أنه وسيلة إلى الله عزّ وجلّ وقد أمر الله تعالى بابتغاء الوسيلة إليه في قوله *(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون)* وجعل الفلاح والنجاة موقوفا على هذه الأمور الثلاثة، وهي مجتمعة في الدعاء لمولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه، لأن أول مراتب التقوى هو الإيمان، ولا ريب أن الدعاء له وبتعجيل فرجه علامة للإيمان وسبب لكمال الإيمان. وهو من أقسام المجاهدة باللسان ووسيلة إلى الخالق المنان، وتقريره من وجهين:
أحدهما: أن معنى الوسيلة كما في مجمع البيان الوصلة والقربة، ولا شبهة في كون هذا الدعاء وصلة إلى الله تعالى، وقربة إليه كسائر العبادات التي يتقرب بها إليه غير أن هذا من أعظم الوسائل قربة، وأقربها وسيلة، وأرفعها شأنا وأجلها مقدارا كما يتبين في هذا الكتاب بعون الملك الوهاب، وهو الهادي إلى نهج الصواب.
الوجه الثاني: أن المراد بالوسيلة في خصوص الآية الشريفة هو الإمام، لما ذكره علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله) في تفسيره في قوله تعالى: *(وابتغوا إليه الوسيلة)* قال: فقال تقربوا إليه بالإمام والظاهر استناده إلى الرواية عن الإمام في تعيين هذا المرام.
– وفي البرهان عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في قوله تعالى: *(وابتغوا إليه الوسيلة)* أنا وسيلته.

– وفي مرآة الأنوار عن كتاب الواحدة، عن طارق بن شهاب قال: قال علي (عليه السلام) في حديث له: إن الأئمّة من آل محمد (صلى الله عليه وآله) الوسيلة إلى الله والوصلة إلى عفوه، الخبر.
– وفيه أيضا من كتاب رياض الجنان، عن جابر، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في حديث له، ذكر فيه فضله، وفضل الأئمة: نحن الوسيلة إلى الله.
– وفي بعض الزيارات: وجعلتهم الوسيلة إلى رضوانك.
– وفي دعاء الندبة: وجعلتهم الذرائع إليك والوسيلة إلى رضوانك، الخ.
– وفي دعاء سيد العابدين (عليه السلام) في يوم عرفة: وجعلتهم الوسيلة إليك، والمسلك إلى جنتك الخ. فتحصل من جميع ذلك أن المراد بالوسيلة هو الإمام فابتغاء الوسيلة إلى الله هو تحصيل ما يكون سببا لرضاه وقربة إلى جنابه، وحيث إن الله عزّ اسمه جعل لكل قوم هاديا ولكل أمة إماما، كما قال عزّ اسمه *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)* فجعله هاديا، ووسيلة لهم إليه فاللازم على كل قوم أن يعرفوا هاديهم ووسيلتهم، ويبتغوا إليه الوسيلة بما يرضيه عنهم، ويطلب منهم، إذ لا يجدي التقرب بأحد منهم، مع الجهل بولي الأمر والإمام في كل عصر.
– ولذلك قال في الحديث المعروف المتلقى بالقبول بين الفريقين: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فحال الجاهل بإمام زمانه حال الجاهل بجميع الأئمة ويدل على ما ذكرناه الأخبار المتواترة.
– منها: ما في مرآة الأنوار وغيره، بالإسناد عن الصادق (عليه السلام)، قال: خرج الحسين (عليه السلام) على أصحابه، فقال: أيّها الناس إن الله عزّ وجلّ ما خلق العباد إلا ليعرفوا، فإذا عرفوا وعبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه فقال له رجل: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأبي أنت وأمي فما معرفة الله؟ قال (عليه السلام): معرفته في كل زمان معرفة إمامهم الذي يجب عليهم طاعته.
ثمّ حكى صاحب الكتاب عن شيخه العلامة المجلسي، أنه قال في البحار إنما فسر معرفة الله بمعرفة الإمام، لبيان أن معرفة الله لا تحصل إلا من جهة الإمام أو لاشتراط الانتفاع بمعرفته تعالى بمعرفته (عليه السلام). إنتهى.
إذا تقرر ما ذكرنا، فنقول: لا ريب أن الدعاء بتعجيل الفرج لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه من أعظم الوسائل، التي جعلها الله تعالى وسيلة إليه، لأنه ليس وسيلة إليه فقط، بل هو وسيلة إلى جميع الأئمة بل جميع الأنبياء والأوصياء، الذين هم الوسائل الربانية، وذوو الأبوة الروحانية، وهو سبب لسرورهم ورضاهم، وطلب لما هو مقصدهم ومناهم، ومع ذلك كله، إطاعة لأولي الأمر، الذين أمر الله تعالى بإطاعتهم في قوله: *(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر) *.
– ويشهد لما ذكرناه، ويؤيده ما روي في البرهان وغيره عن مولانا أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، في قوله تعالى في سورة الجمعة: *(فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله)* (الخ) قال: يعني بالصلاة بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبالأرض الأوصياء أمر الله بطاعتهم وولايتهم كما أمر بطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) وطاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، كنى الله في ذلك عن أسمائهم فسماهم بالأرض، وفي قوله: *(وابتغوا من فضل الله)* قال: هكذا نزلت: وابتغوا فضل الله على الأوصياء، الخبر.
أقول: إنما شبهوا بالأرض لوجوه:
منها: أن الله تعالى شأنه قد جعل الأرض سكنا وقرارا للخلائق فبذلك يعيشون ويسكنون ويدرجون ويستريحون وأن سكون الأرض وقرارها بوجود الإمام، فسكون جميع ما في الأرض واستراحته ليس إلا بسبب وجوده صلوات الله عليه.
ومنها: أن الأرض واسطة في وصول البركات السماوية إلى أهل العالم قال عزّ وجلّ: *(وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج)* والإمام أيضا واسطة في وصول البركة الإلهية إلى أهل العالم.
ومنها: أن الله تعالى قد أخرج من الأرض أنواعا من النعم، والفواكه والثمرات والعشب والكلأ، وغيرها بحسب حاجة الخلق، لكي ينتفع كل واحد منهم من بني آدم وغيرهم، من الحيوانات والحشرات بما يصلحه ويناسبه، قال تعالى: *(ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم)*. وقد أخرج من وجود الإمام أنواعا من العلوم والأحكام بحسب حوائج الخلق ومصالحهم كي لا يحتاجوا إلى غيره، إلى غير ذلك من الوجوه التي تظهر بالتدبر إن شاء الله تعالى وقد اختلج هذه الوجوه عجالة بالبال، والله الموفق في كل حال.
توضيح: قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان: القضب هو ألقت الرطب، يقضب مرة بعد أخرى، يكون علفا للدواب عن ابن عباس والحسن، والأب: المرعى من الحشيش، وسائر النبات الذي ترعاه الأنعام والدواب. إنتهى.
وفي القاموس القضب: كل شجرة طالت وبسطت أغصانها، والأب: الكلأ أو المرعى أو ما أنبتت الأرض، والخضر. إنتهى.

(مکیال المکارم ؛ ج 1 ؛ محمد تقی الموسوی الاصبهانی)