البشارة والرفق عند الموت
ويشهد لذلك الروايات:
– منها: الحديث الشريف المروي في تفسير الإمام (عليه السلام) قال: إن المؤمن الموالي لمحمد وآله الطيبين، المتخذ لعلي بعد محمد إمامه الذي يحتذي مثاله وسيده الذي يصدق أقواله ويصوب أفعاله ويطيعه بطاعة من يندبه من أطايب ذريته لأمور الدين وسياسته إذا حضره من أمر الله ما لا يرد ونزل به من قضائه ما لا يصد وحضره ملك الموت وأعوانه وجد عند رأسه محمدا رسول الله ومن جانب آخر عليا سيد الوصيين وعند رجليه من جانب الحسن سبط سيد النبيين، ومن جانب آخر الحسين سيد الشهداء أجمعين، وحواليه بعدهم خيار خواصهم ومحبيهم، الذين هم سادة هذه الأمة، بعد ساداتهم من آل محمد، ينظر العليل المؤمن إليهم، فيخاطبهم بحيث يحجب الله صوته عن آذان حاضريه، كما يحجب رؤيتنا أهل البيت ورؤية خواصنا من أعينهم ليكون بذلك أعظم ثوابا لشدة المحنة عليهم. فيقول المؤمن: بأبي أنت وأمي يا رسول الله رب العزة، بأبي أنت وأمي يا وصي رسول الرحمة، بأبي أنتما وأمي يا شبلي محمد (صلى الله عليه وآله) وضرغاميه يا ولديه وسبطيه يا سيدي شباب أهل الجنة المقربين من الرحمة والرضوان مرحبا بكم معاشر خيار أصحاب محمد وعلي، وولديه ما كان أعظم شوقي إليكم وما أشد سروري الآن بلقائكم يا رسول الله هذا ملك الموت قد حضرني، ولا أشك في جلالتي في صدره، لمكانك ومكان أخيك، فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): كذلك هو. فيقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ملك الموت فيقول: يا ملك الموت استوص بوصية الله في الإحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا، فيقول له ملك الموت يا رسول الله مره أن ينظر إلى ما أعد الله له في الجنان، فيقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله) انظر إلى العلو فينظر إلى ما لا يحيط به الألباب، ولا يأتي عليه العدد والحساب فيقول ملك الموت: كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه وهذا محمد وعترته زوّاره، يا رسول الله! لولا أن الله جعل الموت عقبة لا يصل إلى تلك الجنان إلا من قطعها لما تناولت روحه، ولكن لخادمك ومحبك هذا أسوة بك، وبسائر أنبياء الله ورسله وأوليائه الذين أذيقوا الموت لحكم الله تعالى. ثم يقول محمد (صلى الله عليه وآله): يا ملك الموت! هاك أخانا قد سلمناه إليك فاستوص به خيرا. ثم يرتفع هو ومن معه إلى روض الجنان وقد كشف عن الغطاء والحجاب لعين ذلك المؤمن العليل فيراهم المؤمن هناك بعدما كانوا حول فراشه فيقول يا ملك الموت! الوحا الوحا! تناول روحي ولا تلبثني ههنا، فلا صبر لي عن محمد وعترته، وألحقني بهم فعند ذلك يتناول ملك الموت روحه فيسلها كما يسل الشعرة من الدقيق وإن كنتم ترون أنه في شدة، فليس هو في شدة، بل هو في رخاء ولذة فإذا أدخل قبره وجد جماعتنا هناك. وإذا جاءه منكر ونكير قال أحدهما للآخر: هذا محمد وعلي والحسن والحسين وخيار صحابتهم بحضرة صاحبنا، فلنتضع لهما، فيأتيان فيسلمان على محمد (عليه السلام) سلاما مفردا، ثم يسلمان على علي (عليه السلام) سلاما مفردا، ثم يسلمان على الحسنين (عليهما السلام) سلاما يجمعانهما فيه، ثم يسلمان على سائر من معنا من أصحابنا. ثم يقولان: قد علمنا يا رسول الله زيارتك في خاصتك لخادمك ومولاك ولولا أن الله يريد إظهار فضله لمن بهذه الحضرة من الملائكة، ومن يسمعنا من ملائكة بعدهم، لما سألناه ولكن أمر الله لا بد من امتثاله. ثم يسألانه فيقولان: من ربك؟ وما دينك ومن نبيك؟ ومن إمامك؟ وما قبلتك؟ ومن إخوانك؟ فيقول: الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي وصي محمد (صلى الله عليه وآله) إمامي، والكعبة قبلتي، والمؤمنون الموالون لمحمد وعلي وآلهما، وأوليائهما، المعادون لأعدائهما إخواني وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأن أخاه عليا ولي الله، وأن من نصبهم للإمامة من أطايب عترته، وخيار ذريته خلفاء الأمة، وولاة الحق، والقوامون بالعدل. فيقولان: على هذا حييت، وعلى هذا مت وعلى هذا تبعث إن شاء الله وتكون مع من تتولاه، في دار كرامة الله، ومستقر رحمته، الخبر.
أقول: وجه الاستشهاد بهذه الرواية الشريفة، المشتملة على مطالب لطيفة، أن المؤمن يفوز بتلك الكرامات العظيمة، والمنن الجسيمة، بسبب أمور أربعة:
موالاته للنبي والأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، والخدمة لهم، والمحبة إليهم وإيثارهم على من سواهم، كما يرشد إلى ذلك قوله في الإحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا، الخ.
ولا ريب في اجتماع هذه الصفات الأربعة في الداعي لمولانا صاحب الزمان، لأن الدعاء له نوع من الموالاة، والخدمة لهم، ومحبة إليهم، وفيه إيثارهم بالدعاء على من سواهم.
ويدل على المقصود أيضا، جميع ما ورد من البشارات للمؤمن في الأخبار الكثيرة المروية في فروع الكافي في باب ما يعاين المؤمن والكافر عند موته. وفي البحار منه، وفي غيرهما ولنكتف بذكر حديث واحد من الكافي ففيه غنية للعارف السالك ومن أراد الزيادة فليطلبها هنالك.
وهو ما رواه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان عن عمّار بن مروان، قال: حدّثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: منكم والله يقبل، ولكم والله يغفر، إنه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السرور وقرة العين إلا أن تبلغ نفسه ههنا وأومى بيده إلى حلقه. ثمّ قال (عليه السلام): إنه إذا كان ذلك واحتضر حضره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وجبرائيل وملك الموت (عليهما السلام)، فيدنو منه علي (عليه السلام) فيقول: يا رسول الله! إن هذا كان يحبنا أهل البيت، فأحبه. ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا جبرائيل! إن هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله، فأحبه، ويقول جبرائيل لملك الموت: إن هذا كان يحب الله ورسوله، وأهل بيت رسوله، فأحبه وارفق به، فيدنو منه ملك الموت، فيقول: يا عبد الله! أخذت فكاك رقبتك؟ أخذت أمان براءتك تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا؟ قال: فيوقفه الله عزّ وجلّ، فيقول: نعم. فيقول: وما ذاك فيقول: ولاية علي بن أبي طالب. فيقول: صدقت، أما الذي كنت تحذره فقد آمنك الله منه، وأما الذي كنت ترجوه، فقد أدركته، أبشر بالسلف الصالح: مرافقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة (عليها السلام). ثم يسل نفسه سلا رفيقا ثم ينزل بكفن من الجنة، وحنوطه من الجنة بمسك أذفر، فيكفن بذلك الكفن ويحنط بذلك الحنوط، ثم يكسى حلة صفراء من حلل الجنة فإذا وضع في قبره فتح له بابا من أبواب الجنة يدخل عليه من روحها وريحانها. ثمّ يفسح له عن أمامه مسير شهر، وعن يمينه وعن شماله ثمّ يقال له: نم نومة العروس على فراشها أبشر بروح وريحان وجنة ونعيم ورب غير غضبان. ثم يزور آل محمد (صلى الله عليه وآله) في جنان رضوى، فيأكل معهم من طعامهم ويشرب معهم من شرابهم، ويتحدث معهم في مجالسهم، حتّى يقوم قائمنا أهل البيت. فإذا قام قائمنا، بعثهم الله تعالى، فأقبلوا معه يلبون زمرا، فعند ذلك يرتاب المبطلون، ويضمحل المحلون – وقليل ما يكونون – هلكت المحاضير، ونجى المقربون، من أجل ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: أنت أخي وميعاد ما بيني وبينك وادي السلام، الخبر.
ووجه الاستشهاد به للمطلوب، ما أشرنا إليه. ويأتي أن الدعاء للقائم (عليه السلام) وتعجيل فرجه، يوجب كمال الإيمان، وثبوته إلى ذلك الآن، فيكون سببا بالواسطة للفوز بهذا الشأن مضافا إلى أن نفس هذا الدّعاء تمسك بالعصمة الكبرى، الّتي هي ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فيكون سببا لنيل هذا المرام، والله الموفق، وهو ولي الإنعام.
وممّا يدلّ على المطلوب أيضا ما روي في أصول الكافي بإسناد صحيح عن ابن أبي عمير عن الحكم بن مسكين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: من أدخل على مؤمن سرورا، خلق الله عزّ وجلّ من ذلك السرور خلقا، فيلقاه عند موته فيقول له: أبشر يا ولي الله بكرامة من الله ورضوان! ثمّ لا يزال معه حتّى يدخله قبره فيقول له مثل ذلك، فإذا بعث يلقاه فيقول له مثل ذلك، ثم لا يزال معه عند كل هول يبشره، ويقول له مثل ذلك، فيقول له: من أنت رحمك الله؟ فيقول: أنا السرور الذي أدخلته على فلان.
أقول: وجه الدلالة، أنه لا ريب في سرور مولانا صاحب الزمان وآبائه (عليهم السلام) بسبب دعاء أهل الإيمان بتعجيل فرجه وظهوره، صلوات الله عليه، فيترتب عليه هذا الثواب بنحو أتم، ووجه أقوم، فتدبر.
(مکیال المکارم ؛ ج 1 ؛ محمد تقی الموسوی الاصبهانی)
أحدث وجهات النظر