تشرّف السيّد عليّ بن طاووس رحمه اللّه في السرداب الشريف سحرا يسمع دعاءه عليه السّلام‏.
رأيت في ملحقات كتاب أنيس العابدين و هو كتاب كبير في الأدعية و الأوراد ينقل عنه العلامة المجلسي في المجلد التاسع عشر من البحار و الآميرزا عبد الله تلميذه في الصحيفة الثالثة ما لفظه نُقِلَ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَحَراً فِي السِّرْدَابِ عَنْ صَاحِبِ الْأَمْرِ علیه السلام أَنَّهُ يَقُولُ‏ اللَّهُمَّ إِنَّ شِيعَتَنَا خُلِقَتْ مِنْ شُعَاعِ أَنْوَارِنَا وَ بَقِيَّةِ طِينَتِنَا وَ قَدْ فَعَلُوا ذُنُوباً كَثِيرَةً اتِّكَالًا عَلَى حُبِّنَا وَ وَلَايَتِنَا فَإِنْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمْ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ فَقَدْ رَضِينَا وَ مَا كَانَ مِنْهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَأَصْلِحْ بَيْنَهُمْ وَ قَاصَّ بِهَا عَنْ خُمُسِنَا وَ أَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ وَ زَحْزِحْهُمْ عَنِ النَّارِ وَ لَا تَجْمَعْ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ أَعْدَائِنَا فِي سَخَطِكَ قلت و يوجد في غير واحد من مؤلفات جملة من المتأخرين الذين قاربنا عصرهم و المعاصرين هذه الحكاية بعبارة تخالف العبارة الأولى و هي هكذا اللهم إن شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا و عجنوا بماء ولايتنا اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا و ولائنا يوم القيامة و لا تؤاخذهم بما اقترفوه من السيئات إكراما لنا و لا تقاصهم يوم القيامة مقابل أعدائنا فإن خففت موازينهم فثقلها بفاضل حسناتنا.
و لم نجد أحدا منهم إلى الآن أسند هذه الحكاية إلى أحد رواها عن السيد أو رآها في واحد من كتبه و لا نقله العلامة المجلسي و معاصروه و من تقدم عليه إلى عهد السيد و لا يوجد في شي‏ء من كتبه الموجودة التي لم يكن عندهم أزيد منها نعم الموجود في أواخر المهج و قد نقله في البحار أيضا هكذا كنت أنا بسرمن‏رأى فسمعت سحرا دعاء القائم ع فحفظت منه من الدعاء لمن ذكره الأحياء و الأموات‏ «1» و أبقهم أو قال و أحيهم في عزنا و ملكنا و سلطاننا و دولتنا و كان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان و ثلاثين و ستمائة.
و أظن و إن كان بعض الظن إثما أن ما نقلناه أولا مأخوذ من كلام الحافظ الشيخ رجب البرسي و نقل كلماته بالمعنى فإنه قال في أواخر مشارق الأنوار بعد نقل كلام المهج إلى قوله ملكنا ما لفظه و مملكتنا و إن كان شيعتهم منهم و إليهم و عنايتهم مصروفة إليهم فكأنه علیه السلام يقول.
اللهم إن شيعتنا منا و مضافين إلينا و إنهم قد أساءوا و قد قصروا و أخطئوا رأونا صاحبا لهم رضا منهم و قد تقبلنا عنهم بذنوبهم و تحملنا خطاياهم لأن معولهم علينا و رجوعهم إلينا فصرنا لاختصاصهم بنا و اتكالهم علينا كانا أصحاب الذنوب إذ العبد مضاف إلى سيده و معول المماليك إلى مواليهم.
اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا و طمعا في ولايتنا و تعويلا على شفاعتنا و لا تفضحهم بالسيئات عند أعدائنا و ولنا أمرهم في آخره كما وليتنا أمرهم في الدنيا و إن أحبطت أعمالهم فثقل موازينهم بولايتنا و ارفع درجاتهم بمحبتنا انتهى.
و هذه الكلمات كما ترى من تلفيقاته شرحا لكلمات الإمام ع تقارب العبارة الشائعة و عصره قريب من عصر السيد و حرصه على ضبط مثل هذه الكلمات أشد من غيره فهو أحق بنقلها من غيره لو صحت الرواية و صدقت النسبة و إن لم يكن بعيدا من مقام السيد بعد كلام مهجه بل له في كتاب كشف المحجة كلمات تنبئ عن أمر عظيم و مقام كريم.
منها قوله و اعلم يا ولدي محمد ألهمك الله ما يريده منك و يرضى به عنك أن غيبة مولانا المهدي صلوات الله عليه التي تحيرت المخالف و بعض المؤالف هي من جملة الحجج على ثبوت إمامته و إمامة آبائه الطاهرين صلوات الله على جده محمد و عليهم أجمعين لأنك إذا وقفت على كتب الشيعة و غيرهم مثل كتاب الغيبة لابن بابويه و كتاب الغيبة للنعماني و مثل كتاب الشفاء و الجلاء و مثل كتاب أبي نعيم الحافظ في أخبار المهدي و نعوته و حقيقة مخرجه و ثبوته و الكتب التي أشرت إليها في الطوائف وجدتها أو أكثرها تضمنت قبل ولادته أنه يغيب ع غيبة طويلة حتى يرجع عن إمامته بعض من كان يقول بها فلو لم يغب هذه الغيبة كان طعنا في إمامة آبائه و فيه فصارت الغيبة حجة لهم ع و حجة له على مخالفيه في ثبوت إمامته و صحة غيبته مع أنه ع حاضر مع الله على اليقين و إنما غاب من لم يلقه عنهم لغيبتهم عن حضرة المتابعة له و لرب العالمين.
و منها قوله فيه: و إن أدركت يا ولدي موافقة توفيقك لكشف الأسرار عليك‏ عرفتك من حديث المهدي صلوات الله عليه ما لا يشتبه عليك و تستغني بذلك عن الحجج المعقولات و من الروايات فإنه ص حي موجود على التحقيق و معذور عن كشف أمره إلى أن يأذن له تدبير الله الرحيم الشفيق كما جرت عليه عادة كثير من الأنبياء و الأوصياء فاعلم ذلك يقينا و اجعله عقيدة و دينا فإن أباك عرفه أبلغ من معرفة ضياء شمس السماء.
و منها قوله: و اعلم يا ولدي محمد زين الله جل جلاله سرائرك و ظواهرك بموالاة أوليائه و معاداة أعدائه أنني كنت لما بلغتني ولادتك بمشهد الحسين ع في زيارة عاشوراء قمت بين يدي الله جل جلاله مقام الذل و الانكسار و الشكر لما رأفني به من ولادتك من المسار و المبار و جعلتك بأمر الله جل جلاله عبد مولانا المهدي ع و متعلقا عليه و قد احتجنا كم مرة عند حوادث حدث لك إليه و رأيناه في عدة مقامات في مناجات و قد تولى قضاء حوائجك بإنعام عظيم في حقنا و حقك لا يبلغ وصفي إليه.
فكن في موالاته و الوفاء له و تعلق الخاطر به على قدر مراد الله جل جلاله و مراد رسوله و مراد آبائه علیهم السلام و مراده علیه السلام منك و قدم حوائجه على حوائجك عند صلاة الحاجات و الصدقة عنه قبل الصدقة عنك و عمن يعز عليك و الدعاء له قبل الدعاء لك و قدمه ع في كل خير يكون وفاء له و مقتضيا لإقباله عليك و إحسانه إليك و اعرض حاجاتك عليه كل يوم الإثنين و يوم الخميس من كل أسبوع بما يجب له من أدب الخضوع.
و منها قوله بعد تعليم ولده كيفية عرض الحاجة إليه علیه السلام و اذكر له أن أباك قد ذكر لك أنه أوصى به إليك و جعلك بإذن الله جل جلاله عبده و أنني علقتك عليه فإنه يأتيك جوابه صلوات الله و سلامه عليه.
و مما أقول لك يا ولدي محمد ملأ الله جل جلاله عقلك و قلبك من التصديق لأهل الصدق و التوفيق في معرفة الحق إن طريق تعريف الله جل جلاله لك بجواب مولانا المهدي صلوات الله و سلامه عليه على قدرته جل جلاله و رحمته.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ فِي كِتَابِ الْوَسَائِلِ عَمَّنْ سَمَّاهُ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ علیه السلام أَنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يُفْضِيَ إِلَى إِمَامِهِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُفْضِيَ بِهِ إِلَى رَبِّهِ قَالَ فَكَتَبَ إِنْ كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَحَرِّكْ شَفَتَيْكَ فَإِنَّ الْجَوَابَ يَأْتِيكَ.
وَ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الرَّاوَنْدِيُّ فِي كِتَابِ الْخَرَائِجِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ع إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ مَسْأَلَةً فَاكْتُبْهَا وَ ضَعِ الْكِتَابَ تَحْتَ مُصَلَّاكَ وَ دَعْهُ سَاعَةً ثُمَّ أَخْرِجْهُ وَ انْظُرْ فِيهِ قَالَ فَفَعَلْتُ فَوَجَدْتُ مَا سَأَلْتُهُ عَنْهُ مُوَقَّعاً فِيهِ وَ قَدِ اقْتَصَرْتُ لَكَ عَلَى هَذَا التَّنْبِيهِ وَ الطَّرِيقُ مَفْتُوحَةٌ إِلَى إِمَامِكَ لِمَنْ يُرِيدُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ عِنَايَتَهُ بِهِ وَ تَمَامَ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ.
و منها قوله في آخر الكتاب: ثم ما أوردناه بالله جل جلاله من هذه الرسالة ثم عرضناه على قبول واهبه صاحب الجلالة نائبه علیه السلام في النبوة و الرسالة و ورد الجواب في المنام بما يقتضي حصول القبول و الإنعام و الوصية بأمرك و الوعد ببرك و ارتفاع قدرك انتهى. و عليك بالتأمل في هذه الكلمات التي تفتح لك أبوابا من الخير و السعادات و يظهر منها عدم استبعاد كل ما ينسب إليه من هذا الباب و الله الموفق لكل خير و ثواب.

(الجنة المأوی؛ للمحدث النوری [1254 – 1320 ق])

______________________________

(1) كذا في الأصل المطبوع و هكذا المصدر ص 368، لكنه ذكر قبل ذلك دعاء عن الحجة عليه السلام و لفظه:
«الهى بحق من ناجاك، و بحق من دعاك، في البر و البحر، تفضل على فقراء المؤمنين و المؤمنات، بالغناء و الثروة، و على مرضى المؤمنين و المؤمنات، بالشفاء و الصحة، و على أحياء المؤمنين و المؤمنات، باللطف و الكرم، و على أموات المؤمنين و المؤمنات، بالمغفرة و الرحمة، و على غرباء المؤمنين و المؤمنات بالرد الى أوطانهم سالمين غانمين بحق محمّد و آله الطاهرين» فكأنّه يريد أنّه سمع ذلك الدعاء و قد زيد فيه عند ذكر أحياء المؤمنين قوله «و أحيهم في عزنا و ملكنا» الخ فتحرر.