الأمن من سوء الحساب في يوم الحساب لأنه صلة لرحم آل محمد (صلى الله عليه وآله) وقد قال الله عز وجل * (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخافون سوء الحساب) *.
– وروى الشيخ الكليني (رحمه الله) في أصول الكافي بإسناد صحيح عن صفوان الجمال، قال: وقع بين أبي عبد الله (عليه السلام) وبين عبد الله بن الحسن كلام حتى وقعت الضوضاء بينهم واجتمع الناس فافترقا عشيتهما بذلك، وغدوت في حاجة فإذا أنا بأبي عبد الله (عليه السلام) على باب عبد الله بن الحسن وهو يقول: يا جارية قولي لأبي محمد، قال: فخرج فقال: يا أبا عبد الله ما يكربك؟ قال (عليه السلام): إني تلوت آية في كتاب الله عز وجل البارحة فأقلقتني فقال وما هي؟ قال (عليه السلام): قول الله عز وجل ذكره * (الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) * فقال: صدقت لكأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله قط فاعتنقا وبكيا.

– وفيه أيضا بإسناد صحيح عن عمر بن يزيد الثقة (رحمه الله) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) * (الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل) * قال (عليه السلام): نزلت في رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله) وقد يكون في قرابتك ثم قال (عليه السلام) فلا تكونن ممن يقول للشئ إنه في شئ واحد.
– وفي تفسير البرهان بإسناده عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن قال: إن رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله) معلقة بالعرش تقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني، وهي تجري في كل رحم. ونزلت هذه الآية في محمد وما عاهدهم عليه، الخبر.
– وفيه عن العياشي عن عمر بن مريم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله * (الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل) * قال: من ذلك صلة الرحم وغاية تأويلها صلتك إيانا.
أقول: قد ظهر بهذه الأخبار وغيرها مما يطول بذكره الكتاب أن صلة الإمام توجب الأمن من سوء الحساب، وبقي هنا أمران:
أحدهما: حصول الصلة بالدعاء.
والثاني: بيان المراد من سوء الحساب.
أما الأول: فالدليل عليه أن المراد بالصلة مطلق الإحسان بأي نحو كان، سواء كان باللسان أم بغير ذلك العنوان والدعاء من أفضل أقسام الإحسان باللسان.
– ويشهد لما ذكرناه ما روي في أصول الكافي بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): صلوا أرحامكم ولو بالتسليم، الخبر.
– وفيه أيضا بإسناد صحيح عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم، وبروا بإخوانكم ولو بحسن السلام ورد الجواب. وأما سوء الحساب فالمراد منه الاستقصاء.
– لما روي في البرهان بإسناد صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لرجل: يا فلان ما لك ولأخيك؟ فقال: جعلت فداك، كان لي شئ فاستقصيت عليه في حقي، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن قول الله عز وجل: * (ويخافون سوء الحساب) * أتراهم خافوا أن يجور عليهم ويظلمهم! ولكنهم خافوا الاستقصاء.
– وعن الكافي بإسناد آخر مثله وفيه: لا والله ما خافوا إلا الاستقصاء فسماه الله عز وجل سوء الحساب فمن استقصى فقد أساء.
وعن العياشي مثله.
وأمّا معنى الاستقصاء المذكور في تفسير الآية الشريفة:
– ففي البرهان عن العياشي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: * (يخافون سوء الحساب) * قال: يحسب عليهم السيئات ولا يحسب لهم الحسنات وهو الاستقصاء.
– وعن الطبرسي أيضا عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سوء الحساب أن يحسب عليهم السيئات، ولا يحسب لهم الحسنات، وهو الاستقصاء.
أقول: يدل هذا الحديث وأمثاله على أن أثر بعض المعاصي المنع من قبول الحسنات كالأحاديث الواردة في عقاب ترك الصلاة ومنع الزكاة وعقوق الوالدين وليس هذا من الظلم في شئ أصلا فتدبر.

(مکیال المکارم ؛ ج 1 ؛ محمد تقی الموسوی الاصبهانی)