إن الاهتمام والمداومة في طلب فرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) من الخالق القادر المنان بشرائطه المقررة بقدر الإمكان، يصير سببا لقرب وقوعه، وسرعة طلوعه.
– ويدل على ذلك ما في البحار وغيره عن العياشي عن الفضل بن أبي قرة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أوحى الله إلى إبراهيم أنه سيولد لك فقال لسارة فقالت: *(أألد وأنا عجوز)*؟ فأوحى الله إليه: إنها ستلد ويعذب أولادها أربعمائة سنة، بردها الكلام علي. قال (عليه السلام): فلما طال على بني إسرائيل العذاب، ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحا فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون فحط عنهم سبعين ومائة سنة. قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هكذا أنتم لو دعوتم لفرج الله عنا فأما إذ لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه.

تنبيه إعلم: أنه يستفاد من هذا الحديث الشريف أمور: أحدها: أن جزاء الأعمال الصادرة من الشخص طاعة كانت أم معصية قد يصل إلى أولاده وأعقابه.
– كما ورد عن الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: *(وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما)* أنه كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء وذلك لحكم جليلة ومصالح عظيمة قد خفيت علينا أكثرها وبين لنا بعضها في الروايات الصادرة عن العترة الطاهرة.
فإن قلت: لا ريب في أن إيصال الخيرات والنعم إلى أولاد الشخص، إيصال إليه، وتفضل عليه، في الحقيقة لما نرى بينهما من كمال المودة والرأفة بل ربما يكون إيصال الخير إلى الأولاد ألذ للإنسان بل للحيوان، من تنعم نفسه بهذا الإحسان، حيا كان أو ميتا.
– كما ورد أن أرواح المؤمنين الذين يأتون لزيارة أولادهم إذا رأوهم بخير فرحوا وإذا رأوهم في شدة وضيق حزنوا، إلى غير ذلك مما يدل عليه. وأما تعذيب الأولاد بسبب ما صدر عن الآباء والأمهات، فهو مما لا يساعد عليه العقل، ولا الكتاب العزيز.
أمّا العقل: فلأنه ظلم في نظره، ولا ريب في قبحه على الله عزّ اسمه، وأما كتاب الله عزّ وجلّ فقد قال الله تعالى *(ولا تزر وازرة وزر أخرى)*. قلنا: إن ابتلاء الناس بالبليات والآفات قد يكون لتكفير خطيئاتهم وسيئاتهم وقد يكون لرفع درجاتهم وزيادة مثوباتهم فيمكن أن يعذب الله تعالى بعض عباده ببعض المصائب والمحن والآفات ويجعل ذلك كفارة لذنوب الآباء والأمهات بسبب تألمهم لابتلاء أولادهم بتلك المصيبات، ثم يخص هذا العبد المصاب بأنواع من النعم والثواب، لابتلائه في دار الدنيا بتلك الهموم والبليات وهذه عناية حسنة، ومبادلة مستحسنة، وليس في ذلك شئ من خلاف العدل والإحسان، بل هو نوع إحسان إلى الإنسان من الخالق المنان.
– ويدل على ما ذكرناه في هذا المقام قول مولانا الصادق (عليه السلام) في جواب مفضل بن عمر الذي هو من خواص صحبه الكرام فإنه (عليه السلام) بعد ما بين له منافع حواس الإنسان ومضار فقدها بأحسن بيان، قال المفضل: فقلت: فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح فيناله في ذلك مثل ما وصفته يا مولاي؟ قال (عليه السلام): ذلك للتأديب والموعظة، لمن يحل ذلك به ولغيره بسببه، كما قد يؤدب الملوك الناس للتنكيل والموعظة فلا ينكر ذلك عليهم، بل يحمد من رأيهم، ويصوب من تدبيرهم ثم إن للذين تنزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت، إن شكروا وأنابوا ما يستصغرون معه ما ينالهم منها، حتى إنهم لو خيروا بعد الموت لاختاروا أن يردوا إلى البلايا ليزدادوا من الثواب، الخبر.
ويمكن أن يقرر الجواب بوجه آخر فيقال: إن الله عز وجل، قد قدر بمقتضى حكمه ابتلاء هؤلاء الأولاد بمصائب وبليات، لكن قد جعل اندفاع تلك البلايا عنهم موقوفا على صدور بعض الأفعال عن آبائهم وأمهاتهم، أو صدور بعض الأفعال عنهم، فلما لم يقع الشرط، جرى التقدير الإلهي فابتلاؤهم في الحقيقة لم يكن مجازاة بأعمال آبائهم وأمهاتهم، حتى يتوجه الإشكال المذكور، بل بحسب المصالح الواقعية الثابتة في كل أمر مقدور وهذا مما استفدناه من بعض خصيصي الأصحاب، فتح الله له الخير في كل باب.
الأمر الثاني: مما يستفاد من ذاك الحديث الشريف هو وقوع البداء في بعض المقدرات، ويدل عليه أيضا كثير من الروايات، بل هو من جملة الضروريات عند الإمامية، بل هو مما يعرفون بالاعتقاد به عند مخالفيهم، وذكر هذه المسألة تفصيلا خارج عما نحن بصدده.
فنقول: إن المراد بالبداء هو أن يقدر الله عزّ وجلّ شيئا، ثمّ يقدر خلافه. وهذا أمر ممكن عقلا، وواقع نقلا، لعموم قدرته تعالى ودوام قدرته، ولدلالة الآيات القرآنية، والأخبار المتواترة. وإنما أنكره المخالفون زعما منهم أن ذلك يستلزم أن يكون الله عزّ وجلّ جاهلا بالأمر الثاني غافلا عن مصلحته، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
– ولهذا ورد في رد زعمهم هذا في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما بدا لله في شئ إلا كان في علمه قبل أن يبدو له، وفي معناه أخبار عديدة مروية في أصول الكافي وتوحيد الصدوق والبحار وغيرها.

(مکیال المکارم ؛ ج 1 ؛ محمد تقی الموسوی الاصبهانی)