أن المجلس الذي يدعى فيه للقائم عجل الله تعالى فرجه يكون محضرا للملائكة، وهكذا كل مجالس الدعاء، وتساعد الملائكة أهل تلك المجالس في هذا الدعاء وسائر أقسامه.
ويدلّ على ذلك عدة روايات:
– منها: ما في البحار عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: إذا مررتم في رياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر فإن لله سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم. انتهى.

أقول: يستفاد من هذا الحديث الشريف، والكلام اللطيف، أمور:
أحدها: كون مجالس الذكر من رياض الجنة وهذا إما من باب تسمية السبب باسم المسبب، لكون الجلوس في تلك المجالس سببا لدخول الجنة. وإمّا من باب كون تلك المجالس جنة حقيقية، بأن يكون المراد بالجنة دار القرب، ومنازل الأبرار. ويؤيده التعليل بقوله (صلى الله عليه وآله): فإن لله تعالى سيارات من الملائكة (الخ). وبعبارة أخرى: الجنة محل ألطاف الله، ودار كرامته فإذا كان العبد من أهلها فهو في الجنة في الدنيا، وفي القبر، وفي البرزخ وفي القيامة وما بعدها.
– ويؤيّد هذا المعنى أيضا ما ورد أن القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران إذ لا يخفى أن القبر الواقع في الأرض غير الجنة الموعودة، الواقعة في السماء كما ورد في الأخبار، ويمكن أن يكون المراد بالجنة: الجنة المعهودة، ويكون التعبير بها عن حلق الذكر، من باب الاستعارة ووجه الشباهة ما ذكرناه، من كونها دار القرب، ومحل الكرامة، والله العالم.
الأمر الثاني: مما يستفاد من الخبر الشريف استحباب اجتماع المؤمنين للذكر والدعاء ويشهد لذلك روايات:
– منها: ما في أصول الكافي بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعدا، إلا حضر من الملائكة مثلهم، فإن دعوا بخير أمنوا، وإن استعاذوا من شر دعوا الله ليصرفه عنهم، وإن سألوا حاجة تشفعوا إلى الله وسألوه قضاءها، الخبر.
– وفيه عنه (عليه السلام) قال: ما اجتمع أربعة رهط قط على أمر واحد فدعوا الله إلا تفرقوا عن إجابة.
– وفيه أيضا عنه (عليه السلام) قال: كان أبي إذا حزنه أمر جمع النساء والصبيان، ثم دعا وأمنوا.
أقول: والرواية الأولى من هذه الروايات الثلاث أيضا مما يدل على كون مجلس الدعاء محضر الملائكة فلا تغفل.
الأمر الثالث: مما يستفاد من الحديث الشريف استحباب الحضور، والكون في مجلس الذكر والدعاء، وإن لم يشتغل بذلك.
– ويشهد لهذا ما في البحار نقلا عن كتاب عوالي اللئالي قال روى عدة من المشايخ بطريق صحيح عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إن الله عزّ وجلّ يقول لملائكته عند انصراف أهل مجالس الذكر والعلم إلى منازلهم: اكتبوا ثواب ما شاهدتموه من أعمالهم، فيكتبون لكل واحد ثواب عمله، ويتركون بعض من حضر معهم فلا يكتبونه، فيقول الله عزّ وجلّ: ما لكم لم تكتبوا فلانا، أليس كان معهم وقد شهدهم؟ فيقولون: يا رب إنه لم يشرك معهم، ولا تكلم معهم بكلمة فيقول الجليل جل جلاله أليس كان جليسهم؟ فيقولون: بلى يا رب، فيقول: اكتبوه معهم، إنهم قوم لا يشقى بهم جليسهم. فيكتبونه معهم فيقول تعالى اكتبوا له ثوابا مثل ثواب أحدهم.
بيان قال العلامة المجلسي (رحمه الله): قوله (عليه السلام): ” لا يشقى بهم جليسهم ” أي ببركتهم لا يخيب جليسهم عن كرامتهم فيشقى، أو أن صحبتهم مؤثرة في الجليس، فاستحق بسبب ذلك الثواب والسعادة. انتهى.
– وفي البحار أيضا عن العيون، بإسناده عن الرضا عليه الصلاة والسلام، قال: من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب. انتهى.
أقول: ونظير ذلك المصاحبة مع زوار قبر مولانا الشهيد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، والكون معهم والدخول في زمرتهم.
الأمر الرابع: مما يستفاد من الحديث الشريف أن الجلوس في مجالس الذكر يوجب صفاء القلب ولذلك يأنس الملائكة بأهل تلك المجالس وفقنا الله تعالى وجعلنا منهم في الدنيا والآخرة.
تبيين المراد بحلق الذكر المجالس التي يجتمع فيها أهل الإيمان لقراءة القرآن، أو الدعاء لصاحب الزمان (عليه السلام) أو ذكر أسماء الله تعالى وصفاته، أو ذكر النبي والأئمّة (عليهم السلام) فإن ذكرهم ذكر الله، كما ورد في الحديث، أو ذكر مصائبهم، أو سائر ما يتعلق بشؤونهم. ومن مجالس الذكر أيضا سائر مجالس الدعاء، ومنها أيضا مجالس مباحثة العلم الشرعي، ومدارسته على الوجه الخالص من السمعة والرياء والجدال والمراء.
وذكر ما يدل على ما ذكرناه من الأخبار ينافي ما قصدناه من الاختصار فلنكتف بهذا المقدار.

(مکیال المکارم ؛ ج 1 ؛ محمد تقی الموسوی الاصبهانی)