامة المجلسي في مرآة العقول بضعفه والظاهر أنه لمكان عمرو بن شمر، لأنه قد صرح بتوثيق جميع رواة هذا الخبر في وجيزته إلا عمرو بن شمر، فقال: (ضعيف). والأقرب عندي تبعا للعالم المحقق النوري (رحمه الله) في مستدرك الوسائل كونه ثقة لرواية جماعة من الأجلاء عنه، ولأمارات أخر، ذكرها لا يناسب وضع هذا المختصر، ولعدم ثبوت ما رمي به من الغلو فراجع وتدبر. وكيف كان فدلالته على المطلوب واضحة لقوله: ولك مثلا ما سألت، فإنه ظاهر في إجابة ما سأل لأخيه في حق الداعي مع الزيادة. وقوله: وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه، يدلّ على إجابة ما سأل لنفسه ببركة دعائه في حق أخيه الغائب، ويحتمل بعيدا أن يكون لفظة أعطيت بصيغة المتكلم المبني للفاعل. يعني أعطيت ما سألت لأخيك الغائب والله العالم.
فيا أيها الطالب الراغب في نيل المطالب! هل تعرف مؤمنا أكمل إيمانا، وأتم يقينا، وأشد اجتهادا، وأقرب إلى الله حبا، وأعظم عند الله شأنا، وأرفع جاها من مولاك صاحب الزمان (عليه السلام)؟ فأكثر الدعاء لمولاك حتى يستجيب الله ببركته دعاك.
الوجه الثامن: أنه قد تقدم ويأتي أن من فوائد الدعاء لظهوره وتعجيل فرجه كمال الإيمان، وقوة اليقين، والنجاة من وساوس المشككين والمضلين، وذلك من الأسباب المقتضية لإجابة الدعاء كما أن ضعف اليقين والشك في أصول الدين مانع عن الإجابة فإذا كان العبد مواظبا في الدعاء لمولاه (عليه السلام) قوي يقينه وكمل إيمانه وإذا قوي يقينه، وكمل إيمانه رزقه الله تعالى الإجابة.
ويدل على ذلك ما رواه ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) في الموثق كالصحيح عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) (يعني الباقر والصادق صلوات الله عليهما) قال: قلت: إنا لنرى الرجل له عبادة واجتهاد وخشوع، ولا يقول بالحق، فهل ينفعه ذلك شيئا؟ فقال (عليه السلام): يا محمد إن مثل أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل، كان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلا دعا فأجيب وإن رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة، ثم دعا فلم يستجب له فأتى عيسى ابن مريم، على نبينا وآله و عليه السلام يشكو إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء. قال (عليه السلام) فتطهر عيسى (عليه السلام) وصلى، ثم دعا الله عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه: يا عيسى! إن عبدي أتاني من غير الباب الذي أؤتى منه إنه دعاني وفي قلبه شك منك فلو دعاني حتى ينقطع عنقه وتنتثر أنامله ما استجبت له. قال: فالتفت إليه عيسى (عليه السلام) فقال: تدعو ربك وأنت في شك من نبيه؟ فقال يا روح الله وكلمته، قد كان والله ما قلت، فادع الله أن يذهب به عني. قال: فدعا له عيسى صلى الله عليه فتاب الله عليه وقبل منه وصار في حد أهل بيته.
الوجه التاسع: ما ذكره المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول في سر حجب الدعاء بدون الصلاة على محمد وآله، قال: إن المقصود من إيجاد الثقلين وسائر الموجودات، والقابل من فيوض الفائضة من بدء الإيجاد إلى ما لا يتناهى من الأزمنة والأوقات، هو رسول الله وأهل بيته عليهم أفضل الصلوات، فلهم الشفاعة الكبرى في هذه النشأة، والنشأة الأخرى وبواسطتهم تفيض الرحمات على جميع الورى. إذ لا بخل في المبدأ وإنما النقص من القابل، وهم القابلون لجميع الفيوض القدسية والرحمات الإلهية فإذا أراد الداعي استجلاب رحمة من الله تعالى، يصلي عليهم، ولا يرد هذا الدعاء لأن المبدأ فياض، والمحل قابل، وببركتهم يفيض على الداعي بل على جميع الخلق كما إذا جاء أعرابي، أو كردي غير مستأهل لشئ من الإكرام إلى باب سلطان، نافذ حكمه في الأنام، فأمر له ببسط الموائد واختصه بأنواع العوائد نسبه العقلاء إلى قلة العقل، وسخافة الرأي، بخلاف ما إذا أمر بذلك لأحد من مقربي حضرته، وأمراء جنده أو لرسول أحد من سلاطين عصره فحضر هذا الأعرابي أو الكردي تلك المائدة فأكل منها، يكون مستحسنا، بل لو منع منها يكون مستقبحا بظاهر النظر. إنتهى كلامه رفع مقامه.
أقول: لا يخفى أن هذا الوجه يجري في الدعاء لمولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه حرفا بحرف وهذا واضح بأدنى نظر لمن تبصر واعتبر.
الوجه العاشر: ما ذكره هذا الفاضل العلام في ذاك المقام أيضا، فقال: إنهم صلوات الله عليهم وسائط بيننا وبين ربنا تقدس وتعالى في إيصال الحكم والأحكام منه إلينا، لعدم ارتباطنا بساحة جبروته، وبعدنا عن حريم ملكوته، فلا بد أن يكون بيننا وبين ربنا سفراء وحجب ذوو جهات قدسية، وحالات بشرية، يكون لهم بالجهات الأول ارتباط بالجناب الأعلى، يأخذون عنه، ويكون لهم بالجهات الثانية مناسبة للخلق، يلقون إليهم ما أخذوا من ربهم. ولذا جعل الله سفراءه وأنبياءه ظاهرا من نوع البشر، وباطنا مباينين عنهم في أطوارهم وأخلاقهم، ونفوسهم وقابلياتهم فهم مقدسون روحانيون قائلون: *(إنما أنا بشر مثلكم)* لئلا ينفر عنهم أمتهم، وليقبلوا منهم، ويأنسوا بهم فكذلك في إفاضته سائر الفيوض والكمالات. هم وسائط بين ربهم وبين سائر الموجودات، فكل فيض وجود يبتدئ بهم، ثم ينقسم على سائر الخلق، فالصلوات عليهم استجلاب للرحمة من معدنها، وللفيوض إلى مقسمها، لتنقسم على سائر البرايا، بحسب استعداداتها وقابلياتها. إنتهى كلامه قدس سره.
أقول: وهذا الوجه أيضا يجري في المقام، كما لا يخفى على ذوي الأفهام فهذه الوجوه عشرة كاملة. يقتضي كون الإجابة للداعي شاملة بسبب دعائه لمولانا القائم عليه الصلاة والسلام الدائم، والله الموفق وهو العاصم.

(مکیال المکارم ؛ ج 1 ؛ محمد تقی الموسوی الاصبهانی)