دعاء مولانا سيد الساجدين عليه الصلاة والسلام في حق الداعين في حق مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه:
وهو يشتمل على فنون من الفوائد وصنوف من العوائد.
الأول: الدعاء لهم بالصلاة من الله عزّ وجلّ في كلّ غدو ورواح.
والثاني: السلام عليهم من الله تعالى.
والثالث: اجتماع أمرهم على التقوى.
والرابع: إصلاح شؤونهم وما يهمهم.
والخامس: قبول توبتهم وغفران ذنوبهم.
والسادس: سكناهم في دار السلام في جوار الأئمة الكرام عليهم الصلاة والسلام.

– ويدلّ على ذلك كله قوله (عليه السلام) في دعاء العرفة، بعد الدعاء في حق مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه وظهوره والصلاة عليه وعلى آبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين: ” اللهم وصل على أوليائهم المعترفين بمقامهم، المتبعين منهجهم، المقتفين آثارهم، المستمسكين بعروتهم، المتمسكين بولايتهم، المؤتمين بإمامتهم، المسلمين لأمرهم، المجتهدين في طاعتهم، المنتظرين أيامهم، المادين إليهم أعينهم، الصلوات المباركات الزاكيات الناميات الغاديات الرائحات، وسلم عليهم، وعلى أرواحهم، واجمع على التقوى أمرهم وأصلح لهم شأنهم، وتب عليهم إنك أنت التواب الرحيم، وخير الغافرين، واجعلنا معهم في دار السلام، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول: وجه الدلالة على المطلوب أنه لا شبهة في استجابة دعائه (عليه السلام) وقد دعا (عليه السلام) بستّ دعوات أشرنا إليها للمؤمنين المتصفين بصفات عشرة، والمؤمن إذا دعا بتعجيل فرج مولاه مع اجتماع الشرائط التي يكون من مصاديق المذكورين في ذلك الدعاء، فيستجاب في حقّه تلك الدعوات. فالمهم في هذا المقام بيان ثلاثة أمور لتوضيح المرام:
الأول: شرح الدعوات المذكورة فنقول: يمكن أن يكون المراد بالصلاة من الله تعالى: الرحمة، كما هو أحد التفاسير الواردة. ويمكن أن يكون المراد الثناء منه على العبد في الملأ الأعلى كما ورد في حق من يباهي الله تعالى به الملائكة، والمراد بالصلوات المباركات كثرة منافعه الدنيوية وبالزاكيات الخاليات من شوب السخط، وعروض الغضب، وبالناميات ازديادها، وتضاعف آثارها الأخروية. والمراد باجتماع أمرهم على التقوى أن تكون أفعالهم جميعا موافقة للتقوى، خالية عن شوب الهوى، بأن لا يصدر منهم أمر مخالف لما أمر الله تعالى به، ويحتمل أن يكون المراد ائتلافهم جميعا على كلمة التقوى والأول أظهر، وإصلاح شأنهم، أي إصلاح أمورهم الدنيوية.
الأمر الثاني: شرح الصفات العشرة بحسب ما يستفاد من كلمات العترة الطاهرة فنقول:
الأولى: الإذعان بالشؤون التي خص الله بها الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) إجمالا أو تفصيلا وإلى ذلك أشار (عليه السلام) بقوله: المعترفين بمقامهم.
الثانية: أن يتبعهم في عقائدهم. ويدين بما دانوا به، وهو المراد بقوله (عليه السلام) المتبعين منهجهم.
والثالثة: الاقتداء بهم في آدابهم وأفعالهم الصادرة منهم في كل أمر من الأمور، وإليه أشار (عليه السلام) بقوله: المقتفين آثارهم.
والرابعة: أن يجعل عروته ما جعلوه له عروة، ويحصل ذلك بالعمل على طبق ما أمروا به ونهوا عنه وهو المعبر عنه بقوله (عليه السلام): المستمسكين بعروتهم.
والخامسة: التمسك والتوسل في المهمات بحبل ولايتهم لا غير، وإليه أشار بقوله: المتمسكين بولايتهم.
والسادسة: أن يجعلهم أئمة خاصة ولا يدخل فيهم من ليس منهم كالزيدية وأشياعهم مثلا.
والسابعة: التسليم لأمرهم. – روي في أصول الكافي (1) بإسناد صحيح عن عبد الله الكاهلي (رحمه الله) قال: ” قال أبو عبد الله (عليه السلام)، لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثم قالوا لشئ صنعه الله أو صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ألا صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم، لكانوا بذلك مشركين ثم تلا هذه الآية * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) * ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) عليكم بالتسليم “.
– وفيه بإسناد صحيح عنه (عليه السلام) قال: إنما كلف الناس ثلاثة: معرفة الأئمة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه.
والثامنة: بذل الوسع في طاعتهم وإلى هذ أشار بقوله (عليه السلام) المجتهدين في طاعتهم.
والتاسعة: انتظار ظهور دولتهم كما قال: المنتظرين أيّامهم.
والعاشرة: أن يجعل إمامه نصب عينيه ويعتقد أنه بحضرة إمامه في جميع أحواله وبمرأى منه ومسمع في تمام أشغاله بحيث لا يخفى منه شئ عليه ولو كشف الغطاء عن عينه نظر إليه وحينئذ يجتهد في رعاية الأدب بالنسبة إليه وهذا معنى قوله المادين إليهم أعينهم، ويدلّ على ما ذكرنا أخبار كثيرة: منها ما في الخرائج عن أبي بصير قال: دخلت المسجد مع أبي جعفر (عليه السلام)، والناس يدخلون ويخرجون، فقال (عليه السلام) لي: سل الناس هل يرونني؟ وكل من لقيته سألته عنه: هل رأيت أبا جعفر (عليه السلام)؟ فيقول: لا وهو واقف حتى دخل أبو هارون المكفوف، فقال (عليه السلام): سل هذا! فقلت: هل رأيت أبا جعفر (عليه السلام)؟ فقال: أليس هو قائما؟ قلت: وما علمك؟ قال: وكيف لا أعلم وهو نور ساطع. قال: وسمعته يقول لرجل من أهل الإفريقية: ما حال راشد؟ قال: خلفته حيا صالحا يقرئك السلام. قال (عليه السلام) رحمه الله. قال: مات؟ قال: نعم. قال: متى؟ قال (عليه السلام): بعد خروجك بيومين، قال: والله ما مرض، ولا به كانت علة وإنما يموت من مرض وعلة. قلت من الرجل؟ قال: رجل كان لنا مواليا وكان لنا محبا. ثم قال (عليه السلام): لئن تروا أنه ليس لنا معكم أعين ناظرة، أو أسماع سامعة، لبئس ما رأيتم! والله ما يخفى علينا شئ من أعمالكم فاحضرونا جميعا وعودوا أنفسكم الخير وكونوا من أهله تعرفوا به، فإني بهذا آمر ولدي وشيعتي.
الأمر الثالث: بيان ترتب تلك الفوائد على الدعاء بتعجيل فرجه (عليه السلام)، فنقول لا ريب في أن الداعي في حق مولانا صاحب الزمان وبتعجيل فرجه يكون مصداقا للعناوين المذكورة إذا كان ملازما للتقوى، وناهيا نفسه عن الهوى، ومهذبها عما يرديها ومبعدا لها عما يغويها وعلى نحو الكمال مشروط بالتقوى وتهذيب النفس فإذا صار الداعي كذلك فاز بما ذكرناه هنالك فإن هذا الدعاء موالاة للأئمة الهداة واعتراف بمقامهم واتباع لمنهجهم واقتفاء لآثارهم، واستمساك بعروتهم، وتمسك بولايتهم، وائتمام بهم وتسليم لأمرهم واجتهاد في طاعتهم ودليل على انتظار أيامهم وكل ذلك يظهر للمحب الموافق بأدنى تأمل صادق.

(مکیال المکارم ؛ ج 1 ؛ محمد تقی الموسوی الاصبهانی)