أخرج البخاري في (صحيحه) عن عمير بن هاني أنه سمع معاوية يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم يقول: لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم حتى يأتي أمر الله و هم على ذلك.
و نقله السيوطي في “الجامع الصغير” عن الصحاح الستة.
و أخرج مسلم في (صحيحه) عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقّ لا يضرهم من خذلهم حتّى يأتي أمر الله و هم كذلك.
و عن المغيرة سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: لن يزال قوم من أمّتي ظاهرين على الناس حتّى يأتيهم أمر الله و هم ظاهرون.
و في “الجامع الصغير” للسيوطي عن ابن ماجه عنه صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا تزال طائفة من أمّتي قوامة أمر الله لا يضرها من خالفها.
و عن مستدرك الحاكم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة.
و في “الجامع الكبير” في مسند عمر فخطب عمر الناس فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله. الحديث. أخرجه ابن جرير.
إلى غير ذلك مما ورد بهذا المضمون، و المراد بالظهور و الغلبة و الاستيلاء دون ضد الخفاء لتصريحهم بعدم اشتراطه كما في الأولياء و الأقطاب و الأبدال، و على الحق أي مستولين عليه و حايزين له دون غيرهم من الطوائف، و الطائفة تقع على الواحد كما في “النهاية” في شرح الحديث المذكور.
و هذه الطائفة مجملة في بادئ النظر مع أنا متعبدون باتباع الحق و اعتقاده و معرفته عقلاً و سمعاً، و غرضه صلى الله عليه و آله و سلم من ذكر هذه الطائفة بيان الملجأ و الإرشاد إلى الحجة و من عنده الحق دائماً فلا يحتمل في حقه عليه السلام ابقاؤها بحالها و عدم كشفه اجمالها مع ما كان عليه من الرأفة و الرحمة على أمته، مع أنه عليه السلام لو لم يبين مراده منها لدخلت هذه الأحاديث في عداد الألغاز و المعميات.
و أنت خبير بأن مضمونها مطابق لأخبار عدد الخلفاء و أخبار الأمان، فإن قوله (لا يزال الدين ظاهراً حتى تقوم الساعة و يكون عليهم اثنا عشر خليفة) صريح في أن ظهوره بالمعنى المذكور لوجود الخليفة، و لا يكون ظاهراً بدون ظهور الخليفة عليه، فيكون المراد أن في كل عصر خليفة ظاهراً على الدين و هو الحق إلى قيام الساعة، و هذه عبارة أخرى عن وجود طائفة في كل زمان ظاهر على الحق إلى قيام الساعة، و هذا ظاهر لمن أنصف عن نفسه.
و كذا أخبار الأمان، فإن قوله (و أهل بيتي) ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة.
فإذا كان المراد من أهل البيت هو الخلفاء فيتحد مفاد الطوائف الروایت من غير تكلف، و دعوى أن المراد بالطائفة أهل العلم أو أهل الحديث أو أن الطائفة مفرقة من أنواع المؤمنين فمنهم شجعان مقاتلون و منهم فقهاء و منهم محدثون و منهم زهاد و آمرون بالمعروف و ناهون عن المنكر و منهم أهل أنواع من الخير و لا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونوا متفرقين في أقطار الأرض لا شاهد لها و لا برهان عليها، و إنما قالها من قالها بمجرد الاحتمال.
مع أنه لو أريد من أهل العلم جميعهم فيكون المراد أن أهل العلم من أمتي على الحق دون جهالهم سقط الكلام من الفائدة لو كان جميعهم على الحق مع أنه خلاف الواقع لما بينهم من الاختلافات العظيمة التي لا تكاد أن تنضبط و لا يمكن القول بحقية الجميع خصوصاً في المتناقضات و المتضادات و إن أريد البعض الغير المعين منهم فهو إحالة على المجهول فلا ثمرة فيه أيضاً و هذا الاهتمام ببيانهم ينافي ذلك و أن أريد البعض المعين المتصفون بما وصفهم فيه لزم حجية قولهم و وجب الاهتمام بشأنهم و تمييزهم عن غيرهم بشواهد ظاهرة من كلامه صلى الله عليه و آله و سلم فهو صحيح و البعض معين.
و أما ما رواه جابر بن سمرة و ابن عبد الله عنه صلى الله عليه و آله و سلم: لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة. فهو مضافاً إلى التفرد و لا يحتج بالتفرد به أمثال المقام محتاج إلى التأويل على جميع المحتملات و أحسن ما قيل فيه أن يراد بالمقاتلة الدفع و المدافعة عن الحق بالبراهين القاطعة و الدلائل الواضحة.
ففي (نهاية) الجزري في حديث المار بين يدي المصلي قاتله فإنه شيطان أي دافعه عن قبلتك و ليس كل قتال بمعنى القتل.
و منه حديث السقيفة: قتل الله سعداً فإنه صاحب فتنة و شر أي دفع الله شره.
و عليه فلا ينافي نظائره، و يؤيد ما حملنا عليه الحديث ما في “عقد الدرر” لأبي بدر السلمي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناواهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال. أخرجه البخاري و مسلم في صحيحهما.
و لو لا أن المراد من المقاتلة في أول الكلام هو المدافعة لم يكن صادقاً لعدم المظاهرة على الأعداء دائماً و آخر الكلام صريح في أن الطائفة من أهل البيت لأن المهدي عليه السلام منهم.