أنه أداء لبعض حقوقه العظيمة. في الجملة وأداء حق ذوي الحقوق من أعظم الأمور وأهمها عقلا وشرعا فالكلام يقع في مقامات:
الأول: أن أداء حق ذوي الحقوق من أهم الأمور بحكم العقل وهذا واضح عند ذوي العقول.
الثاني: أنه من أهم الأمور وأفضلها بحكم الشرع ويدلّ عليه روايات عديدة.

– منها ما رواه ثقة الإسلام رحمه الله تعالى في أصول الكافي بسند صحيح عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، قال: ما عبد الله بشئ أفضل من أداء حق المؤمن.
– وفي البحار عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: قضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتقين.
الثالث: أن له (عليه السلام) علينا حقوقا عظيمة
– ويدل على هذا المرام ما روي في البحار بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنه ليس يقدر أحد على صفة الله وكنه قدرته وعظمته، فكما لا يقدر أحد على كنه صفة الله وكنه قدرته وعظمته ولله المثل الأعلى فكذلك لا يقدر أحد على صفة رسول الله (عليه السلام)، وفضلنا، وما أعطانا الله، وما أوجب من حقوقنا، وكما لا يقدر أحد أن يصف فضلنا، وما أوجب الله من حقوقنا، فكذلك لا يقدر أحد أن يصف حق المؤمن، ويقوم به، الخبر.
أقول: لا يخفى أن جميع حقوق المؤمن إنما هي من شعب حقوقهم وفضلهم.
الرابع: أن الاهتمام بأداء الحقوق يوجب الرفعة عند الله عزّ وجلّ فمن كان جهده وسعيه في هذا الأمر أتم كان عند الله أعز وأكرم.
– ويدلّ على ذلك ما روي في الاحتجاج عن الإمام الهمام أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) أنّه قال: أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأنا، الخبر.
الخامس: أن من جملة حقوق المؤمن على المؤمن الدعاء له.
– ما رواه العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار عن فقه الرضا (عليه السلام): إعلم يرحمك الله، أن حق الإخوان واجب فرض إلى أن قال: والإقبال على الله تعالى بالدعاء لهم. الخ.
– وما رواه ثقة الإسلام في أصول الكافي عن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟ قال (عليه السلام): له سبع حقوق واجبات، ما منهن حق إلا وهو عليه واجب، إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه من نصيب. قلت له: جعلت فداك! وما هي؟ قال: يا معلى! إني عليك شفيق، أخاف أن تضيع ولا تحفظ، وتعلم ولا تعمل. قال: قلت: لا قوّة إلّا بالله. قال: أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك. والحق الثاني: أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته وتطيع أمره. والحق الثالث: أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك. والحق الرابع: أن تكون عينه ودليله ومرآته. والحق الخامس: أن لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى. والحق السادس: أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم، فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه، ويصنع طعامه ويمهد فراشه. والحق السابع: أن تبر قسمه وتجيب دعوته، وتعود مريضه وتشهد جنازته، وإذا علمت أن له حاجة تبادره إلى قضائها، ولا تلجئه أن يسألكها ولكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك.
أقول: الظاهر أن المراد بالواجب في الحديث، هو المعنى اللغوي فيكون أعمّ من الواجب والمستحب الشرعيين ويشهد لذلك روايات عديدة. قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار: يمكن حمل الوجوب على الأعم من المعنى المصطلح والاستحباب المؤكّد، إذ لا أظن أحدا قال بوجوب أكثر ما ذكره مع تضمنه للحرج العظيم. إنتهى.
وقال رحمه الله تعالى في مرآة العقول: الظاهر أن هذه الحقوق بالنسبة إلى المؤمنين الكاملين، أو الأخ الذي واخاه في الله، وإلا فرعاية جميع ذلك بالنسبة إلى جميع الشيعة حرج عظيم بل ممتنع. إلا أن يقال: إن ذلك مقيد بالإمكان، بل السهولة بحيث لا يضر بحاله. إنتهى.
إذا عرفت ما ذكرنا، فنقول: لا ريب في ثبوت هذه الحقوق لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام) على جميع أهل الإيمان على كل من تلك التقادير وهذا واضح عند العارف البصير لأن إيمان الإمام أكمل من كل مسلم، وقد أطلق الأخ الشفيق، عليه في خبر عبد العزيز بن مسلم والدعاء في حقه إطاعة لأمره، وإعانة له باللسان.

(مکیال المکارم ؛ ج 1 ؛ محمد تقی الموسوی الاصبهانی)