الحافظ الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي، من عرفاء علماء الإمامية وفقهائها المشاركين في العلوم، على فضله الواضح في فن الحديث، وتقدمه في الأدب وقرض الشعر وإجادته، وتضلعه من علم الحروف وأسرارها واستخراج فوائدها، وبذلك كله تجد كتبه طافحة بالتحقيق ودقة النظر، وله في العرفان والحروف مسالك خاصة، كما أن له في ولاء أئمّة الدين عليهم السلام آراء ونظريات لا يرتضيها لفيف من الناس، ولذلك رموه بالغلو والارتفاع، غير إن الحق أن جميع ما يثبته المترجم لهم عليهم السلام من الشؤون هي دون مرتبة الغلو غير درجة النّبوّة.
ولم نقف على تاريخ ولادة شاعرنا الحافظ ووفاته، غير أنه أرّخ بعض تآليفه بقوله: إن بين ولادة المهدي عليه السلام وبين تأليف هذا الكتاب خمسمائة وثمانية عشر سنة. فيوافق 773، أخذا برواية 255 في ولادة الإمام المنصور صلوات الله عليه، ومرّ في تاريخ بعض كتبه أنه أرّخه ب 813، ولعلّه توفّي حدود هذا التاريخ والله العالم.
تآليفه القيمة
1 – مشارق أنوار اليقين في حقايق أسرار أمير المؤمنين،
2 – مشارق الأمان ولباب حقايق الإيمان ألفه سنة 813.
3 – رسالة في الصلوات على النبي وآله المعصومين.
4 – رسالة في زيارة أمير المؤمنين طويلة قال شيخنا صاحب الرّياض: في نهاية الحسن والجزالة واللطافة والفصاحة معروفة،
5 – رسالة اللمعة من أسرار الأسماء والصفات والحروف والآيات والدعوات فيها فوائد ولا تخلو من غرابة كما قاله شيخنا صاحب الرياض.
6 – الدر الثمين في خمسمائة آية نزلت في مولانا أمير المؤمنين باتفاق أكثر المفسرين من أهل الدين، ينقل عنه المولى محمد تقي الزنجاني في كتابه: طريق النجاة،
7 – أسرار النبي وفاطمة والأئمّة عليهم السلام.
8 – لوامع أنوار التمجيد وجوامع أسرار التوحيد في أصول العقايد.
9 – تفسير سورة الاخلاص.
10 – رسالة مختصرة في التوحيد والصلوات على النبيّ وآله.
11 – كتاب في مولد النبيّ وعلي وفاطمة وفضائلهم،
12 – كتاب في فضائل أميرالمؤمنين غير المشارق.
13 – كتاب الألفين في وصف سادة الكونين.
شعره الرائق الحافظ البرسي شعر رائق وجله بل كله في مدائح النبيّ الأقدس وأهل بيته الطاهر صلوات الله عليهم ويتخلّص في شعره ب ( الحافظ)
وله في رثاء الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه و قیام المهدي في طلب ثاره قوله:
يمينا بنا حادي السري إن بدت نجد * يمينا فللعاني العليل بها نجد
وعج فعسى من لا عج الشوق يشتفي * غريم غرام حشو أحشائه وقد
وسر بي لسرب فيه سرب جآذر * لسربي من جهد العهاد بهم عهد
ومربي بليل في بليل عراصها * لأروى بريا تربة تربها ند
وقف بي أنادي وادي الأيك علني * هناك أرى ذاك المساعد يا سعد!
فبالربع لي من عهد جيرون جيرة * يجيرون إن جار الزمان إذا استعدوا
هم الأهل إلا أنهم لي أهلة * سوى أنهم قصدي وأني لهم عبد
عزيزون ربع العمر في ربع عزهم * تقضى ولا روع عراني ولا جهد
وربعي مخضر وعيشي مخضل * ووجهي مبيض وفودي مسود
وشملي مشمول وبرد شبيبتي * قشيب وبرد العيش ما شانه نكد
معالم كالأعلام معلمة الربى * فأنهارها تجري وأطيارها تشدو
طوت حادثات الدهر منشور حسنها * كما رسمت في رسمها شمأل تغدو
وأضحت تجر الحادثات ذيولها * عليه ولا دعد هناك ولا هند
ولا غرو إن جارت ومارت صروفها * وغارت وأغرت واعتدت واغتدت
تشدو فقد غدرت قدما بآل محمد * وطاف عليهم بالطفوف لها جند
وجاشت بجيش جاش طام عرمرم * خميس لهام حام يحمومه أسد
وعمت بأشرار عن الرشد قد عموا * وهل يسمع الصم الدعاء إذا صدوا؟
فيا أمة قد أدبرت حين أقبلت * فرافقها نحس وفارقها سعد
أبت إذ أتت تنأى وتنهى عن النهى * وولت وألوت حين مال بها الجد
سرت وسرت بغيا وسرت بغيها * بغيا دعاها إذ عداها به الرشد
عصابة عصب أو سعت إذ سعت إلى * خطأ خطاها والشقاء بها يحدو
أثاروا وثاروا ثار بدر وبادروا * لحرب بدور من سناها لهم رشد
بغت فبغت عمدا قتال عميدها * صدور طغاة في الصدور لها حقد
وساروا يسنون العناد وقد نسوا المعاد * فهم من قوم عاد إذا عدوا
فيا قلب قلب الدين في يوم أقبلوا * إلى قتل مأمول هو العلم الفرد
فركن الهدى هدوا وقد العلى قدوا * وأزر الهوى شدوا ونهج التقى سدوا
كأني بمولاي الحسين ورهطه * حيارى ولا عون هناك ولا عضد
بكرب البلا في كربلاء وقد رمي * بعاد وشطت دارهم وسطت جند
وقد حدقت عين الردى حين أحدقت * عتاة عداة ليس يحصى لهم عد
وقد أصبحوا حلالهم حين أصبحوا * حلولا ولا حل لديهم ولا عقد
فنادى ونادى الموت بالخطب خاطب * وطير الفنا يشدو وحادي الردى
يحدو يسائلهم : هل تعرفوني ؟ مسائلا * وسائل دمع العين سال به الخد
فقالوا: نعم أنت الحسين بن فاطم * وجدك خير المرسلين إذا عدوا
وأنت سليل المجد كهلا ويافعا * إليك إذا عد العلى ينتهي المجد
فقال لهم: إذا تعلمون فما الذي * دعاكم إلى قتلي فما عن دمي بد؟
فقالوا: إذا رمت النجاة من الردى! * فبايع يزيدا إن ذاك هو القصد
وإلا فهذا الموت عب عبابه * فخض ظاميا فيه تروح ولا تغدو
فقال ألا بعدا بما جئتم به * ومن دونه بيض وخطية ملد
فضرب لهشم الهام تترى بنظمه * فمن عقده حل وفي حله عقد
فهل سيد قد شيد الفخر بيته * حذار الردى يشقى لعبد له عبد؟
وما عذر ليث يرهب الموت بأسه * يذل ويضحى السيد يرهبه الأسد؟
إذا سام منا الدهر يوما مذلة * فهيهات يأبى ربنا وله الحمد
وتأبى نفوس طاهرات وسادة * مواضيهم هام الكماة لها غمد
لها الدم ورد والنفوس قنائص * لها القدم قدم والنفوس لها جند
ليوث وغى ظل الرماح مقيلها * مغاوير طعم الموت عندهم شهد
حماة عن الأشبال يوم كريهة * بدور دجى سادوا الكهول وهم مرد
إذا افتخروا في الناس عز نظيرهم * ملوك على أعتابهم يسجد المجد
أيادي عطاهم لا تطاول في الندى * وأيدي علاهم لا يطاق لها رد
مطاعيم للعافي مطاعين في الوغى * مطاعين إن قالوا لهم حجج لد
مفاتيح للداعي مصابيح للهدى * معاليم للساري بها يهتدي النجد
نزيلهم حرم منازلهم لقى * منازلهم أمن بهم يبلغ القصد
فضائلهم جلت فواضلهم جلت * مدايحهم شهد منايحهم ند
مرابعهم تسقى مرابعهم تلقى * مطالعهم يكفي مطالعهم سعد
كرام إذا عاف عفى منه معهد * وصوح من خضرائه السبط والجعد
وآملهم راج وأم لهم رجا * وحل بناديهم أحل له الرفد
زكوا في الورى أما وجدا ووالدا * وطابوا فطاب الأم والأب والجد
بأسمائهم يستجلب البر والرضا * بذكرهم يستدفع الضر والجهد
ومال إلى فتيانه ورجاله * يقول: لقد طاب الممات ألا اشتدوا
فسار لأخذ الثار كل شمردل * إذا هاج قدح للهياج له زند
وكل كمي أريحي غشمشم * تجمع فيه الفضل وانعدم الضد
إذا ما غدا يوم الندا أسر العدى * ولما بدا يوم الندى أطلق الوعد
ليوث نزال بل غيوث نوازل * سراة كاسد الغاب لإبل هم الأسد
إذا طلبوا راموا وإن طلبوا رموا * وإن ضربوا صدوا وإن ضربوا قدوا
فوارس أسد الغيل منها فرائس * وفتيان صدق شأنها الطعن والطرد
وجوههم بيض وخضر ربوعهم * وبيضهم حمر إذا النقع مسود
إذا ما دعوا يوما لدفع ملمة * غدا الموت طوعا والقضاء هو العبد
بها كل ندب يسبق الطرف طرفه * جواد على ظهر الجواد له أفد
كأنهم نبت الربى في سروجهم * لشدة حزم لا بحزم لها شدوا
لباسهم نسج الحديد إذا بدوا * جبالا وأقيالا تقلهم الجرد
إذا لبسوا فوق الدروع قلوبهم * وصالوا فحر الكر عندهم برد
يخوضون تيار الحمام ظواميا * وبحر المنايا بالمنايا لها مد
يرون المنايا نيلها غاية المنى * إذا استشهدوا مر الردى عندهم شهد
إذا فللت أسيافهم في كريهة * غدا في رؤس الدارعين لها حد
فمن أبيض يلقى الأعادي بأبيض * ومن أسمر في كفه أسمر صلد
يذبون عن سبط النبي محمد * وقد ثار عالي النقع واصطخب الوقد
يخال بريق البيض برقا سجاله * الدماء وأصوات الكماة لها رعد
إلى أن تدانى العمر واقترب الردى * وشأن الليالي لا يدوم لها عهد
أعدوا نفوسا للفناء وما اعتدوا * فطوبى لهم نالوا البقاء بما عدوا
أحلوا جسوما للمواضي وأحرموا * فحلوا جنان الخلد فيها لهم خلد
أمام الإمام السبط جادوا بأنفس * بها دونه جادوا وفي نصره جدوا
شروا عندما باعوا نفوسا نفائسا * ففي هجرها وصل وفي وصلها نقد
قضوا إذ قضوا حق الحسين وفارقوا * وما فرقوا بل وافقوا السعد
يا سعد فلما رأى المولى الحسين رجاله * وفتيانه صرعى وشادي الردى يشدو
غدا طالبا للموت كالليث مغضبا * يحامي عن الأشبال يشتد
إن شدوا وإن جمعوا سبعين ألفا لقتله * فيحمل فيهم وهو بينهم فرد
إذا كر فروا من جريح وواقع * ذبيح ومهزوم به طوح الهد
ينادي : ألا يا عصبة عصت الهدى * وخانت فلم يرع الذمام ولا العهد
فبعدا لكم يا شيعة الغدر إنكم * كفرتم فلا قلب يلين ولا ود
ولايتنا فرض على كل مسلم * وعصياننا كفر وطاعتنا رشد
فهل خائف يرجو النجاة بنصرنا * ويخشى إذا اشتدت سعير لها وقد؟
ويرنو لنحو الماء يشتاق ورده * إذا ما مضى يبغي الورود له رد
فيحمل فيهم حملة علوية * بها للعوالي في أعالي العدى قصد
كفعل أبيه حيدر يوم خيبر * كذلك في بدر ومن بعدها أحد
إذا ما هوى في لبة الليث عضبه * فمن نحره بحر ومن جزره مد
وعاد إلى أطفاله وعياله * وغرب المنايا لا يفل لها حد
يقول: عليكن السلام مودعا * فها قد تناهى العمر واقترب الوعد
ألا فاسمعي يا أخت إن مسني الردى * فلا تلطمي وجها ولا يخمش الخد
وإن برحت فيك الخطوب بمصرعي * وجل لديك الحزن والثكل والفقد
فارضي بما يرضي إلهك واصبري * فما ضاع أجر الصابرين ولا الوعد
وأوصيك بالسجاد خيرا فإنه * إمام الهدى بعدي له الأمر والعهد
فضج عيال المصطفى وتعلقوا * به واستغاث الأهل بالندب والولد
فقال وكرب الموت يعلو كأنه * ركام ومن عظم الظما انقطع الجهد
: ألا قد دنى الترحال فالله حسبكم * وخير حسيب للورى الصمد الفرد
وعاد إلى حرب الطغاة مجاهدا * وللبيض والخرصان في قده قد
إلى أن غدا ملقى على الترب عاريا * يصافح منه إذ ثوى للثرى خد
وشمر شمر الذيل في حز رأسه * ألا قطعت منه الأنامل والزند
فواحزن قلبي للكريم علا على * سنان سنان والخيول لها وخد
تزلزلت السبع الطباق لفقده * وكادت له شم الشماريخ تنهد
وأرجف عرش الله من ذاك خيفة * وضجت له الأملاك وانفجر الصلد
وناحت عليه الطير والوحش وحشة * وللجن إذ جن الظلام به وجد
وشمس الضحى أمست عليه عليلة * علاها اصفرار إذ تروح وإذ تغدو
فيا لك مقتولا بكته السما دما * وثل سرير العز وانهدم المجد
شهيدا غريبا نازح الدار ظاميا * ذبيحا من قاني الوريد له ورد
بروحي قتيلا غسله من دمائه * سليبا ومن ساقي الرياح له برد
ترض خيول الشرك بالحقد صدره * وترضخ منه الجسم في ركضها جرد
ومذ راح لما راح للأهل مهره * خليا يخد الأرض بالوجه إذ يعدو
برزن حيارى نادبات بذلة * وقلب غدا من فارط الحزن ينقد
فحاسرة بالردن تستر وجهها * وبرقعها وقد ومدمعها رفد
ومن ذاهل لم تدر أين معزها * تضيق عليها الأرض والطرق تنسد
وزينب حسرى تندب الندب عندها * من الحزن أوصاب يضيق بها العد
تنادي: أخي يا واحدي وذخيرتي * وعوني وغوثي والمؤمل والقصد
ربيع اليتامى يا حسين وكافل * الأيامى رمانا بعد بعدكم البعد
أخي بعد ذاك الصون والخدر والخبا * يعالجنا علج ويسلبنا وغد
بناتك يا بن الطهر طاها حواسر * ورحلك منهوب تقاسمه الجند
لقد خابت الآمال وانقطع الرجا * بموتك مات العلم والدين والزهد
وأضحت ثغور الكفر تبسم فرحة * وعين العلى ينخد من سحها الخد
وصوح نبت الفضل بعد اخضراره * وأصبح بدر التم قد ضمه اللحد
تجاذبنا أيدي العدا فضلة الردا * كأن لم يكن خير الأنام لنا جد
فأين حصوني والأسود الأولى بهم * يصال على ريب الزمان إذا يعدوا؟
إذا غربت يا بن النبي بدوركم * فلا طلعت شمس ولا حلها سعد
ولا سحبت سحب ذيولا على الربى * ولا ضحك النوار وانبعق الرعد
وساروا بآل المصطفى وعياله * حيارى ولم يخش الوعيد ولا الوعد
وتطوي المطايا الأرض سيرا إذا سرت * تجوب بعيد البيد فيها لها وخد
تأم يزيدا نجل هند إمامها * ألا لعنت هند وما نجلت هند
فيا لك من رزء عظيم مصابه * يشق الحشا منه ويلتدم الخد
أيقتل ظمآنا حسين بكربلا * ومن نحره البيض الصقال لها ورد
وتضحى كريمات الحسين حواسرا * يلاحظها في سيرها الحر والعبد
فليس لأخذ الثار إلا خليفة * هو الخلف المأمول والعلم الفرد
هو القائم المهدي والسيد الذي * إذا سار أملاك السماء له جند
يشيد ركن الدين عند ظهوره * علوا وركن الشرك والكفر ينهد
وغصن الهدى يضحى وريقا ونبته * أنيقا وداعي الحق ليس له ضد
لعل العيون الرمد تحظى بنظرة * إليه فتجلى عندها الأعين الرمد
إليك انتهى سر النبيين كلهم * وأنت ختام الأوصياء إذا عدوا
بني الوحي يا أم الكتاب ومن لهم * مناقب لا تحصى وإن كثر العد
إليكم عروسا زفها الحزن ثاكلا * تنوح إذا الصب الحزين بها يشدو
لها عبرة في عشر عاشور أرسلت * إذا أنشدت حادي الدموع بها تحدو
رجا ( رجب ) رحب المقام بها غدا * إذ ما أتى والحشر ضاق به الحشد
بذلت اجتهادي في مديحكم وما * قدار مديحي بعد أن مدح الحمد
ولي فيكم نظم ونثر غناؤه * فقير وهذا جهد من لا له جهد
مصابي وصوب الدمع فيكم مجدد * وصبري وسلواني به أخلق الجهد
تذكرني يا بن النبي غدا إذا * غدا كل مولى يستجير به العبد
فأنتم نصيب المادحين وإنني * مدحت وفيكم في غد ينجز الوعد
إذا أصبح الراجي نزل ربوعكم * فقد نجحت منه المطالب والقصد
فإن مال عنكم يا بني الفضل راغب * يظل ويضحى عند من لا له عند
فيا عدتي في شدتي يوم بعثتي * بكم غلتي من علتي حرها برد
عبيدكم ( البرسي ) مولى فخاركم * كفاه فخارا أنه لكم عبد
عليكم سلام الله ما سكب الحيا * دموعا على روض وفاح لها ند
وله أيضا في رثاء الإمام السبط صلوات الله عليه و المحامي للدين و قاصم شوكة المعتدين الحجّة ابن الحسن عجّل الله فرجه قوله:
ما هاجني ذكر ذات البان والعلم * ولا السلام على سلمى بذي سلم
ولا صبوت لصب صاب مدمعه * من الصبابة صب الوابل الرزم
ولا على طلل يوما أطلت به * مخاطبا لأهيل الحي والخيم
ولا تمسكت بالحادي وقلت له : * إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم
لكن تذكرت مولاي الحسين وقد * أضحى بكرب البلا في كربلاء ظمي
ففاض صبري وفاض الدمع وابتعد * الرقاد واقترب السهاد بالقسم
وهام إذ همت العبرات من عدم * قلبي ولم أستطع مع ذاك منع دمي
لم أنسه وجيوش الكفر جائشة * والجيش في أمل والدين في ألم
تطوف بالطف فرسان الضلال به * والحق يسمع والأسماع في صمم
وللمنايا بفرسان المنى عجل * والموت يسعى على ساق بلا قدم
مسائلا ودموع العين سائلة * وهو العليم بعلم اللوح والقلم
: ما اسم هذا الثرى يا قوم! فابتدروا * بقولهم يوصلون الكلم بالكلم
: بكربلا هذه تدعى فقال: أجل * آجالنا بين تلك الهضب والاكم
حطوا الرحال فحال الموت حل بنا * دون البقاء وغير الله لم يدم
يا للرجال لخطب حل مخترم * الآجال معتديا في الأشهر الحرم
فهاهنا تصبح الأكباد من ظمأ * حرى وأجسادها تروى بفيض دم
وها هنا تصبح الأقمار آفلة * والشمس في طفل والبدر في ظلم
وها هنا تملك السادات أعبدها * ظلما ومخدومها في قبضة الخدم
وها هنا تصبح الأجساد ثاوية * على الثرى مطعما للبوم والرخم
وها هنا بعد بعد الدار مدفننا * وموعد الخصم عند الواحد الحكم
وصاح بالصحب هذا الموت فابتدروا * أسدا فرائسها الآساد في الأجم
من كل أبيض وضاح الجبين فتى * يغشي صلى الحرب لا يخشى من الضرم
من كل منتدب لله محتسب * في الله منتجب بالله معتصم
وكل مصطلم الأبطال مصطلم * الآجال ملتمس الآمال مستلم
وراح ثم جواد السبط يندبه * عالي الصهيل خليا طالب الخيم
فمذ رأته النساء الطاهرات بدا * يكادم الأرض في خد له وفم
برزن نادبة حسرى وثاكلة * عبرى ومعلولة بالمدمع السجم
فجئن والسبط ملقى بالنصال أبت * من كف مستلم أو ثغر ملتثم
والشمر ينحر منه النحر من حنق * والأرض ترجف خوفا من فعالهم
فتستر الوجه في كلم عقيلته * وتنحني فوق قلب وآله كلم
تدعو أخاها الغريب المستظام أخي * يا ليت طرف المنايا عن علاك عم
من اتكلت عليه في النساء ومن * أوصيت فينا ومن يحنو على الحرم؟
هذي سكينة قد عزت سكينتها * وهذه فاطم تبكي بفيض دم
تهوي لتقبيله والدمع منهمر * والسبط عنها بكرب الموت في غمم
فيمنع الدم والنصل الكسير به * عنها فتنصل لم تبرح ولم ترم
تضمه نحوها شوقا وتلثمه * ويخضب النحر منه صدرها بدم
تقول من عظم شكواها ولوعتها * وحزنها غير منقض ومنفصم
: أخي لقد كنت نورا يستضاء به * فما لنور الهدى والدين في ظلم
أخي لقد كنت غوثا للأرامل يا * غوث اليتامى وبحر الجود والكرم
يا كافلي هل ترى الأيتام بعدك في * أسر المذلة والأوصاب والألم
يا واحدي يا بن أمي يا حسين لقد * نال العدى ما تمنوا من طلابهم
وبردوا غلل الأحقاد من ضغن * وأظهروا ما تخفى في صدورهم
أين الشفيق وقد بان الشقيق وقد * جار الرفيق ولج الدهر في الأزم
مات الكفيل وغاب الليث فابتدرت * عرج الضباع على الأشبال في نهم
وتستغيث رسول الله صارخة : * يا جد أين الوصايا في ذوي الرحم؟
يا جد لو نظرت عيناك من حزن * للعترة الغر بعد الصون والحشم
مشردين عن الأوطان قد قهروا * ثكلى أسارى حيارى ضرجوا بدم
يسرى بهن سبايا بعد عزهم * فوق المطايا كسبي الروم والخدم
هذا بقية آل الله سيد أهل * الأرض زين عباد الله كلهم
نجل الحسين الفتى الباقي ووارثه * والسيد العابد السجاد في الظلم
يساق في الأسر نحو الشام مهتظما * بين الأعادي فمن باك ومبتسم
أين النبي وثغر السبط يقرعه * يزيد بعضا لخير الخلق كلهم؟
أينكت الرجس ثغرا كان قبله * من حبه الطهر خير العرب والعجم؟
ويدعي بعدها الاسلام من سفه * وكان أكفر من عاد من إرم؟
يا ويله حين تأتي الطهر فاطمة * في الحشر صارخة في موقف الأمم
تأتى فيطرق أهل الجمع أجمعهم * منها حياء ووجه الأرض في قتم
وتشتكي عن يمين العرش صارخة * وتستغيث إلى الجبار ذي النقم
هناك يظهر حكم الله في ملأ * عضوا وخانوا فيا سحقا لفعلهم
وفي يديها قميص للحسين غدا * مضمخا بدم قرنا إلى قدم
أيا بني الوحي والذكر الحكيم ومن * ولاهم أملي والبرء من ألمي
حزني لكم أبدا لا ينقضي كمدا * حتى الممات ورد الروح في رمم
حتى تعود إليكم دولة وعدت * مهدية تملأ الأقطار بالنعم
فليس للدين من حام ومنتصر * إلا الإمام الفتى الكشاف للظلم
القائم الخلف المهدي سيدنا * الطاهر العلم ابن الطاهر العلم
بدر الغياهب تيار المواهب منصور * الكتائب حامي الحل والحرم
يا بن الإمام الزكي العسكري فتى * الهادي التقي علي الطاهر الشيم
يا بن الجواد ويا نجل الرضا ويا * سليل كاظم غيظ منبع الكرم
خليفة الصادق المولى الذي ظهرت * علومه فأنارت غيهب الظلم
خليفة الباقر المولى خليفة زين * العابدين علي طيب الخيم
نجل الحسين شهيد الطف سيدنا * وحبذا مفخر يعلو على الأمم
نجل الحسين سليل الطهر فاطمة * وابن الوصي علي كاسر الصنم
يا بن النبي ويا بن الطهر حيدرة * يا بن البتول ويا بن الحل والحرم
أنت الفخار ومعناه وصورته * ونقطة الحكم لا بل خطة الحكم
أيامك البيض خضر فهي خاتمة * الدنيا وختم سعود الدين الأمم
متى نراك فلا ظلم ولا ظلم * والدين في رغد والكفر في رغم؟
أقبل فسبل الهدى والدين قد طمست * ومسها نصب والحق في عدم
يا آل طاها ومن حبي لهم شرف * أعده في الورى من أعظم النعم
إليكم مدحة جاءت منظمة * ميمونة صغتها من جوهر الكلم
بسيطة إن شذت أو أنشدت عطرت * بمدحكم كبساط الزهر منخرم
بكرا عروسا ثكولا زفها حزن * على المنابر غير الدمع لم تسم
يرجو بها ( رجب ) رحب المقام غدا * بعد العناء غناء غير منهدم
يا سادة الحق مالي غيركم أمل * وحبكم عدتي والمدح معتصمي
ما قدر مدحي والرحمن مادحكم * في هل أتى قد أتى مع نون والقلم
حاشاكم تحرموا الراجي مكارمكم * ويرجع الجار عنكم غير محترم
أو يختشي الزلة ( البرسي ) وهو يرى * ولاكم فوق ذي القربى وذي الرحم
إليكم تحف التسليم واصلة * ومنكم وبكم أنجو من النقم
صلى الإله عليكم ما بدا نسم ( 1 ) * وما أتت نسمات الصبح في الحرم
(الغدير، الشيخ الأميني 7: 33 – 68)
أحدث وجهات النظر