تشرّف العالم المؤيّد السيّد محمّد القطيفيّ بلقائه عليه السّلام في مسجد الكوفة:

حدثني العالم النبيل و الفاضل الجليل الصالح الثقة العدل الذي قل له البديل الحاج المولى محسن الأصفهاني المجاور لمشهد أبي عبد الله علیه السلام حيّا و ميّتا و كان من أوثق أئمّة الجماعة قال حدّثني السيّد السند و العالم المؤيد التّقي الصّفي السيّد محمّد بن السيّد مال الله بن السيّد معصوم القطيفي رحمهم الله قال: قصدت مسجد الكوفة في بعض ليالي الجمع و كان في زمان مخوف لا يتردد إلى المسجد أحد إلا مع عدة و تهيئة لكثرة من كان في أطراف النجف الأشرف من القطاع و اللصوص و كان معي واحد من الطلاب.
فلما دخلنا المسجد لم نجد فيه إلا رجلا واحدا من المشتغلين فأخذنا في آداب المسجد فلما حان غروب الشمس عمدنا إلى الباب فأغلقناه و طرحنا خلفه من الأحجار و الأخشاب و الطوب «1» و المدر إلى أن اطمأنا بعدم إمكان انفتاحه من الخارج عادة.
ثم دخلنا المسجد و اشتغلنا بالصلاة و الدعاء فلما فرغنا جلست أنا و رفيقي في دكة القضاء مستقبل القبلة و ذاك الرجل الصالح كان مشغولا بقراءة دعاء كميل في الدهليز القريب من باب الفيل بصوت عال شجي و كانت ليلة قمراء صاحية و كنت متوجها إلى نحو السماء.
فبينا نحن كذلك فإذا بطيب قد انتشر في الهواء و ملأ الفضاء أحسن من ريح نوافج المسك الأذفر و أروح للقلب من النسيم إذا تسحر و رأيت في خلال أشعة القمر إشعاعا كشعلة النار قد غلب عليها و انخمد في تلك الحال صوت ذلك الرجل الدّاعي فالتفتّ فإذا أنا بشخص جليل قد دخل المسجد من طرف ذلك الباب المنغلق في زي لباس الحجاز و على كتفه الشريف سجادة كما هو عادة أهل الحرمين إلى الآن و كان يمشي في سكينة و وقار و هيبة و جلال قاصدا باب المسلم و لم يبق لنا من الحواس إلاّ البصر الخاسر و اللّبّ الطائر فلما صار بحذائنا من طرف القبلة سلّم علينا.
قال رحمه الله: أمّا رفيقي فلم يبق له شعور أصلا و لم يتمكن من الرّدّ و أمّا أنا فاجتهدت كثيرا إلى أن رددت عليه في غاية الصعوبة و المشقّة فلمّا دخل باب المسجد و غاب عنّا تراجعت القلوب إلى الصدور فقلنا من كان هذا و من أين دخل فمشينا نحو ذلك الرجل فرأيناه قد خرق ثوبه و يبكي بكاء الواله الحزين فسألناه عن حقيقة الحال فقال: واظبت هذا المسجد أربعين ليلة من ليالي الجمعة طلبا للتشرف بلقاء خليفة العصر و ناموس الدّهر عجل الله تعالى فرجه و هذه الليلة تمام الأربعين و لم أتزود من لقائه ظاهرا غير أني حيث رأيتموني كنت مشغولا بالدعاء فإذا به علیه السلام واقفا على رأسي فالتفت إليه علیه السلام فقال: “چه مي كنى” أو “چه مي خوانى” أي ما تفعل أو ما تقرأ و الترديد من الفاضل المتقدم و لم أتمكن من الجواب فمضى عني كما شاهدتموه فذهبنا إلى الباب فوجدناه على النحو الذي أغلقناه فرجعنا شاكرين متحسرين.
قلت: و هذا السيد كان عظيم الشّأن جليل القدر و كان شيخنا الأستاذ العلامة الشيخ عبد الحسين الطهراني أعلى الله مقامه كثيرا ما يذكره بخير و يثني عليه ثناء بليغا قال: كان رحمه الله تقيا صالحا و شاعرا مجيدا و أديبا قارئا غريقا في بحار محبة أهل البيت علیهم السلام و أكثر ذكره و فكره فيهم و لهم حتى أنا كثيرا ما نلقاه في الصحن الشريف فنسأله عن مسألة أدبية فيجيبنا و يستشهد في خلال كلامه بما أنشده هو و غيره في المراثي فتتغير حاله فيشرع في ذكر مصائبهم على أحسن ما ينبغي و ينقلب مجلس الشعر و الأدب إلى مجلس المصيبة و الكرب و له رحمه الله قصائد رائقة في المراثي دائرة على السن القراء منها القصيدة التي أولها:
ما لي إذا ما الليل جنا — أهفو لمن غنى و حنا.
و هي طويلة و منها القصيدة التي أولها:
ألقت لي الأيام فضل قيادها — فأردت غير مرامها و مرادها
إلخ‏
و منها القصيدة التي يقول فيها في مدح الشهداء:
و ذوي المروة و الوفاء أنصاره — لهم على الجيش اللهام زئير
طهرت نفوسهم بطيب أصولها — فعناصر طابت لهم و حجور
عشقوا العنا للدفع لا عشقوا — العنا للنفع لكن أمضي المقدور
فتمثلت لهم القصور و ما بهم — لو لا تمثلت القصور قصور
ما شاقهم للموت إلا وعدة الرحمن — لا ولدانها و الحور
إلخ.

(الجنة المأوی؛ للمحدث النوری)
__________________________________________________
(1) الطوب: الاجر بلغة أهل مصر.