«سامرّا» بلدة شرقيّ دجلة من ساحلها، و قد يقال «سامرّة» و أصلها لغة أعجمية و نظيرها «تامرّا» اسم طسوج من سواد بغداد و اسم لأعالي نهر ديالى نهر واسع كان يحمل السفن في أيّام المدود. و هذا وزن ليس في أوزان العرب له مثال و قد لعبت بها أدباء العرب و صرّفوها فقالوا:
«سرّمنرأى» أي سرور لمن رأى، و «سرّمنرأى» على أنّه فعل ماض، و «سرّمنرأى» على أنّه مصدر مجرّد.
و قال الشّرتوني في أقرب الموارد: و أصله «ساء من رأى» و النسبة إليها سرّمريّ، و سري، و سامري، و سامريّ.
سامراء في التاريخ واللغة (1)
يعود أصل اسم (سامراء) في أصله إلى سائر الأسماء الآرامية بالعراق التي كانت تنتهي بحرف الألف المقصور مثل (كربلا) (بعقوبا) وفي مراحل تاريخية لاحقة من تاريخ اللغة العربية التي ورثت تلك التسميات لبعض مدنها في أرض الرافدين أضيفت علامة الهمزة إلى مفردتي (سامرا) و(كربلا) فأصبحتا (سامراء وكربلاء) في حين استبدل حرف الألف بحرف التاء من اسم مدينة بعقوبا فأضحى يكتب (بعقوبة) ومعلوم أن مدينة سامراء في معظم تاريخ الدولة العباسية كانت باهرة في مشاهدها وعامرة في بناءها حتى كان قد أُطلق عليها زمنذاك بـ(سّره مَنْ رأى) قبل أن تُدمج حروف تلك التسمية بصيغة (سامراء).
ويعود اكتشاف مدينة سامراء إلى عصور قديمة فقد ذكرها المؤرخ الروماني أميانس مرقلينس (320 – 390م) بصيغة (سومرا sumera) ونوه عنها المؤرخ اليوناني زوسيمس بصورة سوما saoma وفي التدوينات الآشورية جاء ذكر اسمها بصيغة (سرمارتا suurmrta ) في حين ورد اسم سامراء في مصنفات الإخوة السريان على كونه (شومرا) وتم كل ذلك قبل يبنيها مجدداً الحاكم العباسي المعتصم.
الموقع الجغرافي
تقع المدينة على الضفة الشرقية لنهر دجلة وتبعد نحو 118 كم إلى الشمال من العاصمة بغداد، وتقع على خط طول 43 درجة و45 دقيقة، وعلى خط عرض 34 درجة و35 دقيقة، وقد كانت مدينة سامراء قضاءً تابعاً إلى لواء (محافظة) بغداد عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1920م إثر ثورة العشرين العراقية الكبرى، وكانت تتبع لها نواحي (تكريت، بلد، الدجيل اللتان تعرضتا الى هجمة شرسة من قبل اللانظام البائد)، وقد قام اللانظام السابق باستحداث محافظة صلاح الدين أوائل السبعينيات، لتضم كل المدن التابعة لقضاء سامراء ومدن أخرى وقرى من محافظتي كركوك ونينوى، وبدلاً من جعل سامراء مركزاً للمحافظة الجديدة، وسّع ناحية تكريت وجعلها قضاءً ثم مركزاً للمحافظة الجديدة والتي تبعت لها مدينة سامراء، وأصبحت المحافظة الجديدة تضم سامراء كقضاء تابعٍ لتكريت مركز المحافظة الجديدة التي أصبحت مجاورة للمحافظات التالية:
محافظات السليمانية وكركوك وأربيل ونينوى صلاح الدين من الشمال والشمال الغربي.
محافظة بغداد من الجنوب.
محافظة ديالى من الشرق.
محافظة الأنبار من الغرب.
سامراء في غابر الأزمان
وصف العتبة العسكرية المقدسة
سنتكلم هنا باختصار حول وصف مبسط للعتبة المقدسة، تاركين التفصيل إلى المستقبل حيث إننا بصدد إنشاء صفحة خاصة بهذا الأمر فيها روابط متعددة ليتمكن المختص أو القارئ العام أن يستفيد مما سنذكره فيها من معلومات تفصيلية، كما إننا في هذه العجالة قد اعتمدنا على ما منشور في بطون الكتب والذي ممكن أن لا يكون دقيقاً، ولكنه أحسن من لاشئ، ريثما نقوم بأنفسنا بأخذ قياسات العتبة من خلال الكوادر الهندسية الموجودة فيها.
يتخذ البناء الداخلي شكلاً مربعاً تقريباً، حيث يبلغ طوله 146 متراً، وعرضه من جهة الشمال 133 متراً، ومن جهة الجنوب 115 متراً، أما حجرة الأضرحة، فيبلغ طولها 53 متراً، وعرضها 37 متراً، وارتفاعها 11 متراً، وفوق الأضرحة ترتفع القبة الكبيرة، وتقوم هذه القبة على رقبة بارتفاع متر واحد.
أما ارتفاع القبة نفسها فيبلغ أربعة وستين متراً، ومحيطها 68 متراً، وقطرها 22 متراً، وتتميز هذه القبة بأنها مكسوة بالذهب، حيث يبلغ عدد الطابوق المطلي بالذهب 7200 طابوقة، وتعتبر أكبر قبة مذهبة في العالم الإسلامي.
يتقدم الحرم طارمة عالية مزوقة بأفانين من الزخارف الإسلامية، كان قد أنفق على إنشائها الحاج عبد الواحد الحاج سكر، رئيس عشائر الفتلة، وأنجزت سنة 1368هـ/ 1948م ويبلغ طولها 37 متراً، وعرضها 8 أمتار، وهي ترتفع في وسطها لتغطي باب الحرم، فيصل ارتفاعها هناك 14 متراً، بينما لا يتجاوز هذا الارتفاع من الجهتين الأخريين 9 أمتار.
للحرم خمسة أبواب، هي: الباب الغربي والباب الجنوبي، ويسمى باب القبلة، ويقع في وسط سوق الهادي، والباب الشرقي، وبابان في الشمال.
وفي غرب الصحن الشريف قبة مكسوة بالكاشي الكربلائي الملون البديع، تقع فوق سرداب دار الأئمة عليهم السلام، والذي أصبح مزاراً، فيبلغ محيط تلك القبة 45 متراً، وقطرها 15 متراً.
مراحل إنشاء وإعمار وتطوير العتبة العسكرية المقدسة
تمثل العتبة العسكرية المقدسة ذلك البناء الشامخ الذي بُني على أطلال الدار التي تعود لثلاثة من أئمة أهل البيت عليه السلام وقد سكنها اثنين منهم مدة من الزمن طويلة نسبياً بالقياس لأعمارهم الشريفة، وهما الإمام علي بن محمد الهادي وولده الإمام الحسن بن علي العسكري، وقد ولد فيها ولده الإمام المهدي وهو الخليفة الشرعي الثاني عشر للنبي صلى الله عليه وآله وخاتم الوصيين صلوات الله عليهم أجمعين.
بعد استدعاء الإمام أبي الحسن الثالث علي بن محمد الهادي عليه السلام من المدينة المنورة إلى سامراء سنة ( 243 ه / 857 م ) من قبل المتوكل العباسي، وسكنه فيها فقد أبلغ عليه السلام أنه غير مغادرها بعد يومه هذا، إذ ذكر أبو علي في أماليه: عن والده الشيخ الطوسي، عن أبي محمد الفحام، عن المنصوري محمد بن أحمد الهاشمي، عن عم أبيه عيسى بن أحمد بن عيسى قال: قال يوما الإمام علي بن محمد عليهما السلام: ” يا أبا موسى، أخرجت إلى سر من رأى كرها، ولو أخرجت عنها أخرجت كرها ” قال : قلت : ولم يا سيدي ؟ قال : ” لطيب هوائها ، وعذوبة مائها ، وقلة دائها ” الخبر[1].
فاشترى الإمام الهادي عليه السلام له دارا، حين قدومه لسامراء من نصراني يقال له دليل بن يعقوب فسكنها الإمام مع أهله وعياله الذين جاء بهم من المدينة المنورة معه، دون أن يعلم الناس في ذلك الزمن إن هذا الحدث سيغير تأريخ سامراء ويشكل انعطافة حاسمة حتى في بقاءها كمدينة تسكن من قبل الناس من عدمه، فأصبحت هذه الدار فيما بعد مركز سامراء حين تحولت إلى أقدس موضع فيها، وانسحبت تلك القدسية إلى هذه المدينة، فبُنيت حول تلك الدار دور الأهالي ومتاجرهم وشقت إليها الطرق ليعيش الناس فيها ببركتها وليكونوا كالأفلاك الدائرة حول النجم المتلألئ، بعد ان ضمحل دور سامراء كعاصمة لبني العباس، وتحولها إلى أطلال وأكم بعد ان كانت أجمل وأكبر مدن ذلك الزمان باحتوائها القصور والدور الفخمة الزاهية بأهلها والتي بناها عدداً من ملوكهم، رغم أنها كانت كبيرة وضخمة ولا تقارن مادياً بتلك الدار البسيطة في بنائها والعظيمة فيما تضمه من نفحات وآثار أهل بيت النبوة عليهم السلام، فقد زالت تلك القصور بعد بنائها بفترة قصيرة نسبة لعمر المدينة الذي بقي مستمراً بعد ذلك بسبب تلك الدار المباركة التي بقيت رغم صغرها، والتي سنحاول فيما يلي بيان مراحل التطوير التي جرت عليها[2]:
– لما توفي الإمام أبو الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام بالسم الذي دسّه له الحاكم العباسي المعتز في 3 رجب سنة ( 254 ه / 868 م ) دفن في صحن داره هذه أو في حجرة من حجراتها فكان عمره يوم وفاته 42 سنة، وعمر ولده الحسن يوم وفاة أبيه 22 سنة، باعتبار أنه وُلد صلوات الله عليه سنة 232 هـ، وخرج مع أبيه لسامراء وعمره حينئذ 4 سنوات وأشهر، فبعد هذه التواريخ كلها يكون سكن الإمام الهادي عليه السلام في تلك الدار 18 سنة، وفي 8 شهر ربيع الأول سنة ( 260 ه / 873 م ) توفي الإمام الحسن العسكري عليه السلام وكان قد سمّه الحاكم العباسي المعتمد فدفن إلى جوار والده الإمام الهادي في نفس الدار طبعاً، وكان قد سكن عليه السلام فيها مدّة 23 سنة وبضعة أشهر، ويمكن أن نعتبر عمليتي الدفن هاتين نواة لتكون العتبة العسكرية المقدسة باعتبار أن الدار أصبحت فيما بعد مزاراً قبل أن تهدم وتتحول إلى مسجد تحيطه الأروقة والصحن ثم السور.
في نفس العام توفيت السيدة نرجس والدة الإمام المهدي عليه السلام الذي ولد في هذه الدار في 15 شعبان من سنة 255 هـ وكانت قد ولدته في ذلك السرداب المنيف ضمن دار الائمة عليهم السلام، وقد رآه فيها عدة من أصحاب أبيه، وكانت الرؤية تلك في حياة أبيه عليه السلام فكان للسرداب مزية مهمة وهو أنه جزء من تلك الدار العظيمة بأهلها عليهم السلام، المتشرفة بسكنى ثلاثة من أئمة أهل البيت عليهم السلام، ودفنت السدة نرجس خلف قبر الإمامين بمسافة قليلة، وفي سنة (274 ه / 887 م ) توفيت السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام فدفنت جوار أخيها، ثم بعد ذلك توفي من توفي من العائلة الكريمة أمثال السيدة سوسن وقيل حديث أو حديثة والدة الإمام الحسن العسكري عليه السلام، والحسين ابن الإمام علي الهادي، وأبو هاشم الجعفري داود بن القاسم وابنه جعفر، كل هؤلاء دفنوا في دار الإمامين العسكريين عليهما السلام، بعضهم إلى جوارهما وبعضهم بالقرب منهما.
في سنة ( 280 ه / 893 م ) أي بعد تولي المعتضد بالله العباسي مقاليد الحكم أرسل حرسا خاصا من بغداد لإلقاء القبض على الإمام المهدي عليه السلام وحمله إلى بغداد، فاستعان الإمام عليه السلام بالمعجزة بالتخلص من المهاجمين المقتحمين عليه الدار، وبعد ذلك التأريخ يبدو أن دار الإمام الهادي عليه السلام بقيت خالية من ساكنيها الأحياء، وأغلقت بابها حتى موت المعتضد سنة ( 289 ه )، رغم أن هذا الحادث يبقى موضع تأمل، لأن الإمام المهدي عليه السلام في هذه الفترة كان في غيبته الصغرى ( 260 / 329 ه )، ولا يعلم بموضعه أحد حتى من شيعته غير النواب الأربعة، ولو صحت هذه الرواية فيمكن القول أن الدار بعد خروج صاحب العصر – عجل الله فرجه- منها، أصبحت مدفناً لتلك الأجساد الطاهرة وتـُزار من قبل المؤمنين كبقية مراقد أهل البيت وذراريهم عليهم السلام جميعاً،
في سنة ( 289 ه / 902 م ) وبعد موت المعتضد العباسي نصب شباك في جدار الدار يشرف منه المارة في الشارع على تلك القبور التي بداخلها، فكان بعض الناس من الشيعة الموالين يزورون الإمامين عليهما السلام من وراء الشباك، ونستطيع القول بأن هذا الشباك كان أول منفذ يطل منه الزائرون على القبور الشريفة في الدار.
بقيت الدار على حالها ما يقرب من خمس وأربعين سنة دون أن تمسها يد التعاهد والإصلاح، ونظراً لخلو المنطقة من ساكنيها قياسا بما كانت عليه أيام زهوها، فقد تعين على بعض الناس من أصحاب الشهامة والإخلاص والولاء في بغداد أن يقوموا بتعهد تلك الروضة المطهرة وسدانتها، والقيام بشؤون زوارها، فكان أولئك الأفراد ينظمون القوافل في المناسبات ويرافقون الزوار إلى سامراء، ثم يعودون بهم إلى بغداد.
في سنة ( 332 ه / 44 – 945 م ) قام ناصر الدولة الحمداني الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان التغلبي المتوفى سنة ( 358 ه / 969 م ) الذي كان صاحب الموصل وما يليها، وهو الأخ الأكبر لسيف الدولة الحمداني، وكان بمنصب أمير الأمراء، قام بتشييد الدار من جديد، ورفع جدثي الإمامين وكللهما بالستور، وبنى عليهما قبة صغيرة، وأحاط سر من رأى بسور، ليأمن ساكنوها أو من يريد سكناها، كما بنى دورا حول دار الإمام وأسكنها جماعة.
في سنة ( 337 ه / 48 – 949 م ) أشاد معز الدولة البويهي أبو الحسن أحمد بن بويه بن فناخسرو المتوفى سنة (356 ه / 967 م ) عند دخوله سامراء أول عمارة على شكل مزار بعد أن أكمل عمارة الحمداني، وغير في طرز البناء، فأسس الدعائم، وعمر القبة التي على الضريحين وسرداب الدار، وأقام على القبرين صندوقا خشبيا، وملأ حوض الدار بالتراب بعد أن صارت كالبئر لكثرة ما أخذ الناس من ترابه للبركة، وذلك لأن الإمام العسكري عليه السلام كان يتوضأ به أحيانا، وجدد بناء صحن الدار وسوره، وأنفق في ذلك أموالا جزيلة، كما رتب معز الدولة للروضة والقوام عليها والكتـّاب مرتبات شهرية ليتعاهدوها وزوارها بالخدمات اللازمة.
وفي سنة ( 368 ه / 78 – 979 م ) قام عضد الدولة البويهي أبو شجاع فناخسرو بن الحسن بن بويه الديلمي المتوفى سنة ( 372 ه / 983 م ) ببغداد والمدفون في النجف الأشرف، بزيارة سامراء، فأمر بوضع سياج من الساج حول المرقدين، ووسع الصحن، وعمر أروقته وستر الضريحين بالديباج، كما أشاد سورا للمرقد، علما بأن عضد الدولة هذا هو أول من أظهر قبر الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في ظهر الكوفة بالنجف الأشرف.
في سنة ( 407 ه / 16 – 1017 م ) وقع حريق في بعض أطراف المرقد المطهر، ويبدو أن أضراره كانت طفيفة.
في سنة (445 ه / 1053 م ) ترك الأمير التركي أبو الحارث أرسلان بن عبد الله البساسيري المتوفى سنة (451 ه / 1060 م ) وهو من مماليك بني بويه، ترك بغداد، وحل بتكريت، فأمر بعمارة المرقد الشريف عمارة عالية تليق بالإمامين العسكريين عليهما السلام، فعمر القبة والضريحين من جديد، وعمل صندوقين من الساج ووضعهما على القبرين، وجعل رماناتهما من الذهب، فكانت هذه أول قطع ذهبية تهدى إلى مرقد الإمامين عليهما السلام.
في سنة ( 495 ه / 1102 م ) كلف الملك بركيا روق ابن ملك شاه السلجوقي أبو المظفر ركن الدين، رابع سلاطين السلاجقة المتوفى في الثاني من ربيع الأول سنة ( 498 ه / 1104 م )، كلف وزيره مجد الدولة بإجراء إصلاحات على مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام، فقام الوزير بالإيعاز لإعادة بناء سور المرقد الشريف، وتجديد جميع أبواب الروضة العسكرية من أغلى وأجود أنواع الخشب، وترميم القبة والرواق والصحن.
في سنة ( 606 ه / 9 – 1210 م ) قام أبو العباس الناصر لدين الله أحمد بن المستضئ بأمر الله الحسن بن المستنجد العباسي المتوفى سنة ( 622 ه / 1225 م ) بتعمير القبة فوق الضريحين، وتزيين الروضة الشريفة من الداخل، وبناء مئذنتين، وتجديد بناء سرداب دار الإمام، وكتابة أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام مع النبي صلى الله عليه وآله وابنته الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام على باب خشبي من داخله في شباك وضعه على صفة ( سقيفة ) في آخر السرداب، ولا يزال هذا الباب موجودا إلى يومنا هذا وبه آثار حريق، كما كتب عليه من الخارج آيات قرآنية واسم الناصر لدين الله، وكانت هذه الصفة في يوم ما موضع حوض ماء يتوضأ منه أو يستحم به.
في سنة ( 639 ه / 1242 م ) وعند استيلاء أبي الحارث أرسلان بن عبد الله البساسيري على بغداد، قام بتعمير وبناء مرقد الإمامين الهمامين العسكريين عليهما السلام ووضع صندوقين من الخشب على ضريحي الإمامين.
في سنة ( 640 ه / 1243 م ) شب حريق داخل روضة الإمامين عليهما السلام، فأتى الحريق على الفرش، واحترق الصندوقان اللذان أهداهما البساسيري، فأمر المستنصر بالله العباسي منصور بن محمد الظاهر بن الناصر لدين الله، المتوفى سنة ( 640 ه / 1242 م ) وهو باني المدرسة المستنصرية ببغداد، باستبدال الصندوقين المحترقين بصندوقين من الساج، كما أوعز بعمارة المشهد الشريف والروضة المباركة وما يحيط بها من سياج ساجي، وإزالة ما أصابها من آثار الحريق، وكان المستنصر قد كلف السيد جمال الدين أحمد بن طاووس أن يتولى الإشراف على أعمال البناء والصيانة.
في سنة ( 750 ه / 1349 م ) قام الأمير أبو أويس الشيخ حسن بزرك الجلائري المتوفى سنة ( 757 ه / 1356 م ) [3] بتزيين الضريح الساجي، وشيد القبة والدار من جديد، وعمل بهوا أمام المرقدين، ثم أمر بنقل المقابر التي في صحن المرقد والتي أخذت تتزايد يوما بعد يوم، أمر بنقلها إلى الصحراء في مقبرة خاصة، كما قام بخدمات جليلة كثيرة.
في سنة ( 1106 ه / 1694م – 1695 م ) وبعد وقوع حريق في داخل الروضة المشرفة نتيجة ترك الخدم لسراج موقد في مكان غير مناسب، مما أدى لسقوط نار منه على بعض الفرش فاحترق، فأخذت النيران تسري في الخشب حتى التهمت صندوقي المرقدين والأبواب، فوصل الخبر إلى الشاه حسين بن سليمان الصفوي المتوفى سنة ( 1142 ه / 29 – 1730 م [4] ، وهو آخر ملوك السلسلة الصفوية الرسميين، فأمر بصنع أربعة صناديق في غاية التزيين والترصيع، منهما اثنين لضريحي الإمامين العسكريين عليهما السلام، والآخران – حسب الظاهر – للسيدتين الكريمتين نرجس وحكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام، وعمل شباك فولاذي ليوضع فوق الصناديق، ودعم البناء، وزين الروضة من الداخل بخشب الساج، وفرش أرض المرقد بالرخام، وأمر السلطان جماعة من العلماء والأعيان الإيرانيين بمرافقة الصناديق والضريح والهدايا التي أرسلها معهم إلى سامراء والإشراف على عمليات النصب، وكان دخولهم يوما مشهودا، وقد كتب اسم الشاه حسين على واجهة باب الشباك الفولاذي.
دخلت سنة ( 1200 ه / 1786 م ) فتصدى الملك المؤيد الشهيد أحمد خان الدنبلي أحد أمراء خوي في آذربايجان لعمارة المشهد المقدس للإمامين العسكريين عليهما السلام، وتولى أحد علماء ذلك الوقت وأفاضلهم وهو الميرزا محمد رفيع السلماسي الإشراف على نفقات عمليات الصيانة والتعمير والبناء، وبعد رصد المبالغ اللازمة شرع بعمارة الروضة والسرداب بالحجر الصوان والرخام، وقد كان للسرداب باب من جهة القبلة يدخله الزائر بعد زيارة مرقد العسكريين عليهما السلام بأن ينزل درجا ثم يسير في ممر ضيق جدا حتى يدخل السرداب، ففي سنة ( 1202 ه / 1788 م ) ردم الباب من جهة القبلة وجعل للسرداب بابا من الجهة الشمالية، واستبدلت الأبواب الخشبية، ثم شمل البناء الرواق والإيوان والصحن، وجدد بناء السور، وروعي في ترتيب البناء أن يحاكي مرقد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في النجف الأشرف في ذلك الوقت، وقد أضاف إلى البناء الجديد صحنا آخر، ورواقا ينتهي إلى السرداب، وبنيت الروضة الشريفة على أجمل طراز، وأحدث فن هندسي، كما شمل الإعمار ضريحي السيدتين نرجس وحكيمة رضي الله عنهما، وقد صرفت مبالغ طائلة على هذا المشروع التجديدي، لكن الأحداث والظروف لم تمهل الأمير أحمد خان، فقد قتل في نفس العام، ودفن في رواق الإمامين في سامراء.
تولى حسين قلي خان إبن أحمد خان المتوفى سنة ( 1207 ه / 92 – 1793 م ) مقاليد الأمور، وحل محل والده، فواصل ما كان أبوه قد ابتدأه فأكمل البهو والأبواب، وزين جامع السرداب بالنقوش، وكتب الآيات القرآنية على أركانه، كما زين القبة بالقاشاني الأزرق المعرق، وأخيرا أعد لنفسه قبرا حفره إلى جنب قبر أبيه في الرواق فدفن فيه بعد وفاته.
بقي الميرزا محمد رفيع بعد ذلك ينفق على مشاريع البناء والإعمار حتى تمامه عام ( 1225 ه / 1810 م ).
في سنة ( 1285 ه / 1868 م ) وخلال حكم ناصر الدين شاه القاجاري المقتول سنة ( 1313 ه / 1896 م ) أمر بتعمير وتجديد بناء الروضة المطهرة ففرشت أرضها بالرخام الأخضر الذي جلب من إيران، وجدد الشباك الفولاذي بآخر فضي مذهب التاج، ورخم أرضه، كما أعاد فرش أرض الرواق والبهو والصحن بالمرمر، وأبدل الأبواب، ورمم السور الذي بناه الدنبلي، وأصلح بعض جوانب الصحن المتصدعة والمنهارة، ولأول مرة كسيت القبة المنورة، وأطراف المنائر بالذهب، ونصبت ساعة على السور فوق الباب الرئيس للصحن وهي الساعة الموجودة حاليا، والظاهر أن هذه آخر عمارة أساسية لمرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام، الذي كان في كل مرة يزداد اتساعا ورونقا وجمالا، حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم من الأبهة والجلال والسعة.
في سنة ( 1287 ه / 1870 م ) قام ناصر الدين شاه بزيارة العتبات المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء وسامراء المقدستين وقد حمل معه من التحف والهدايا والأموال الشئ الكثير، ولم يُعلم مقدار ونوع الهدايا التي قدمها لحضرة الإمامين في سامراء، وقد أجريت بعد الزيارة بعض الإصلاحات والإنشاءات الخدمية، من قبيل تبديل الأبواب وتفضيض الشباك وتذهيبه، كما انجزت مشاريع توسعة حول الصحن الشريف بعد ذلك التأريخ .
في سنة ( 1341 ه / 22 – 1923 م ) في عهد ملك العراق السابق فيصل الأول تم توسيع الطرق حول الصحن وبين الدور التي تحيط به.
في سنة ( 1343 ه / 24 – 1925 م ) تم إيصال الماء عبر الأنابيب إلى الصحن المطهر وأنشئت محلات الوضوء ودورات المياه الصحية ، لتسهيل زيارة أفواج الزائرين المتدفقة باستمرار على المرقدين المطهرين.
في سنة ( 1349 ه / 30 – 1931 م ) جلب مولد كهرباء يعمل بالديزل خاص بالمرقد، فنورت الروضة بالكهرباء لأول مرة ونشرت فيها المصابيح، وعلقت الثريات مما زاد المرقدين والروضة جمالا وبهاء إلى بهائها.
في سنة ( 1352 ه / 1933 م ) في عهد ملك العراق السابق غازي الأول المولود في مكة والمتوفى في بغداد بحادث سيارة سنة (1358 ه / 1939 م ) أجريت بعض التوسعات حول الصحن الشريف.
في سنة ( 1359 ه / 1940 م ) وفي عهد الملك فيصل الثاني بن الملك غازي الأول بن الملك فيصل الأول المولود في بغداد عام 1933م والمتوفى سنة ( 1377 ه /1958 م ) في انقلاب أطاح به وحول العراق إلى الحكم الجمهوري، أجريت أيضا بعض الإصلاحات والترميمات الطفيفة وتوسعة الشوارع المحيطة بالحرم المطهر.
في سنة ( 1360 ه / 1941 م ) نقل شباك الإمام الحسين عليه السلام الفضي من كربلاء إلى سامراء لنصبه على ضريح الإمامين العسكريين عليهما السلام بعد أن رمم وأصلح، وفي سنة ( 1367 ه / 1948 م ) أصلح محمد صنيع خاتم الصندوقين الذي على الضريحين.
في سنة ( 1381 ه / 1961 م ) نصب شباك فضي مذهب جديد، وهو الموجود قبل تفجيره مع الجزء الأكبر من حرم وأروقة العتبة المقدسة والقبة الشريفة في الحادث الأثيم يوم 22/2/2006م، وكان قد تبرع به جماعة من الوجهاء العراقيين والإيرانيين بسعي الشيخ محمد حسين المؤيد والحاج علي الكهربائي وغيرهم، وتبلغ أبعاد هذا الشباك ( 3 ) أمتار عرضاً، و ( 6 ) أمتار طولاً، و (50 / 2 ) متراً ارتفاعاً.
في سنة ( 1386 ه / 1966 م ) قدمت إلى الحرم المطهر فرش الحرم بكامله عدا الرواقات بالسجاد الثمين، تبرع به بعض المؤمنين من التجار العراقيين والإيرانيين، بسعي الحاج محمد رضا لطفي في طهران والشيخ محمد حسين مؤيد في الكاظمية المقدسة ببغداد.
سرداب الغيبة[5]
يوجد في سامراء سرداب أثري في العتبة العسكرية المقدسة من جهتها الغربية، يدعى بسرداب الغيبة، وقد حاك أعداء الشيعة الأساطير عن هذا السرداب ونسبوا إلى الشيعة أنّهم يقولون إنّ الإمام المهدي قد غاب فيه وأنّه سيخرج منه، وكل هذا زوراً وبهتانا، فلا يعتقد الشيعة إلاّ أنّه سرداب دار الأئمّة، الذين عاشوا فيه وولد آخرهم في هذا الدار.
وإن وجود هذا السرداب في دارهم هذه أمر طبيعي، لأنها في العراق، وكل دوره في السهل الرسوبي – عدا المناطق الشمالية منه – تحتوي سرداباً يأوي إليه أهل الدار في أشهر الحر التي تتميز بها اغلب أشهر السنة في العراق.
قال الشيخ ذبيح الله المحلاتي:
(ليس اشتهار هذا السرداب بسرداب الغيبة لأن الحجة (عليه السَّلام) غاب فيه كما زعمه من يجهل التاريخ، بل لأن بعض الأولياء تشرف بخدمته وحيث إنه مبيت الثلاثة من الأئمة ومعبدهم طوال المدة وحظي فيه عدة من الصلحاء بلقائه صار من البقاع المتبركة فينبغي إتيانه بخضوع وخشوع وحضور قلب والوقوف على بابه والدعاء) (مآثر الكبراء 1/288) ط الثانية سنة 1388 هـ.
لذا فوجود السرداب في دار الأئمة المذكور أمرٌ طبيعي في دور كل أهل العراق، للسكن فيه خلال تلك الأشهر، والتعبد والنوم، وإثارة الشبهة حول أمر بديهي في العراق مثل وجود هذا السرداب، لهو أمر يثير السخرية والعجب في آن واحد.
ويقول الشيخ النوري في (كشف الأستار ص43) سنة 1318 هـ بهذا الصدد:
(واختص ذلك المكان بمزيد شرافة واحترام وتقبيل والتبرك به… فلما رأت سدنته رغبة المؤمنين إلى زيارة تلك البقعة جعلوا يأخذون تراب ذلك المكان ويعطونه الزائرين بإزاء دراهم معدودة، فأدى ذلك أن حفر تلك البقعة مقدار درجتين، ثم تصدى إلى طمها العلامة الكبير الشيخ عبد الحسين الطهراني (رضي الله عنه)، ثم حفرها بعض السدنة لمقاصدهم الخاصة وسموها بئر صاحب الزمان… ومع ذلك فقد جعلوا الآن قبة تحت الرخام بمقدار أن يدخل الكف فيه لأخذ التراب، وربما وضعوا التراب فيها من الخارج لإعطائه الزائرين الذين لا يعلمون حقيقة التراب).
وللسرداب باب خشبي جميل باقٍ من عهد الحاكم العباسي الناصر لدين الله وقد عمله في سنة 606 هـ ، أي أنّه مضى على صنعه أكثر من سبعة قرون.
قال السيد الجلالي في مزارات اهل البيت: وقد رأيت الباب المذكور ولا تزال قائمة وبها آثار الحريق والكتابة بخط كوفي قرأت منها أسماء المعصومين الأربعة عشر (عليهم السَّلام) وقد نشرت مديرية الآثار العراقية رسالة بعنوان (باب الغيبة) في سنة 1938 هـ وأوردت النص المذكور كاملاً (النص المكتوب على الباب ) في ص7.
————————————————————————————————————————
___________________________________________________
هامش المصادر:
[1] مستدرك الوسائل – الميرزا النوري – ج 17 – ص 25، بحار الأنوار ج 60 ص 41 ح 6، ح 9، أمالي الطوسي ج 1 ص 287، بحار الأنوار ومدينة المعاجز ص 46 ، دلائل الإمامة ص 18
[2] تم الاعتماد في استخراج هذه المعلومات التأريخية على المصادر والمراجع التالية :
1 – المنتظم في تأريخ الأمم والملوك، لابن الجوزي. 2 – المسجد المسبوك للملك الأشرف الغساني. 3 – رحلة ابن جبير. 4 – كتاب الحوادث، المنسوب خطأ لابن القفطي، وهو مجهول المؤلف. 5 – موسوعة العتبات المقدسة، لجعفر الخليلي. 6 – تأريخ العراق بين احتلالين، لعباس العزاوي 7 – مزارات أهل البيت وتأريخها، للسيد محمد حسين الحسيني الجلالي. 8 – الإمام الحسن العسكري من المهد إلى اللحد للسيد محمد كاظم القزويني. 9 – الأعلام ، لخير الدين الزركلي. 10 – تأريخ التمدن الإسلامي، لجرجي زيدان. 11- الكشكول المبوب – الحاج حسين الشاكري – ص 101- 132.
[3] زعيم الأسرة الجلائرية التي حكمت العراق بين ( 739 – 814 ه / 1339 – 1411 م ) واتخذت بغداد عاصمة لها ، ثم مدت نفوذها إلى تبريز وأذربيجان وديار بكر ، وهي سلالة مغولية مؤسسها المترجم المعروف بالشيخ حسن بزرك ولقبه ( اولوس بك ) ، عينه الإيلخان أبو سعيد واليا على آسية الصغرى فاستقل بالحكم سنة ( 1339 م ) .
[4] هو المعروف بشاه سلطان حسين، والذي نـُحي عن العرش حين استولى الأفغان بزعامة محمود على عاصمة الدولة الصفوية إصفهان، وذلك سنة ( 1135 ه / 1722 م ) فأودع السجن، ثم بعد ذلك، وفي التأريخ الذي ذكرناه قتل في سجنه، وبهذا يعتبر السلطان حسين آخر ملوك الصفوية الحقيقيين، رغم أن ابنه طهماسب الثاني جلس في محله ثم من بعده الشاه عباس الثالث، لكن سلطتهم كانت بالاسم فقط، راجع فرهنك فارسي للدكتور معين 5 : 462 و 1006 ، قسم الأعلام.
[5] معظم معلومات هذه الصفحة مُعدة بتصرف من كتاب (موسوعة العتبات المقدسة – قسم سامراء) لمؤلفه جعفر الخليلي والكتاب من منشورات مؤسسة الأعلمي (بيروت – لبنان) ط2 1407هـ 1987م، وما تبقى من معلومات فقد أخذت من عدة مصادر أخرى، وقام محرر موقع العتبة العسكرية المقدسة (جسام محمد السعيدي) بإضافات في الجانب التأريخي وتعديلات تناسب الزمان الحالي، خاصة فيما يتعلق بالمعلومات الجغرافية للمدينة.
أحدث وجهات النظر