ابو سهل عثمان بن سعيد العمري الاسدی
اسمه و نسبه و كنيته:
هو عثمان بن سعيد و هو أسدي النسب، يقال: الأسدي، لأنه ينتمي إلى قبيلة بني أسد.
و نُسب إلى جدّه فقيل العمري _ بفتح العين، و سكون الميم، و كسر الراء المهملة. و قد اختلف في تسميته بالعَمري على أقوال:
الأول: قيل كان أسدياً و إنما سُمي بالعمري لما رواه أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر العمري رحمه الله، قال أبو نصر: (كان أسدياً فنُسب إلى جده فقيل العمري).
الثاني: قيل إن أبا محمد العسكري عليه السلام قال: لا يجمع على امرئ بين (عثمان) و (أبي عمرو)، و أمر بكسر كنيته فقيل العَمري.
الثالث: يقال: لأنه يُنسب من قبل الأم إلى عمر الأطرف، فقيل له: العَمري.
الرابع: يقال إنه من أولاد عمار بن ياسر صاحب أمير المؤمنين علي عليه السلام و الشهيد بصفين، على ما أورده السيد حسن الصدر (ت/ 1354هــ) يقول: (الشيخ عثمان بن سعيد العَمري من أولاد عمار بن ياسر).
و على ما أورده الشيخ آغا بزرك الطهراني (ت/ 1389هــ) حيث قال: (إن الشيخ أبو نصر هبة الله بن أحمد الكاتب كان يذكر أن أمه أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العَمري من ولد عمار بن ياسر صاحب أمير المؤمنين عليه السلام و أحد الأركان الأربعة الذين لم يرتدوا بعد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم). و يبدوا أن هذا القول من أسباب تسميته بالعَمري أيضاً.
و الظاهر أن القول الرابع في أنه من أولاد عمار بن ياسر هو من أرجح الأقوال أما كنيته فهي أبو عمرو، و أبو محمد.
لقبه:
1_ العسكري: لأنه كان يسكن العسكر (سر من رأى) سامراء.
2_ السمّان: لأنه كان يتّجر في السمن تغطية على الأمر، و كان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو فيجعله في جراب السمن و زقاقه، وي حمله إلى أبي محمد عليه السلام تقية و خوفاً.
3_ الزيّات: لنفس العلة المتقدمة.
ولادته و تشرفه بخدمة الأئمة:
لم يرد في المصادر التاريخية تحديد تاريخ معروف لولادة الشيخ العمري، و إنما يرد اسمه أول ما يرد كبوّاب في خدمة الإمام الهادي عليه السلام يوم كان غلاماً في الحادية عشر من عمره.
قال الشيخ الطوسي (ت/ 460هــ): (خدمه عليه السلام و له إحدى عشرة سنة، و له إليه عهد معروف).
و قال ابن داود (المتوفى بعد سنة 707هــ): (خدم الهادي عليه السلام و له إحدى عشرة سنة و له إليه عهد معروف).
غير أن ابن شهر آشوب (ت/ 588هــ): ذكر أنه كان باباً لأبي جعفر محمد بن علي التقي عليه السلام.
و مثل ذلك العلامة الحلي (ت/ 726هــ) فقد عدّه من أصحاب الإمام الجواد عليه السلام، حيث قال: (من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليه السلام خدمه و له إحدى عشرة سنة، و له إليه عهد معروف).
بينما يرى الشيخ أبو علي الحائري (ت/ 1216هــ)، و الشيخ عبد الله المامقاني (ت/ 1315هــ) أن قول العلامة الحلي سهو و هذا الاشتباه نشأ من الاستعجال في التصنيف، أو لعلة سهو من قلمه رحمه الله.
و على هذا يكون الشيخ العمري قد ابتدأ أمره وكيلاً خاصاً بالإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام، و بقي في خدمة الإمام الهادي عليه السلام طوال حياته، و عند ما التحق الإمام الهادي عليه السلام بقافلة الأنبياء و المرسلين و الأئمة عليهم السلام عام (254هــ)، انتقل عثمان إلى خدمة ابنه الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام.
فكان وكيله العام في تدبير الأمور و الشؤون الدينية للطائفة من قبض الحقوق، و تسليم الوجوه الشرعية، و الصدقات، واستلام الكتب و إيصالها، و غير ذلك.
بل يظهر أنه كان الوكيل لخزانة الإمام عليه السلام، إذ كان هناك وكلاء آخرون في الولايات و النواحي، كل يعمل حسب توكيله في منطقته، و لو أرادوا إرسال الأموال إلى الإمام عليه السلام فإنهم يرسلونها إلى أبي عمرو السمان، فهو وساطتهم إلى الإمام عليه السلام.
و هذا ما جاء في توقيع خرج من الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري و هو توقيع طويل فيه شرح و تفصيل، أورده الكشي (ت/ 340هــ)، في رجاله، و الذي يهمّنا منه ما جاء في آخره من قوله عليه السلام:
«و الحمد لله فما بعد الحق إلاّ الضلال فلا تخرجن من البلد حتى تلقى العَمري رضي الله عنه برضائي عنه فتسلّم عليه وت عرفه و يعرفك فإنه الطاهر الأمين العفيف القريب منّا و إلينا، فكل ما يحمل إلينا من شيء من النواحي فإليه يصير آخر أمره، ليوصل ذلك إلينا، و الحمد لله كثيراً.»
و حين يلبّي الإمام الحسن العسكري عليه السلام نداء ربه و يلتحق بأبيه و جدّه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عام (260هــ)، يتولى عثمان بن سعيد العمري جثمانه عليه السلام، فقد روى الشيخ الطوسي عن أبي نصر هبة الله بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر العمري رحمه الله _عن شيوخه أنه لمّا مات الحسن بن علي عليه السلام حضر غسله عثمان بن سعيد رضي الله عنه و أرضاه _ و تولى جميع أمره في تكفينه و تحنيطه و تقبيره، مأموراً بذلك للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها و لا دفعها إلاّ بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها.
و من خلال التدقيق في الرواية يتّضح أن عبارة الشيخ الطوسي بأن العمري رضي الله عنه كان مأموراً بذلك، ناظراً إلى أمر التكفين و التحنيط و الدفن فقط،و ليس الغسل في ضمنها، فالمقطع الأول من الرواية يشير بوضوح إلى أنه حضر غسله عليه السلام بمعنى أن الإمام المهدي عليه السلام هو من باشر غسله بحضور العَمري، كما أقام عليه الصلاة، لأن الإمام لا يغسله و لا يصلي عليه إلاّ الإمام.
ثم عطف بالواو جملة ثانية بأنه تولى أمره أي قام العَمري رضي الله عنه هو مباشرة بتكفين الامام و تحنيطه و دفنه مأمورا بذلك.
أما المقطع الأخير من الرواية فيشير الى اختفاء (غيبة) الامام المهدي عليه السلام.
و على الرغم من اختفائه فإنه عليه السلام لم يتخلف عن مباشرة تغسيله، و إقامة الصلاة عليه، و هذا ما أشار إليه السيد محمد محمّد صادق الصدر (ت/ 1419هــ) في كتابه تاريخ الغيبة الصغرى.
و بهذا فقد حظي العَمري بشرف تكفين الامام العسكري عليه السلام و تحنيطه و إقباره، و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على جلالة قدره و عظيم منزلته.
ثم حظي بشرف عظيم آخر ليصبح من ذلك الحين وكيلاً خاصاً بالإمام المهدي عليه السلام و بنص من الامام العسكري عليه السلام.
و عليه، فهو النائب الأول للإمام المهدي عليه السلام، و بهذا يكون رضي الله عنه قد و اكب ثلاثة من الأئمة الطاهرين عليهم السلام، و تشرف بخدمتهم طوال حياته الشريفة، أي منذ كان ابن إحدى عشرة سنة حتى توفاه الله.
أولاد عثمان بن سعيد العَمري:
له من الأولاد: محمد و هو السفیر الثاني، و أحمد.
وثاقته:
كان عثمان بن سعيد العمري ثقة، جليل القدر و صفه شيخ الطائفة رحمه الله بأنه: جليل القدر، ثقة.
و قال عنه: (هو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري).
فهو من أفاضل علماء الشيعة الإمامية، و من ثقات المحدثين، عُرف بحسن السيرة و العدالة و الأمانة، مع جلالة القدر و عظيم المنزلة، حسب ما نصّت عليه جميع مصادر التراجم، و كان ممدوحاً، و موضع اعتماد الأئمة عليهم السلام.
و هناك توقيعات عديدة صدرت عن الامامين العسكريين عليهما السلام بحق أبي عمرو، كلها تصفه بالوثاقة و الأمانة و العدالة.
و إليك هذه النصوص في توثيقه:
1_ روي عن أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي! أنا أغيب و أشهد و لا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقولُ من نقبل و أمر من نمتثل؟ فقال لي عليه السلام: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله، و ما أداه إليكم فعني يؤديه.
فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت الى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه، فقال لي: هذا ابو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي و ثقتي في المحيا و الممات، فما قاله لكم فعني يقوله، و ما أدى إليكم فعني يؤديه.
حتى اشتهر حاله و جلالة شأنه بين الشعب الموالي. قال أبو العباس الحميري: فكنا كثيراً ما نتذكر هذا القول، يعني مدح الامام العسكري عليه السلام له، و نتواصف جلالة محل أبي عمرو.
2_ و في رواية أخرى رواها محمد بن يعقوب الكليني (ت/ 329هــ) بسند صحيح عن أبي علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن الهادي عليه السلام.
قال: سألته و قلت: من أعامل و عمّن آخذ؟ و قولَ من أقبلُ؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي و ما قال لك عني فعني يقول؛ فاسمع له و أطع، فإنه الثقة المأمون.
3_ و روي عن محمد بن إسماعيل، و علي بن عبد الله الحسنيان قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن عليه السلام بسر من رأى و بين يديه جماعة من أوليائه و شيعته حتى دخل عليه بدرٌ _خادمه_ فقال: يا مولاي بالباب قوم شُعثٌ غُبرٌ، فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن، في حديث طويل يسوقانه الى أن ينتهي الى أن قال الحسن عليه السلام لبدر: فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري، فما لبثنا الا يسيراً حتى دخل عثمان فقال له سيدنا أبو محمد عليه السلام: امض يا عثمان فإنك الوكيل و الثقة و المأمون على مال الله و اقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال.
ثم ساق الحديث الى أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا و الله إن عثمان لمن خيار شيعتك، و لقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك و إنك وكيلك وثقتك على مال الله تعالى.
أن العمري كان من أوثق الناس و أشدهم حريجة في الدين، فقد كان من النوابغ فكراً و عقلاً، إضافة الى مزاياه الخاصة كالتقوى و الورع و الأمانة، وغيرها من الصفات التي جعلته أهلاً للسفارة عن الامام الحجة عليه السلام.
و من الواضح أن الأئمة عليهم السلام إنما اختاروه و انتخبوه لهذا المنصب الخطر و المكانة السامية لوجود المؤهلات فيه.
سفراته عن الامام الحجة و مدّتها:
تولى الشيخ العمري، الثقة المأمون هذه المهمة العظمى (منصب السفارة و البابیة) عن الإمام المنتظر عليه السلام، فأصبح حلقة وصل بين الإمام الغائب عليه السلام و بين قواعده الشعبية، إذ أخذ على عاتقه تبليغ توجيهاته و تعاليمه إليهم، و إيصال أسئلتهم و استفساراتهم و أموالهم، و جميع قضاياهم الدينية إليه، و تنفيذ أوامر الإمام و توجيهاته فيهم.
و قد حظي العمري رضي الله عنه بهذه السفارة التي لم يحظ بها غيره من ثقات الشيعة.
و قد استمرت مدة سفارته عن الإمام الحجة عليه السلام قرابة الخمس سنوات، على اعتبار أن مبدأ السفارة كان بعد استشهاد الإمام العسكري عليه السلام عام (260هـ)، و تولي الإمام المهدي عليه السلام منصب الإمامة في نفس العام، إلى حين وفاة عثمان بن سعيد العمري المجهول تاريخ وفاته، على أنه ورد في رجال السيد بحر العلوم (ت/ 1212هـ) أنه توفي سنة (264 أو 265هـ). و بهذا تكون مدة سفارته ما يقارب الخمس سنوات، و كان ذلك إبّان خلافة المعتمد العباسي الذي تولى الخلافة عام (256 هـ).
أدلة إثبات سفارته:
لكي نثبت سفارة عثمان بن سعيد العمري، لابد لنا من مثبتات لإقامة الحجة على صدقه، و صحة سفارته، حتى ينقطع لسان الطاعن يزداد يقين المتيقن.
فمما لا ريب فيه أن السفارة لا تثبت إلا بنص الامام المعصوم، أو نص السفیر السابق، و ظهور الكرامة على يد من يدعي السفارة و البابیّة.
و هذا ما صرح به الطبرسي (ت/ 620 هـ) حيث قال بعد أن ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة: (و لم يقم أحد منهم بذلك إلا بنصّ عليه من قبل صاحب الأمر عليه السلام و نصب صاحبه الذي تقدم عليه، و لم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من صاحب الأمر عليه السلام، تدل على صدق مقالتهم، و صحة بابيتّهم).
و لو لم تكن هذه المثبتات لأدعي ذلك المقام العظيم، الكثير من عبدة الدنيا كما اتفق لجماعة ظهر كذبهم و زورهم و خرج التوقيع عن الإمام عليه السلام بلعنهم، و البراءة منهم، كالشريعي، و النميري، و العبرتائي، و الشلمغاني، و غيرهم. و أسماؤهم مذكورة في كتب الغيبة و الرجال من أرادها فليرجع إليها.
و فی الزمن الغیبة الکبری کعلی محمد الباب الشیرازی و امثاله من الکُذّاب.
أحدث وجهات النظر