آداب الدعاء لمولانا الغائب (عليه السلام) – أن الدعاء بما روي عن الأئمة المعصومين أفضل وأولى لما ورد في الآيات والروايات، من الأمر باتباعهم، وأخذ العلم وكيفية الطاعة والعبادة عنهم كقول الله تعالى * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) * وقوله تعالى * (فاسألوا أهل الذكر) * لأن الذكر هو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لقوله تعالى شأنه * (إنا أرسلنا إليكم ذكرا رسولا شاهدا عليكم) * الخ.
فأهل بيته المعصومون هم أهل الذكر، كما ورد تفسيره بهم، صلوات الله عليهم أجمعين في روايات عديدة، ومضافا إلى الأمر بقراءة الأدعية المروية عنهم، والمثوبات الموعودة المترتبة عليها المضبوطة في كتب الدعوات، ومضافا إلى ذكرهم ونقلهم الأدعية الواردة عن كل واحد، ليعرف المؤمنون، ويعملوا عليها وغير ذلك من الشواهد التي توجب القطع بأفضلية الدعوات المأثورة عنهم على غيرها مضافا إلى أن شرف الكلام بقدر شرف المتكلم، ولهذا قيل إن كلام الملوك ملوك الكلام.
والحاصل أن تقدم اختيار ما ورد عنهم من الأدعية على الدعاء الذي يؤلفه الشخص بسليقته ولسانه مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه، لكن قد ورد حديثان يوهم ظاهرهما خلاف ذلك فلا بد من توجيههما رواهما المحدث العاملي في الوسائل.
– أحدهما عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) علّمني دعاء فقال إن أفضل الدعاء ما جرى على لسانك.
– والثّاني من كتاب عبد الله بن حماد الأنصاري، بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سأله سائل أن يعلّمه دعاء. فقال: إن أفضل الدعاء ما جرى على لسانك.
أقول: يحتمل أن يكون ذلك السائل زرارة وهذا الراوي نقل سؤاله، وعلى كل حال، يحتمل كل منهما وجوها.
أحدها: أن يكون المراد بما جرى على اللسان ذكر فضائل الأئمة، ورواية أحاديثهم، ونشر أحكام الشريعة عنهم، ومجادلة أعدائهم، والاحتجاج عليهم، فإنها أفضل من الدعاء، لما فيه من إبقاء آثار الدين وإعلاء أعلام اليقين، ودعوة الناس إلى اتباع سيد المرسلين، ومنافع ذلك عامة، بالنسبة إلى سائر الخلق.
– ويشهد لذلك ما روى في أصول الكافي بإسناده عن معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ولعل عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل؟ قال (عليه السلام): الراوية لحديثنا، يشد به في قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد. انتهى
ولما كان زرارة أهلا لذلك أمره به وبين أنه أفضل مما سأله.
والحاصل أن الدعاء بالمعنى اللغوي قسمان: أحدهما: نداء الله تعالى للسؤال منه عزّ وجلّ. والثاني: نداء الخلق لدعوتهم، وهدايتهم إلى الله عزّ وجلّ. فهما فردان للدعاء والراوي لما سأله (عليه السلام) من القسم الأول، وكان من أهل القسم الثاني، حثه عليه وبين له أنه أفضل بقوله (عليه السلام) أفضل الدعاء ما جرى على لسانك وهذا وجه لطيف يظهر للمتدرب المأنوس بكلماتهم، عليهم الصلاة والسلام.
الوجه الثاني: أن يكون المراد بالدعاء ما هو المتداول المعهود، المروي عنهم (عليهم السلام)، يعني أن الأفضل اختيار ما جرى على لسانك من الدعوات المأثورة لأن ذلك إنما يكون بسبب أمر قلبي زمامه بيد الله عز وجل.
الوجه الثالث: أن يكون المراد بما جرى من الدعاء على اللسان ما يكون مقترنا بالخضوع، وحضور القلب فإنه أفضل من الدعاء بغير هذا الحال، وإن كان مأثورا عنهم (عليهم السلام).
فالغرض من هذا الكلام: التنبيه على أن المهم حضور القلب والتوجه التام إلى الملك العلام فإنه المقصود الأصلي من الدعاء، ولما كان الجريان على اللسان ناشئا عمّا في الجنان، بين المطلب بهذا العنوان، والحاصل أن النسبة بين الدعاء وحضور القلب عموم من وجه، فقد يجتمعان وقد يفترقان، والمطلوب هو الاجتماع سواء كان في الدعاء بالمأثور أم بغير المأثور. وهذا لا يدلّ على أفضليّة الدعاء بغير المأثور، بل يدلّ على أفضلية الدعاء المقرون بالخضوع وحضور القلب بأي لفظ كان.
(مکیال المکارم ؛ ج 2 ؛ محمد تقی الموسوی الاصبهانی)
أحدث وجهات النظر