الأوقات والحالات التي يتأكد فيها الدعاء لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام) بعد كل فريضة، ويشهد لذلك ذكر الدعاء لذلك الأمر في أدعية عديدة مأثورة عن الأئمة الطاهرين.
– منها: ما روي في أصول الكافي، مرسلا عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال: إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل: رضيت بالله ربا وبمحمد (صلى الله عليه وآله) نبيا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن كتابا، وبفلان وفلان أئمة، اللهم وليك فلان فاحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، ومن تحته وامدد له في عمره واجعله القائم بأمرك، والمنتظر لدينك وأره ما يحب وتقر به عينه في نفسه وذريته، وفي أهله وماله، وفي شيعته وفي عدوه، وأرهم منه ما يحذرون وأره فيهم ما يحب، وتقر به عينه، واشف صدورنا، وصدور قوم مؤمنين.
– ورواه الشيخ الصدوق في الفقيه عنه (عليه السلام) مرسلا وهذا لفظه: وقال (عليه السلام) إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل: “رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن كتابا، وبمحمد (صلى الله عليه وآله) نبيا، وبعلي وليا، والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة بن الحسن بن علي (عليهم السلام) أئمة. اللهم وليك الحجة فاحفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، ومن تحته، وامدد له في عمره واجعله القائم بأمرك المستنصر لدينك، وأره ما يحب وتقر به عينه في نفسه، وفي ذريته، وأهله، وماله وفي شيعته، وفي عدوه، وأرهم منه ما يحذرون، وأره فيهم ما يحب وتقر به عينه، واشف به صدورنا، وصدور قوم مؤمنين.

أقول: فلان وفلان في رواية الكافي كناية عن الأئمة الماضين (عليهم السلام). وقوله: اللهم وليك فلان كناية عن مولانا صاحب الزمان، وقد صرح الصدوق (رضي الله عنه) بأسمائهم الشريفة في روايته، وهذا الحديث يدل على تأكد الدعاء لفرج مولانا الحجة، بعد كل صلاة مكتوبة.
– ويشهد لذلك أيضا ما روي في البحار نقلا من كتاب الاختيار للسيد بن الباقي، عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: من قرأ بعد كل فريضة هذا الدعاء فإنّه يرى الإمام ” م ح م د” بن الحسن عليه وعلى آبائه السلام في اليقظة أو في المنام: “بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم بلّغ مولانا صاحب الزمان أينما كان وحيثما كان من مشارق الأرض ومغاربها، سهلها وجبلها، عني وعن والدي وعن ولدي وإخواني التحية والسلام، عدد خلق الله، وزنة عرش الله، وما أحصاه كتابه وأحاط به علمه. اللهم إني أجدد له في صبيحة هذا اليوم وما عشت فيه من أيام حياتي عهدا وعقدا، وبيعة له في عنقي، لا أحول عنها ولا أزول أبدا. اللّهم اجعلني من أنصاره والذّابين عنه والممتثلين لأوامره، ونواهيه في أيامه، والمستشهدين بين يديه. اللهم فإن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا، فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني، شاهرا سيفي، مجردا قناتي ملبيا دعوة الدّاعي في الحاضر والبادي. اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة واكحل بصري بنظرة مني إليه وعجل فرجه وسهل مخرجه. اللهم اشدد أزره، وقو ظهره، وطول عمره، واعمر اللهم به بلادك وأحي به عبادك فإنك قلت وقولك الحق: * (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) * فأظهر اللهم لنا وليك، وابن بنت نبيك، المسمى باسم رسولك (صلى الله عليه وآله) حتى لا يظفر بشئ من الباطل إلا مزقه ويحق الله الحق بكلماته، ويحققه. اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بظهوره إنهم يرونه بعيدا، ونراه قريبا، وصلى الله على محمد وآله”.
– ومما يشهد لتأكد الدعاء لفرجه (عليه السلام) بعد كل من الفرائض اليومية أيضا ما روى في مكارم الأخلاق قال: روي أن من دعا بهذا الدعاء عقيب كل فريضة، وواظب على ذلك، عاش حتى يمل الحياة، ويتشرف بلقاء صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه وهو: اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم إن رسولك الصادق المصدق صلواتك عليه وآله قال: إنك قلت ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته. اللهم فصل على محمد وآل محمد وعجل لأوليائك الفرج، والنصر والعافية ولا تسؤني في نفسي، ولا في ” فلان” قال: وتذكر من شئت.
أقول: وروى العلامة المجلسي (رضي الله عنه) في صلاة البحار نقلا عن كتاب فلاح السائل، للعالم الرباني السيد علي بن طاووس (رضي الله عنه) قال: ومن المهمات لمن يريد طول البقاء، أن يكون من تعقيبه بعد كل صلاة:
– ما رواه أبو محمد هارون بن موسى (رضي الله عنه) عن أبي الحسين علي بن محمد بن يعقوب العجلي الكسائي، عن علي بن الحسن بن فضال، عن جعفر بن محمد بن حكيم، عن جميل ابن دراج قال: دخل رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له: يا سيدي، علت سني، وماتت أقاربي، وأنا خائف أن يدركني الموت وليس لي من آنس به، وأرجع إليه. فقال (عليه السلام) له: إن من إخوانك المؤمنين من هو أقرب نسبا أو سببا وأنسك به خير من أنسك بقريب، ومع هذا فعليك بالدعاء، وأن تقول عقيب كل صلاة: اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم إن الصادق الأمين (عليه السلام) قال: إنك قلت: ” ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته”.
اللهم فصل على محمد وآل محمد، وعجل لوليك الفرج والعافية والنصر، ولا تسؤني في نفسي، ولا في أحد من أحبتي، وإن شئت أن تسميهم واحدا واحدا فافعل وإن شئت متفرقين، وإن شئت مجتمعين. قال الرجل: والله لقد عشت حتى سئمت الحياة قال أبو محمد هارون بن موسى (رضي الله عنه) أن محمد بن الحسن بن شمون البصري كان يدعو بهذا الدعاء، فعاش مائة وثمان وعشرين سنة في خفض، إلى أن مل الحياة فتركه فمات رحمه الله تعالى.
– وروى أن المجلسي أيضا نقلا عن دعوات الراوندي والمكارم ومصباح الشيخ وجنة الأمان والبلد الأمين بهذا اللفظ روى من دعا بهذا الدعاء عقيب كل فريضة، وواظب على ذلك عاش حتى يمل الحياة.
– ويدل على المقصود أيضا ما روي في كتاب جمال الصالحين عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه قال: إن من حقوقنا على شيعتنا أن يضعوا بعد كل فريضة أيديهم على أذقانهم ويقولوا ثلاث مرات: ” يا ربّ محمد عجل فرج آل محمّد يا ربّ محمّد احفظ غيبة محمّد، يا ربّ محمّد، انتقم لابنة محمّد (عليها السلام) “. انتهى.
تتميم: نفعه عميم إذا عرفت ما يدل على المقصود من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) فاعلم أن السر في ذلك أن حقيقة العبادة وأصلها وشرط قبولها هو معرفة الإمام، والتولي له فينبغي للمؤمن أن يظهر حقيقة إيمانه وصدق ولايته لمولاه، بعد كل صلاة بالدعاء له ومسألة فرجه من الله عز وجل، حتى تقترن صلاته بما يكون سببا لقبولها ويدل علىه الروايات الواردة في تفسير قوله تعالى * (اليوم أكملت لكم دينكم) *. وفي قوله تعالى: *(أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله)* وغيرهما مما يتعسر أو يتعذر جمعها، وضبطها من الأخبار الكثيرة، وكذا الحال في الصوم، والحج، وسائر العبادات ولذا ورد الصلاة على محمد وآله (عليهم السلام) والدعاء لفرج مولانا (عليه السلام) في أيام شهر رمضان ولياليه.
– ويعجبني هنا ذكر حديث شريف مروي في تفسير البرهان في تفسير قوله تعالى * (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله)* بإسناده عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: نحن جنب الله، ونحن صفوة الله، ونحن خيرة الله ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن أمناء الله عز وجل، ونحن حجج الله، ونحن حبل الله، ونحن رحمة الله على خلقه، ونحن الذين بنا يفتح الله وبنا يختم، ونحن أئمة الهدى، ونحن مصابيح الدجى، ونحن منار الهدى، ونحن العلم المعروف لأهل الدنيا، ونحن السابقون، ونحن الآخرون من تمسك بنا لحق، ومن تخلف عنا غرق، ونحن قادة الغر المحجلين، ونحن حرم الله، ونحن الطريق والصراط المستقيم إلى الله عز وجل، ونحن من نعم الله على خلقه ونحن المنهاج، ونحن معدن النبوة، ونحن موضع الرسالة. ونحن أصول الدين، وإلينا تختلف الملائكة، ونحن السراج لمن استضاء بنا ونحن السبيل لمن اقتدى بنا، ونحن الهداة إلى الجنة ونحن عرى الإسلام، ونحن السجور، ونحن القناطر، من مضى علينا سبق، ومن تخلف عنا محق، ونحن السنام الأعظم، ونحن الذين بنا تنزل الرحمة، وبنا تسقون الغيث، ونحن الذين بنا يصرف الله عز وجل عنكم العذاب، فمن أبصرنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهو منا وإلينا.
تكميل وقد اختلج بالبال سر آخر، لتأكد الدعاء في حقه في تلك الحال وهو أنه قد ورد في عدة من الروايات: إن لكل مؤمن بعد كل صلاة فريضة دعوة مستجابة – وهي مذكورة في الوسائل وغيره – فينبغي للمؤمن الكامل الذي يكون مولاه في نظره أعز من نفسه، ومن أعز أهله، أن يجعل ذلك الدعاء في حقه.

(مکیال المکارم ؛ ج 2 ؛ محمد تقی الموسوی الاصبهانی)