وُلد المهدي، وولدته نرجس بنت یشوعا بن قیصر ملک الروم، الّتي أمّها من وُلد الحواریین، تُنسب الی شمعون وصيّ المسیح علیه السلام.
سارت مع جیش أبیها متنکّرة في زِيّ الخدم مع عدّة من وصائفها لیداوین الجرحی في حرب من حروب المسلمین في جنوبي شرقي أوروبا، فصادفتهنّ طلائع جیش المسلمین بعد هزیمة جیش العدوّ. فأخذتهنّ أسیرات وما أحسّ أحد بأنّها بنت قیصر … وعندما عُرضت للبیع مع السبایا غیّرت اسمها وقالت اسمي نرجس، لأنّه اسم تتسمّی به الجواري.
وکان والدها قد علّمها لغات مختلفة من جملتها اللغة العربیّة التي استمرّ علیها وألِفَها واستقام لها جیّداً … وکان ذلک في أیّام الإمام الهادي علیه السلام فکلّف أحد أصحابه – یدعی بشر بن سلیمان النخّاص، وهو من نسل أبي أیّوب الأنصاري – بشرائها حین وصلت إلیه قصّتها وعرف بإبائها أن تُباع لمن عرضوا علیها، لأنّه کان یعلم أنها مرصودة لولده، فتمّ ذلک واشتراها صاحبه واحضرها الیه فکلّف خادمه کافوراً أن یستدعی له أخته السیدة الجلیلة حکیمة، فجائت فقال لها: ها هیه، فخدیها وعلّمها الفرائض فإنّها زوجة ابني أبی محمّد و أمّ القائم علیه السلام!
فهل فکر امرؤ بقول الهادي علیه السلام ها هیه؟ وهل علم القاري حلاّ للغز هذه اللفظة؟ لا، فمن المؤکدّ أن الإنسان لا یفکر بهذه السرعة لیعلم المقصود. هاه هیه تدلّ علی أنّ أم القائم علیه السلام کانت معروفة في بیت الهادي بذاتها وصفاتها، وکانت منتظرة. والبیت کلّه علی موعد معها … یعني أنّها لیست ککل سبیّة تٌباع وتٌشتری! نعم إنّها لذلک: یعرفها أهل البیت، ویعرف الأمام العاشر کامل قصّتها وظروف وصولها الی بیته بعهد معهود متوارَث عن رسول الله صلی الله علیه وآله. وکانت هذه الفتاة الشریفة قد رأت في منامها – وهي في بیت أبیها – أنّ محمّداً صلی الله علیه وآله قد حضر الی بیتها مع بنته الزهراء علیه السلام وجلس الی عیسی بن مریم علیه السلام وجلست الزهراء الی مریم بنت عمران علیهما السلام ثمّ خطبها النبیّ من المسیح لولده الحسن العسکري، ثم رأت کأن الزهراء أرتها صورة العسکري وعرّفتها قدره وعلّمتها کیف تصل الیه. فأفاقت من هذا الحلم الذّهبي الذي أخذ بمجامع قلبها وأنار طریق حیاتها وخلع علیها بهجة وأملاً عظیماً، فأفاقت لتتدّبره أمر وصولها الی خاطبها العظیم کما علّمتها سیّدتها الزهراء، ولتجعل الحلم حقیقةً واقعة … وهکذا کان … وکان أن وصلت الی بغداد مع السبایا، وتلّقت فیما تلقّت رسالة الهادي علیه السلام فعرفت صاحبها، ووافقت وأمرت النخّاس أن یٌجری البیع لصاحب الرسالة … ثمّ وصلت الی بیت أذن الله أن یرفع و یذکر فیه اسمه.
فابنٌها مولود، وموجود … و هذا هو الحجّة ولا حجّة بعده، ولا حقّ الاّ معه، ولا نور ولا فرقان الاّ عنده … ولا منصور علیه، لأنّه ولي الله في أرضه وأمینه علی عباده … فمن أنکره إنکر جدّه الأعظم صلی الله علیه وآله ونبذ کل حدیث قدِسي ثابت.
(یوم الخلاص؛ کامل سلیمان : 59-63)
أحدث وجهات النظر