القرن الرابع.
الأمير أبو فراس الحمداني المولود 320 / 321 المتوفى 357
أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث بن عطيف بن محربة بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدي بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب الحمداني التغلبي. ربما يرتج القول في المترجم وأمثاله، فلا يدري القائل ماذا يصف، أيطريه عند صياغة القول؟ أو يصفه عند قيادة العسكر: وهل هو عند ذلك أبرع؟ أم عند هذا أشجع؟ وهل هو لجمل القوافي أسبك؟ أم لازمة الجيوش أملك؟ والخلاصة أن الرجل بارع في الصفتين، ومتقدم في المقامين، جمع بين هيبة الملوك، وظروف الأدباء، وضم إلى جلالة الأمراء لطف مفاكهة الشعراء، وجمع له بين السيف و القلم، فهو حين ما ينطق بفم كما هو عند ثباته على قدم، فلا الحرب تروعه، ولا القافية تعصيه، ولا الروع يهزمه، ولا روعة البيان تعدوه، فلقد كان المقدم بين شعراء عصره كما أنه كان المتقدم على أمرائه، وقد ترجم بعض أشعاره إلى اللغة الألمانية كما في دائرة المعارف الإسلامية. قال الثعالبي في يتيمة الدهر 1: 27 : كان فرد دهره، وشمس عصره، أدبا وفضلا، وكرما ونبلا، ومجدا وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة، والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة، والحلاوة والمتانة، ومعه رواء الطبع، وسمة الظرف، وعزة الملك، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز، وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة ، ونقدة الكلام.

كان المترجم يسكن منبج، وينتقل في بلاد الشام في دولة ابن عمه أبي الحسن سيف الدولة، واشتهر في عدة معارك معه، حارب بها الروم، أسر مرتين فالمرة الأولى ب‍ (مغارة الكحل) سنة 348 وما تعدوا به (خرشنة) وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري من تحتها، وفيها يقال: إنّه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلا الحصن إلى الفرات والله أعلم. والمرة الثانية: أسرته الروم على منبج، وكان متقلدا بها في شوال سنة 351، أسر وهو جريح وقد أصابه سهم بقي نصله في فخذه وحصل مثخنا بخرشنة ثم بقسطنطينة وأقام في الأسر أربع سنين، لتعذر المفاداة واستفكه من الأسر سيف الدولة سنة 355، وقد كانت تصدر أشعاره في الأسر والمرض، واستزادة سيف الدولة وفرط الحنين إلى أهله وإخوانه وأحبائه والتبرم بحاله ومكانه، عن صدر حرج، وقلب شج، تزداد رقة ولطافة، تبكي سامعها، وتعلق بالحفظ لسلاستها، تسمى بالروميات. قال ابن خالويه: قال أبو فراس: لما حصلت بالقسطنطينة أكرمني ملك الروم إكراما لم يكرمه أسيرا قبلي، وذلك أن من رسومهم أن لا يركب أسير في مدينة ملكهم دابة قبل لقاء الملك، وأن يمشي في ملعب لهم يعرف بالبطوم مكشوف الرأس ويسجد فيه ثلاث سجدات أو نحوها، ويدوس الملك رقبته في مجمع لهم يعرف بالتوري، فأعفاني من جميع ذلك ونقلني لوقتي إلى دار وجعل لي [ برطسان ] يخدمني، و أمر بإكرامي ونقل من أردته من أسارى المسلمين إلي، وبذل لي المفاداة مفردا، وأبيت بعد ما وهب الله لي من الكرامة ورزقته من العافية والجاه أن أختار نفسي على المسلمين، وشرعت مع ملك الروم بالفداء ولم يكن الأمير سيف الدولة يستبقي أسارى الروم، فكان في أيديهم فضل ثلاثة آلاف أسير ممن أخذ من الأعمال والعساكر فابتعتهم بمأتي ألف دينار رومية على أن يوقع الفداء واشتري هذه الفضيلة وضمنت المال والمسلمين وخرجت بهم من القسطنطينة وتقدمت بوجوههم إلى ( خرشنة ) ولم يعقد قط فداء مع أسير ولا هدنة.
ولد المترجم سنة 320 وقيل 321 ويعين الأول ما حكاه ابن خالويه عن أبي فراس أنه قال له: إن في سنة 339 كان سني 19 سنة، وقتل يوم الأربعاء لثمان من ربيع الآخر وعن الصابي في تاريخه يوم السبت لليلتين خلتا من جمادي الأولى سنة 357 وذلك أنه لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص وتطلع إليها وكان مقيما بها فاتصل خبره إلى ابن أخته أبي المعالي ابن سيف الدولة وغلام أبيه قرعويه وجرت بذلك بين أبي فراس وبين أبي المعالي وحشة، فطلبه أبو المعالي فانحاز أبو فاس إلى [ صدد ] وهي قرية في طريق البرية عند حمص ، فجمع أبوالمعالي الأعراب من بني كلاب وغيرهم وسيرهم في طلبه مع قرعويه، فأدركه ب‍ [ صدد ] فكبسوه فاستأمن أصحابه واختلط هو بمن استأمن معهم، فقال قرعويه لغلام له: اقتله. فقتله وأخذ رأسه وتركت جثته في البرية حتى دفنها بعض الأعراب.
ومن شعره في المذهب:
لست أرجو النجاة من كلما * أخشاه إلا بأحمد وعلي
وببنت الرسول فاطمة الطهر * وسبطيه والإمام علي
والتقي النقي باقر علم الله * فينا محمد بن علي
وأبي جعفر وموسى ومولاي * علي أكرم به من علي
وابنه العسكري والقائم * المظهر حقي محمد وعلي
بهم أرتجي بلوغ الأماني * يوم عرضي على الإله العلي
وله في المعنى:
شافعي أحمد النبي ومولاي * علي والبنت والسبطان
وعلي وباقر العلم والصادق * ثم الأمين بالتبيان
وعلي ومحمد بن علي * وعلي والعسكري الداني
والإمام المهدي في يوم لا * ينفع إلا غفران ذي الغفران

(الغدير – الشيخ الأميني 3: 399 – 406)