یقولون: أن الظلم قد ملأ الأرض و هو شرط ظهور المهدي عليه السلام ليملأها قسطاً و عدلاً، فلو كان موجوداً لظهر لوجود شرط ظهوره، و إليه أشار الناظم بقوله:
و كيف و هذا الوقت داع لمثله – ففيه توالى الظلم و انتشر الشر
و ما هو إلا ناشر العدل و الهدى – فلو كان موجوداً لما وجد الجور
و الجواب:
1 – فبأن الموجود في متون الصحاح من أخبار المهدي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أخبر بأنه يظهر فيملأ الأرض عدلاً و قسطاً كما ملئت ظلماً و جوراً فالشرط وجود الظلم العام في الأرض وقت ظهوره لا ظهوره و فرق بين أن يقال: إذا ملئت الأرض يظهر المهدي أو يظهر في وقت ملئت. و على الأول لابد من ظهوره في أوّل عموم الظلم لو اجتمعت باقي الشروط و ارتفعت الموانع و إلا فلا يلزم من وجود الشرط وجود المشرط إلا أن يقال: إن ظهور الظلم علة لخروجه فلابد من وجود المعلول عند وجود العلة، و على الثاني يصدق الأخبار النبوية و لو ظهر و قد مضى من انتشار الظلم ألف سنة.
و أخرج الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لتملأن الأرض ظلماً و عدوانا ثم ليخرجن رجل من أهل بيتي حتى يملأها قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً و عدواناً.
و فيه عن الجزء الثاني من كتاب “الفردوس” لابن شيرويه في باب الهاء عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يكون بعدي خلفاء و بعد الخلفاء أمراء و بعد الأمراء ملوك و بعد الملوك جبابرة و بعد الجبابرة يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً.
و ظاهره كون أيام الجبابرة أيام انتشار الجور، و الله العالم بعدتهم و مدتهم و هو صريح في تأخير الظهور عن أيام عموم الجور.
نعم في بعض الأحاديث الموجودة في غير الصحاح ما لعله يمكن استظهار الوجه الأوّل منه.
و عليه فنقول: هذا الإيراد مشترك بين الفريقين، فإنا نقول: قد أخبر الصادق المصدق نبينا الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم حسب الأحاديث المتواترة: إن رجلاً من أهل بيته يقال له المهدي يخرج في آخر الزمان متى عم الظلم العباد و انتشر الجور في البلاد، و قد عمّ الظلم و انتشر و لا نرى صدق ما أخبر لا المهدي ظهر و لا الظلم تبتر، فهل عجز رب البرية نعوذ بالله عن إيجاد المهدي و إظهاره أو كذب النبي صلى الله عليه و آله و سلم و العياذ بالله في إخباره، أو خلقه و أمر فعصى و لم يخرج، أو الظلم و الجور لم ينتشر في البلاد أو انتشر و لكن الشرط وجوده في وقت ظهوره فيجوز أن تكون أيام الظلم قروناً متطاولة فلا فرق بين القول بالولادة و عدمها من هذه الجهة.
و لا مناص للناظم إلا الالتزام بأحد الشقين الأخيرين ليجيب عن السؤال عن سر عدم الإيجاد، و هو الجواب عن السؤال عن علة عدم الظهور حرفاً بحرف و السؤال عن الفائدة في إيجاده و إخفائه إلى أوان ظهوره شبهة أخرى تأتي إنما الكلام في شبهة عدم الظهور مع عموم الجور، و قد تبين أنها مشتركة.
2 – فلأن رافع الظلم و هادمه ظهوره و خروجه عليه السلام لا مجرد وجوده، و إلا فعلى أصول أهل السنة إذا ولد لابد و أن يصير بالغاً عاقلاً حتى يكون قابلاً للإمامة و الخلافة و لا يرتفع الظلم في هذه المدة لمجرد أنه وجد بل يحتاج إلى بلوغه و رشده و خروجه، و هذا الخروج لا بدّ و أن يكون بأمر من الله تعالى فإنه خليفة الله في أرضه، فلا يفعل شئياً إلا بأمره تعالى، فمرجع السؤال إلى أنه تعالى لم لا يأمره بالظهور و الخروج لو كان موجوداً لأن الأرض ملئت جوراً.
و هذا السؤال _ مضافاً إلى الاشتراك لأنه يقال للنافي أيضاً لم لا يوجد الله المهدي و يأمره بالخروج و أن يملأ الأرض عدلاً فإنه أخبر بأنه إذا ملئت الأرض بالظلم يخرج المهدي و قد ملئت، فلابد من الخروج المتوقف على الولادة صوناً للأحاديث النبوية عن احتمال تطرق الكذب فيها _ لا وقع له، فإن بابه مسدود وسائله مردود، فإنه تعالى لا يسأل عما يفعل، و لا يجوز أن يقال له تعالى لو فعلت عند جميع المسلمين و أن افترقوا في وجهه و علته.
و وجه عدم جواز السؤال على أصول الأشعرية أظهر، إذ ليس فعله تعالى معللاً بغرض و حكمه، بل كل ما يفعله حكمة لأنه يفعل ما فيه الحكمة، فلا محل للسؤال حتى يحكم عليه بالجواز و عدمه.
3 – فعلى فرض التسليم فالجهل بوجه الإخفاء و حكمة عدم الظهور و لا يجوز أن يصير سبباً لرفع اليد عما أداه الدليل و قام عليه البرهان من السنن المتواترة التي أشرنا إلى طوائف منها، و إلا لزم إنكار كثير من أفاعيله تعالى بالنسبة إلى نبيه صلى الله عليه و آله و سلم و أفاعيله صلى الله عليه و آله و سلم بالنسبة إلى أمته التي لم تكن إلا بالوحي و أكثر الأوامر و المناهي مما لا نعلم سرها و حكمتها.
و قد أخرج محمّد بن علي بن بابويه القمي في كتاب “علل الشرائع” و هذا كتاب قد أعتمد عليه الشيخ عبدالملك العصامي في تاريخه و أخرج منه جملة من أخباره _ فروى فيه مسنداً عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: إن لصاحب الأمر غيبة لا بدّ منها يرتاب فيها كل مبطل. فقلت له: و لم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ فقال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار لموسى إلا وقت افتراقهما. يا ابن الفضل هذا أمر من أمر الله و سر من سر الله و غيب من غيب الله.
و متى علمنا أنه عز و جل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة و إن كان وجهها غير منكشف لنا، و هذا كسابقة في كونه متفقاً عليه من المسلمين.
4 – فلأن للمهدي عليه السلام أصحاباً خاصة أعدهم الله تعالى له عدة أصحاب بدر، و لهم نعوت خاصة و صفات مخصوصة لا يشركهم فيها أحد أما عند معاشر الإمامية فهم من أهل بلاد متفرقة من كل بلد واحد أو إثنان أو أكثر، و أما عند السنة فأخرج أبو بدر يوسف بن يحيى في كتاب “عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر” عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: يبعث الله المهدي بعد أياس حتى يقول الناس: لا مهدي و أنصاره من أهل الشام عدتهم ثلاثمائة و خمسة عشر رجلا عدة أصحاب بدر، و يسيرون إليه من الشام حتى يستخرجونه من بطن مكة من دار عند الصفا فيبايعونه كرهاً فيصلي بهم ركعتين صلاة المسافر عند المقام ثم يصعد المنبر.
أخرجه الحافظ أبو عبدالله محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني في سننه و الإمام أبو الحسن الربعي المالكي و أبو عبدالله نعيم بن حماد في كتاب “الفتن” كلهم بمعناه.
و عن محمّد بن الحنفية قال: كنا عند عليّ عليه السلام فسأله رجل عن المهدي عليه السلام فقال: هيهات هيهات، ثم عقد بيده تسعاً ثم قال: ذلك يخرج في آخر الزمان إذا قال الرجل الله قتل فيجمع الله تعالى قزعاً كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم لا يستوفون إلى أحد و لا يعرفون بأحد على عدة أصحاب بدر لم يسبقهم الأولون و لا يدركهم الآخرون على عدة أصحاب طالوت الذي جاوزوا معه النهر. الحديث أخرجه الحافظ أبو عبدالله الحاكم في مستدركه و قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري و مسلم و لم يخرجاه _ انتهى.
و لا يخفى أن قوله (ذلك يخرج في آخر الزمان) يدلّ على أنه عليه السلام عقد بيده تسعاً عدد الأسماء التسعة من ولد الحسين عليه السلام، فلما بلغ إلى الحجة بن الحسن عليهما السلام قال: ذلك يخرج في آخر الزمان، و هو نص منه عليه السلام على أن المهدي عليه السلام التاسع من ولد الحسين عليه السلام فليتذكر.
و في “مجمع الزوائد” للحافظ الهيثمي عن أم سلمة قالت: قال رسول صلى الله عليه و آله و سلم: يسير ملك المشرق إلى ملك المغرب فيقتله، ثم يسير ملك المغرب إلى ملك الشرق فيقتله، فيبعث جيشاً إلى المدينة فيعود عائذ بالحرم فيجتمع الناس إليه كالطير الواردة المتفرقة حتى يجتمع إليه ثلاثمائة و أربعة عشر رجلاً فيهم نسوة، فيظهر على كل جبار و ابن جبار و يظهر من العدل ما يتمنى له الأحياء أمواتهم، فيجيء سبع سنين ثم ما تحت الأرض خير من فوقها. رواه الطبراني في “الأوسط”.
إلى غير ذلك مما دل على أنه لا بدّ من وجود عدة أهل بدر من رجال الهيين بهم يظهر المهدي عليه السلام على كل جبار، فوجودهم مقدمة لظهوره و لذا ذكر ما يتعلق بهم في “عقد الدرر” في باب أن الله تعالى يبعث من يوطي له عليه السلام قبل إمارته و لم يقل أحد بولادتهم عند ولادة المهدي عليه السلام فهم يتولدون قبل ظهوره، فمجرد انتشار الظلم لا يصير سبباً لظهوره قبل وجود هؤلاء بل لابد من وجودهم ثم ظهوره لظهور عموم الظلم و هذا ظاهر بحمد الله تعالى.
5 – فلأن دولة القائم المهدي عليه السلام و لا دولة بعده للكفار، و إنما بعده فتن تتصل بقيام القيامة على ما نطقت به الأحاديث الكثيرة الموجودة في الصحاح و غيرها، و هو يملأ الأرض عدلاً و لا يقبل جزية و يخرب البيع و الكنائس، و يقتل النصارى إلا من آمن به كما ورد في الأحاديث و صرح به الثعلبي في تفسيره في قوله تعالى (و أنه لعلم للساعة) و يكسر الصليب و الأصنام و يقتل الخنازير.
و في “عقد الدرر” عن الربعي المالكي باسناده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قصة المهدي: و يبايع الناس له بين الركن و المقام، ينشر الله به الدين و يفتح له فتوح فلا يبقى على وجه الأرض إلى من يقول (لا إله إلاّ الله)، و هذا لا يكاد يتحقق إلا بقتل ذريع من الكفار و عدم قبول الصلح و المهادنة، و كيف يقبل الصلح من يعبر جيشه البحار بأقدامهم و ينهدم الحصون و سور البلاد بتكبيراتهم.
و في كتاب “البيان” و كتاب “عقد الدرر” في ذكر فتوحاته عليه السلام من الأحاديث المصدقة لذلك شيء كثير، و من ذلك يعرف وجه مخالفة سيرته لسيرة جده عليه السلام.
ففي “عقد الدرر” عن الحسن بن هارون بياع الأنماط قال: كنت عند أبي عبد الله (1) عليه السلام فسأله المعلى بن خنيس أيسير المهدي عليه السلام إذا أخرج بخلاف سيرة عليّ عليه السلام؟ قال: نعم، و ذلك أن علياً عليه السلام إذا خرج سار باللين و الكف لأنه علم أن سيظهر عليهم من بعده و أن المهدي إذا خرج سار فيهم بالبسط و السبي و ذلك لأنه يعلم أن شيعته لا يظهر عليهم من بعده أبداً. أخرجه الحافظ أبو عبدالله نعيم بن حماد في كتاب “الفتن”.
و عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي عليهما السلام يقول: لم يعلم الناس ما يصنع المهدي إذا خرج لأحب أكثرهم إلا يروه مما يقتل من الناس، أما أنه لا يبدء إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف و لا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس: ما هذا من آل محمّد عليهم السلام لو كان من آل محمّد لرحم الناس.
و عن أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام أنه قال: إذا خرج المهدي عليه السلام لم يكن بينه و بين العرب إلا السيف، و ما يستعجلون بخروج المهدي عليه السلام ما لباسه و الله أعلم إلا الغليظ و ما طعامه إلا الشعير و ما هو إلا السيف و الموت تحت ظل السيف.
إذا عرفت ذلك نقول: أن المهدي عليه السلام لما كان نقمة من الله تعالى و عذاباً على الكفار و المشركين و المحلدين و به ينقطع دابر الكافرين و الظالمين فلا بدّ و أن يظهر و يخرج من زمان لا يكون في أصلاب الكافرين ودائع نطف المؤمنين الذين قدر الله تعالى إخراجهم منها فتضيع باستيصال شأفة الكفار. و الله تعالى أعلم بمقدارها و زمان خلو الأصلاب منها، و قد صرح بذلك أبو عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام، و هو أحدى الحكم الظاهرة دون الحكمة الحقيقية التي صرح بأنها من الأسرار التي لا ينكشف إلا بعد ظهوره عليه السلام.
فأخرج أبو جعفر محمّد بن على الكفعمي في كتاب “العلل” باسناده عنه عليه السلام أنه قال في حديث: إن القائم لن يظهر أبداً حتى تخرج ودائع الله عز وجل، فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله عز و جل فقتلهم.
و يشير إلى هذا أيضاً قوله تعالى (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) فجعل وجود الؤمنين و المؤمنات مع الكفار و اجتماعهم معهم سبباً للأمر بالكف عن مقاتلة أهل مكة لئلا يصيب المؤمنين المقاتلين معرّة بغير علم، و أنهم لو تميزوا منهم لأمر بها و وجود النطف في الأصلاب نوع منه فإذا تزيلوا ظهر و خرج و قتل الذي لا توجد عندهم وديعة و في قصة نبي الله نوح عليه السلام ما يشهد بصدق ذلك.
قال الثعلبي في “العرائس” بعد ذكر بعض ما فعله قومه به من الأذى فقال نوح: رب قد ترى ما يصنع بي عبادك فإن يكن لك في عبادك حاجة فاهدهم و ان يكن غير ذلك فصبرني حتى تحكم بيني و بينهم و أنت خير الحاكمين.
فأوحى الله إليه: أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون فأيسه من إيمان قومه و أخبره أنه لم يبق في أصلاب الرجال و لا أرحام النساء مؤمن فعند ذلك دعا عليهم و قال رب إنهم عصوني الآية إلى أن ذكرانه تعالى أمره أن يصنع الفلك قال: قال نوح يا رب و أين الخشب قال: اغرس الشجر فغرس الساج و أتي على ذلك أربعون سنة و كف في تلك المدة عن الدعاء فلم يعدهم فأعقم الله تعالى أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد. القصة.
و أما سادساً – فبأن الظلم العام و الجور المنتشر الذي أشير إليه إجمالاً في الأحاديث النبوية قد فسر في بعضها بما لما لا يمكن انطباقه على الذي زعم جناب الناظم انتشاره، فسأل عن وجه عدم ظهوره مع وجود شرطه أو مقتضيه.
ففي “عقد الدرر” لأبي بدر السلمي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ينزل آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة و حتى تملأ الأرض جوراً و ظلماً حتى لا يجد المؤمن ملجأ يلجأ إليه من الظلم. فيبعث الله عز فضله من عترتي رجلاً يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً، يرضى ساكن السماء و ساكن الأرض لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلى أخرجته و لا السماء من قطرها إلا صبته عليهم مدراراً، يعيش فيه سبع سنين أو ثمان أو تسع يتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله بأهل الأرض من خير.
أخرجه الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم في مستدركه على شرط البخاري و مسلم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه.
و رواه أيضاً عن أبي سعيد باختلاف يسير و قال: أخرجه الحافظ أبو نعيم في مناقب المهدي.
و عن ابن سيرين عن أبي الخلد: تكون فتنة بعد أخرى فما الأولى في الآخرة و إلاّ كمثل الصوت يتبعه ذباب السيف ثم تكون فتنة يستحل فيها المحارم كلها ثم يجتمع الأمة على خيرها ثانية، هنيئاً لمن هو قاعد في بيته.
أخرجه الحافظ أبو عبد الله حماد بن نعيم في كتاب “الفتن”.
و أخرج البغوي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: سيكون بعدي فتن منها يكون فيها هرب و ضرب ثم من بعدها فتن أشد منها كلما قيل انقضت تمادت حتى لا يبقى بيت من عرب إلا دخلته و لا مسلم إلا وصلته حتى يخرج رجل من عترتي.
و روى الحافظ أبو عبد الله الكنجي في كتاب “البيان” قال أخبرنا السيد النقيب الكامل مستحضر الدولة شهاب الحضرتين سفير الخلافة المعظمة علم الهدى تاج أمراء آل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أبوالفتوح المرتضى بن أحمد بن محمّد بن جعفر بن زيد بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن محمّد الحسين بن إسحاق بن الإمام الحسين بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمّد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، عن أبي الفرج يحيى بن محمود الثقفى، عن أبي علي الحسين بن أحمد الحدا، أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، قال أخبرنا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، و أخبرنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل بحلب، أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن أبي زيد الكراني باصبهان، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية، أخبرنا أبو بكر بن زيده، أخبرنا الحافظ أبو القاسم الطبراني، حدّثنا محمّد بن زريق بن جامع المصري، حدّثنا الهيثم بن حبيب، حدّثنا سفيان بن عيينة عن علي الهلالي عن أبيه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في شكايته التي قبض فيها فإذا فاطمة عليها السلام عند رأسه، قال: فبكت حتّى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم طرفه إليها و قال: حبيبتي فاطمة ما يبكيك؟ فقالت: أخشى الضيعة من بعدك. فقال: حبيبتي أما علمت أن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته، ثم اطلع إطلاعة فاختار منها بعلك و أوحى إلي أن أنكحك إياه يا فاطمة و نحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تعط أحداً قبلنا و لا تعطى أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين و أكرم النبيين على الله و أحب المخلوقين إلى الله و أنا أبوك، و وصيي خير الأوصياء و أحبهم إلى الله و هو بعلك، و منّا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء و هو ابن عم أبيك و أخو بعلك، و منا سبطا هذه الأمة و هما ابناك الحسن الحسين و هما سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما و الذي بعثني بالحق خير منهما. يا فاطمة! والذي بعثني بالحق أن منهما مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً و مرجاً و تظاهرت الفتن و تقطعت السبل و أغارت بعضهم على بعض و لا كبير يرحم صغيراً و لا صغير يوقر كبيراً يبعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة و قلوباً غلفاً يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان و يملأ الدنيا عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً. يا فاطمة لا تحزني و لا تبكي فإن الله تعالى أرحم بك و أرأف عليك مني وذلك لمكانك مني و موقعك في قلبي و زوجك الله زوجك و هو أشرف أهل بيتك حسباً و أكرمهم منصباً و أرحمهم بالرعية و أعدلهم بالسوية و أبصرهم بالقضية و قد سألت ربي أن تكون أول من يلحقني من أهل بيتي. قال: فلما قبض النبي لم تبق فاطمة بعد إلا خمسة و سبعين يوماً حتى ألحقها الله به صلى الله عليهما و سلم.
قلت: هكذا ذكره صاحب حلية الأولياء في كتابه المترجم بذكر نعت المهدي عليه السلام، و أخرجه الطبراني شيخ أهل الصنعة في معجمه الكبير قال: عقيبه علي بن علي مكي و لم يرو هذا الحديث من سفيان إلا هيثم بن حبيب _ انتهى.
و نقل هذا الحديث عن كتاب الأربعين للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله في أمر المهدي، و لعله الكتاب المذكور أو غيره.
و قال: الحافظ الهيتمي في “مجمع الزوائد” في آخر باب ما جاء في المهدي: و حديث علي الهلالي في المهدي يأتي في فضائل أهل البيت إن شاء الله تعالى، و لم أعثر على المجلد الرابع منه.
و إذا تأملت في هذه الأحاديث و ما شاكلها مما لا نذكره تعلم أن الفتن المذكورة فيها غير واقعة في هذه الأعصار بل لا مصداق لها فيها، و أي بلد من بلاد ممالك سلاطين الإسلام شرقاً و غرباً و جنوباً و شمالاً لا يجد المؤمن المظلوم فيه ملجأ يلجأ إليه و الطرق و السبل آمنة و يزيد كل يوم في سلامتها و تخليتها عن المفسدين، و إذا قيست سلامة الطرق و سد سبيل المفسدين و الأشرار و رفع أيدي أهل الفتنة و الفساد في عصرنا إلى ما خلت من القرون الماضية و ما كان فيها من الفساد و الشرور و انقطاع كثير من السبل و القتل و النهب و الأسر و غيرها لا غر و أن يعد عصرنا أيام بسط العدل بالنسبة إليها.
و أما ما يرى فيه من الجور الذي لا يكاد يخلو عنه الولاة و يزيد و ينقص باختلاف حالات الولاة و حسن تدبيرهم و سيرتهم و نيتهم و عدمه، فكان في الأعصار السابقة إلى عصر الخلفاء مثله و ضعفه بل و أضعافه كما لا يخفى على من راجع التواريخ و السير، وأين هذا من الفتن التي أخبر بها الصادق المصدق صلى الله عليه و آله و سلم أنها تعم البلاد. و هذا واضح لمن أنصف من نفسه.
و أما سابعاً – فلأنا لو سلمنا انتشار الظلم المذكور في الأحاديث في هذه الأعصار و أن الأرض ملئت منه و أنه أوان ظهور المهدي عليه السلام نقول: أنه لو أراد الخروج لا يمكنه ذلك و لا يقدر عليه، لأن الله عز وجل جعل لظهوره و خروجه آيات و علامات لابد من وقوعها فهو قبل ظهور تلك العلامات كجده النبي صلى الله عليه و آله و سلم قبل البعثة.
ففي “مجمع الزوائد” للحافظ الهيتمي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: الآيات كخزرات منظومات في سلك فانقطع السلك فيتبع بعضها بعضاً.
و عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: خروج الآيات بعضها على أثر بعض يتتابع كما يتابع الخرز في النظام.
و عن عبد الله بن الحرث بن حري الزبيدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يخرج قوم من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه.
و عن طلحة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا جاش منها جانب حتى ينادي مناد من السماء أميركم فلان.
و قال صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: يسير ملك المشرق إلى ملك المغرب فيقتله، ثم يسير ملك المغرب إلى ملك المشرق فيقتله، فيبعث جيشاً إلى المدينة فيعوذ عائذ بالحرم فيجتمع الناس إليه.
و قال الحافظ الكنجي في كتاب “البيان”: أخبرنا العلامة الحسن بن محمّد بن الحسن اللغوي في كتابه إلي بدمشق ثم لقيته ببغداد، قال: أخبرنا نصر بن أبي الفرج الحصري، عن أبي طالب محمّد بن محمّد بن أبي زيد العلوي، عن أبي علي التستري، عن أبي عمر الهاشمي، عن أبي علي محمّد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي، أخبرنا الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعت، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا علي بن أبي صالح، عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي صلى الله عليه و آله و سلم اغر و رقت عيناه و تغير لونه. فقلت ما نراك نرى في وجهك شيئاً نكرهه، قال: قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، و إن أهل بيتي سيلقون من بعدي بلاءاً و تشريداً و تطريداً حتّى يأتي قوم من قبل المشرق و معهم رايات سود فيسئلون الخبر و لا يعطونه، فيقاتلون فيصبرون فيعطون ما شاؤا و لا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها عدلاً و قسطاً كما ملئت جوراً، فمن أدرك منكم فليأتهم و لو حبواً على الثلج.
و رواه الشيخ محب الدين الطبري الشافعي في “ذخائر العقبي في مناقب أولى القربى” عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إنا أهل بيت _ و ساق مثله باختلاف يسير و فيه: بعدي أشرة و شدة و تطريداً في البلاد _ إلى آخر.
و قال: أخرجه ابن حبان و أخرجه ابن السري بتغيير بعض لفظه.
قال الحافظ الكنجي: أخبرنا الحافظ يوسف بن خليل بحلب، أخبرنا محمّد بن إسماعيل الطرسوسي، أخبرنا أبو منصور محمود بن إسماعيل الصيرفي أخبرنا أبو الحسين بن، أخبرنا سليمان بن أحمد، أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا نعيم، حدثني الوليد، عن أبي لهيعة، عن ابن قبيل، عن أبي رومان، عن علي عليه السلام: قال: إذا نادى مناد من السماء إن الحق في آل محمّد عليهم السلام فعند ذلك يظهر المهدي.
و في “عقد الدرر” لأبي بدر السلمي عن سعيد بن المسيب أنه قال: تكون بالشام فتنة أولها مثل لعبة الصبيان كلما سكنت من جانب طمت من جانب آخر فلا تتناهى حتى ينادي منادي السماء، ألا أن أميركم فلان. ثم قال ابن المسيب فذلك الأمير فذلكم الأمير، كفى من اسمه و لم يذكره و هو المهدي فلان.
أخرجه الإمام أحمد بن الحسين بن جعفر المنادي في كتاب الملاحم، و أخرجه الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد في كتاب الفتن.
و عن أبي جعفر عليه السلام: إلزم و لا تحرك يداً و لا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك و ما أراك تدرك: اختلاف من بني العباس، و مناد ينادي من السماء، و خسف قرية من قرى الشام، و نزول الترك الجزيرة، و نزول الروم الرملة، و اختلاف كثير عند ذلك من كل أرض حتى تخرب الشام، و يكون سبب خرابه ثلاث رايات منها راية الأصهب و منها راية الأبقع و راية السفيان.
و عن محمّد بن الصامت قال: قلت لأبي عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليهما: أما من علامات بين يدي هذا الأمر _ يعني ظهور المهدي _ و قال: بلى. فقلت: و ما هي؟ قال: هلاك العباس و خروج السفياني والخسف بالبيداء. قلت: جعلت فداك أخاف أن يطول هذا الأمر. قال: إنما هو كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً.
و عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: علامة خروج المهدي انسياب الترك عليكم، و أن يموت خليفتكم الذي يجمع لكم الأموال و يستخلف رجلاً من بعده ضعيفاً يخلع بين سنتين، و يخسف بغربي مسجد دمشق، و خروج ثلاثة نفر بالشام، و خروج أهل المغرب إلى مصر و تلك إمارة خروج السفياني. قال أبو قبيل، قال أبو رومان قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: إذا نادى مناد من السماء إن الحقّ في آل محمّد عليهم السلام فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس و يسربون ذكره فلا يكون لهم ذكر غيره.
أخرجه الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي في كتاب الملاحم.
و أخرجه الإمام الحافظ أبو عبدالله نعيم بن حماد في كتاب الفتن و انتهى حديثه عند قوله: فتكل أمارة خروج السفياني.
و أخرج الإمام أبو عمرو الداني في سننه من حديث عمار بن ياسر بمعناه.
و عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: إذا اختلف رمحان بالشام لم تنحل إلا عن الآية من آيات الله عز وجل. قيل: ثم ماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: رجعة بالشام يهلك فيها أكثر من مائة ألف يجعلها الله تعالى رحمة للمؤمنين و غضباً على الكافرين، فإذا كان ذلك فانظروا إلى براين الشهب المحرنة و الرايات الصفر تقبل من المغرب حتى تحل بالشام فعند ذلك الجوع الأكبر و الموت الأحمر فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي عليه السلام.
و عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يقتل عند كنزكم ثلاثة بن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم يطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونهم قتالاً لم يقاتله قوم قوم، ثم ذكر شاباً فقال: إذا رأيتمون فبايعوه فإنه خليفة الله المهدي عليه السلام.
أخرجه الإمام الحافظ أبو عبدالله الحاكم في مستدركه و قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري و مسلم و لم يخرجاه.
و عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال: لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث و يموت ثلث و يبقى ثلث.
أخرج الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد المعري في سننه و رواه الحافظ أبو عبدالله نعيم بن حماد في كتاب الفتن.
و عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام: لا يظهر المهدي عليه السلام إلا على خوف شديد من الناس و زلزال و فتنة تصيب الناس و طاعون قبل و سيف قاطع بين القرب و اختلاف شديد في الناس و تشتت في دينهم و تغير في حالتهم حتى يتمنى المتمني الموت مساء و صباحاً من عظمة ما يرى من طلب الناس و أكل بعضهم بعضاً، فخروج إذا خرج يكون عند اليأس و القنوط من أن يرى فرحاً، فطوبى لمن أدركه و كان من أنصاره و الويل لمن خالف أمره.
و عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي من ولدي، و لا يخرج حتى يخرج ستون كذاباً كلهم يقولون أنا نبي.
و عن علي بن محمّد الأزدي عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: بين يدي المهدي موت أحمر و موت أبيض و جراد في غير حينه كألوان الدم، أما الموت الأحمر فالسيف و أما الموت الأبيض فالطاعون.
و عنه يزيد بن الخليل قال: كنت عند أبي جعفر محمّد بن علي عليهما السلام، فذلك آيتين تكونان قبل المهدي صلوات الله عليه لم تكونا منذ أهبط آدم عليه السلام و ذلك أن الشمس في النصف من شهر رمضان تنكسف و القمر في آخره. فقال له رجل: يا بن رسول الله لا بل الشمس في آخر الشهر و القمر في النصف. فقال أبو جعفر عليه السلام: أعلم الذي تقول أنهما آيتان لم تكونا منذ أهبط آدم عليه السلام.
و عن عمار بن ياسر قال: إذا قتل النفس الزكية واحدة بمكة ضيعة نادى مناد من السماء أن أميركم فلان أو ذلك المهدي يملأ الأرض حقاً و عدلاً.
أخرجه الإمام أبو عبدالله نعيم بن حماد في كتاب الفتن.
و عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: انتظروا الفرج في ثلاث. قلت: ما هي؟ قال: اختلاف أهل الشام بينهم، و اختلاف الرايات السود من خراسان، و الفزعة في شهر رمضان. فقيل: و ما الفزعة في شهر رمضان؟ قال: مناد من السماء يوقظ النائم و يفزع اليقظان و يخرج الفتاة من خدرها و يسمع الناس كلهم. فلا يجئ رجل من أفق من الآفاق إلا يحدث أنه سمعها.
أخرجه الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي.
و عن أبي هريرة أحسبه رفعه: يسمع في شهر رمضان صوت من السماء و في شوال همهمة و في ذي القعدة تخرب القبائل و في ذي الحجة يسلب الحاج و في المحرم الفرج.
و عن شهر بن حوشب قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: في المحرم ينادي مناد من السماء: ألا إن صفوة الله من خلقه فلان فاسمعوا له و أطيعوا في سننه.
أخرجه الحافظ أبو عبدالله نعيم بن حماد.
و عن أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام أنه قال: إذا رأيتم ناراً من المشرق ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمّد إن شاء الله. ثم قال: ينادي مناد من السماء باسم المهدي فيسمع من بالمشرق و المغرب. قال: حتى لا يبقى راقد إلا استيقظ و لا قائم إلا قعد و لا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً، فرحم الله من سمع ذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول صوت جبرائيل الروح الأمين.
و عن عليه السلام أنه قال: للمهدي خمس علامات: السفياني و اليماني و الصيحة من السماء و الخسف بالبيداء و قتل النفس الزكية.
و عن كعب الأحبار: أنه يطلع نجم من المشرق قبل خروج المهدي له ذنب يضيء _ أخرجه الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد في كتاب الفتن.
و عن شريك أنه قال: بلغني أنه قبل خروج المهدي عليه السلام ينكسف القمر في رمضان مرتين.
و عن سيف بن عميرة قال: كنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي ابتداءً: يا سيف بن عميرة لابد من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب قلت: يا أمير المؤمنين جعلت فداك ترولي هذا؟ قال: أي والذي نفسي بيده بسماع أذناي. فقلت: أن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا. فقال: يا سيف أنه لحق، وإذا كان فنحن أول من يجيبه، أما النداء إلى رجل من بني عمنا.
فقلت: رجل بني فاطمة؟ قال: يا سيف لولا أني سمعته عن أبي جعفر محمّد بن علي و حدثني به مثل أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم و لكنه محمّد بن علي عليهما السلام.
قال أبو بدر السلمي في آخر الفصل الثاني من الباب الرابع من كتابه “عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر”: و لنختم هذا الفصل بشيء من كلام الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فيما تضمنه من الأهوال الشديدة و الأمور الصعاب و خروج المهدي مفرج الكروب و مفرق الأحزاب:
قال: و عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: يختلف ثلاث رايات راية في المغرب ويل لمصر ما يحل بها منهم، و راية بالشام تدوم الفتنة بينهم سنة، ثم يخرج رجل من ولد العباس بالشام حتى يكون بينهم مسيرة ليلتين فيقول أهل المغرب: قد جائكم قوم منا أصحاب أهواء مختلفة، فيضطرب أهل الشام إلى فلسطين، فيقولون اطلبوا الملك الأول فيطلبونه فيوافوه بغوطة دمشق بموضع يقال له (خرستا)، فإذا أحس بهم هرب إلى أخواله كلب و ذلك ذهاب منه، و يكون بالواد اليابس عدة عديدة فيقولون له: يا هذا مالك أن تضيع الإسلام أما ترى ما الناس فيه من الخوف و الفتن فاتق الله و اخرج أما تنصر دينك، فيقول: لست بصاحبكم. فيقولون: ألست من قريش من بيت الملك القديم، أما تغضب لأهل بيتك و ما نزل بهم من الذل و الهوان فتخرج راغباً من الأموال و العيش الرغيد. فيقول: اذهبوا إلى خلفائكم الذين تدينون لهم هذه المدة.
ثمّ يجيبهم، فيجئ يوم الجمعة فيصعد منبر دمشق و هو أول منبر يصعده فيخطب و يأمر بالجهاد و يبايعهم على أنهم لا يخالفون له أمراً رضوه أم كرهوه.
فقام رجل فقال: ما اسمه يا أمير المؤمنين؟ قال: هو حرب بن عتبة _ و ساق نسبه إلى يزيد بن معاوية _ ملعون في السماء ملعون في الأرض أشر خلق الله جوراً و أكثر خلق الله ظلماً.
قال: ثمّ يخرج إلى الغوطة فما يبرح حتى يجمع الناس إليه ويلاحق بهم أهل الضغائن فيكون في خمسين ألفاً، ثم يبعث إلى كلب فيأتيهم عنه مثل السيل، و يكون في ذلك الوقت رجال السرير يقاتلون رجال الملك من ولد العباس و هم الترك الديلم والعجم رايتهم سوداء و راية البربر صفراء و راية السفياني حمراء، فيقتتلون ببطن الوادي في الأردن قتالاً شديداً فيقتل فيما بينهم ستون ألفاً فيغلب السيفاني.
إلى أن قال: ينزع الله الرحمة من قلبه ثم يرجع إلى دمشق و قد أذله، فيجيش جيشين جيشاً إلى المدينة و جيشاً إلى المشرق، فأما جيش المشرق فيقتلون بالزوراء سبعين ألفاً و يبقرون ثلاثمائة امرأة، و يخرج الجيش إلى الكوفة فيقتل بها خلقاً، و أما جيش المدينة إذا توسطوا البيداء صاح بهم صائح وهو جبرئيل فلا يبقى منهم صالح إلا خسف الله تعالى به و يكون في آخر الجيش رجلان يقال لأحدهما بشير فيبشرهم بما سلمهم الله عز و جل، و الآخر نذير فيرجع السفياني فيخبره بما نال الجيش عند ذلك.
قال و عند جهينة الخبر اليقين لأنهما من جهينية، ثم يهرب قوم من ولد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى بلد الروم، فيبعث السفياني إلى ملك الروم رد إلي عبيدي فيردهم إليه، فيضرب أعناقهم على الدرج شرقي مسجد دمشق فلا ينكر ذلك عليه، ثم يسير في سبعين ألفاً نحو العراقين و الكوفة و البصرة، ثم يدور الأمصار و يحل عرى الإسلام عروة بعد عروة و يقتل أهل العلم ويحرق المصاحف و يخرب المساجد و يستبيح الحرام و يأمر بضرب الملاهي و المزامير في الأسواق و الشرب على قوارع الطريق و يحلل الفواحش و يحرم عليهم كل ما فرض الله من الفرائض و لا يرتدع عن الظلم و الفجور بل يزداد تمرداً و عتواً، و يقتل كل من اسمه أحمد و محمد و علي و جعفر و حمزة و حسن و حسين و فاطمة و زينب و رقية و أم كلثوم و خديجة و عاتكة حنقاً و بغضاً لآل بيت رسول الله، ثم يبعث فيجمع الأطفال و يغلي الزيت لهم فيقولون إن كان آباؤنا عصوك فنحن ما أذنبنا فيأخذ منهم اثنين اسمهما حسن و حسين فيقتلهما، ثم يسير إلى الكوفة يفعل بهم كما فعل بالأطفال و يصلب على باب مسجدها طفلين اسمهما حسن و حسين فيغلي دماؤهما كما غلي دم يحيى بن زكريا، فإذا رأى ذلك أيقن بالبلاء و الهلاك فيخرج منها متوجهاً إلى الشام فلا يرى في طريقه أحداً يخالفه، فإذا دخل دمشق اعتكف على شرب الخمر و المعاصي و يأمر أصحابه بذلك و يخرج السفياني و بيده حربة فيأخذ إمرأة حاملة فيدفعها إلى بعض أصحابه فيقول: أفجر بها في وسط الطريق و يبقر بطنها فيسقط الجنين من بطن أمه فلا يقدر أحد أن يغير ذلك فتضطرب الملائكة في السماء فيأمر الله عز و جل جبرائيل فيصيح على سور مسجد دمشق ألا قد جائكم الغوث يا أمة محمّد قد جائكم الفرج و هو المهدي خارج مكة فأجيبوه.
ثمّ قال صلوات الله عليه: ألا أصفه لكم. ثم ذكر بعضه و قال ثم يجمع الله أصحابه على عدد أهل بدر وعلى عدد أصحاب طالوت ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلاً كأنهم ليوث خرجوا من غاباتهم قلوبهم مثل زبر الحديد لو هموا بإزالة الجبال لأزالوها الدين واحد و اللباس واحد كأنما آبائهم أب واحد.
و قال أمير المؤمنين عليه السلام: إني لأعرف أسماءهم و قال: و يجمعهم الله تعالى من مطلع الشمس إلى مغربها في أقل من نصف ليلة فياتون مكة، فيشرف عليهم أهل مكة فلا يعرفونهم فيقولون كيسنا أصحاب السفياني، فإذا انجلى لهم الصباح يرونهم طائعين مصلين فينكرونهم، فعند ذلك يفيض الله لهم من يعرّفهم المهدي عليه السلام و هو مختف فيجتمعون إليه و يقولون: أنت المهدي. فيقول: أنا أنصاري و الله ما كذب لأنه ناصر الدين، و يتغيب عنهم فيخبرونهم أنه قد لحق بقبر جده فيلحقونه بالمدينة، فإذا أحس بهم رجع إلى مكة فلا يزالون به إلى أن يجيبهم إلى ذلك، فيقول: إني لست قاطعاً أمراً حتى تبايعوني على ثلاثين خصلة تلزمكم لا تغيرون منها شيئاً و لكم علي ثمان خصال. قالوا: قد فعلنا ذلك فاذكر ما أنت ذاكر يا بن رسول الله.
فيخرجون معه إلى الصفا فيقول: أنا معكم إلى أن تولوا و لا تسرفوا و لا تقتلوامحرماً و لا تأتوا الفاحشة و لا تضربوا أحداً إلا بحقه و لا تكنزوا ذهباً و لا فضة و لا براً و لا شعيراً و لا تأكلوا مال اليتيم و لا تشهدوا بما لا تعلمون و لا تخربوا مسجداً و لا تقبحوا مسلماً و لا تلعنوا مواجراً و لا تشربوا مسكراً و لا تلبسوا ذهباً و لا الحرير و لا الديباج و لا تتبعوا هارباً و لا تسفكوا دماً حراماً و لا تغدروا على مستأمن و لا تبغوا على كافر و لا منافق و تلبسون الخشن من الثياب و تتوسدون التراب على الخدود و تجاهدون في الله حق جهاده و لا تشتمون و تكرهون النجاسة و تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر فإذا فعلتم ذلك فعلي أن لا أتخذ حاجباً و لا بواباً و لا ألبس إلا كما تلبسون و لا أركب إلا كما تركبون و أملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً و أعبد الله عز وجل حق عبادته و ارتضوا لي.
قالوا: رضينا و اتبعناك على ذلك. فيصافحهم رجلا رجلاً فيفتح الله له خراسان و يطيعه أهل اليمن و تقبل الجيوش أمامه و تكون همدان وزراؤه و خولان جيوشه و حمير أعوانه و مضر قواده و يكثر الله عز و جل جمعهم بتميم و يسير راياته أمامه و على مقدمته عقيل و على ساقته الحارث و تخالفه ثقيف و غداف، و يسير الجيوش حتى تصير بوادي الدس في هدوء و رفق فيلحقه هناك ابن عمه الحسني في اثني عشر ألف فارس، فيقول له الحسني هل لك من آية فنبايعك، فيومي المهدي إلى الطير فيسقط على يديه و يغرس قضيباً في بقعة من الأرض فيخضر و يورق، فيقول له الحسني هما لك، و يسلم إليه جيشه و يكون على مقدمته و اسمه على اسمه، و تقع الضجة في الشام ألا أن أعراب الحجاز قد خرجوا إليكم، فيقول السفياني لأصحابه ما تقولون في هؤلاء القوم، فيقولون هم أصحاب نبل و ابل و نحن أصحاب العدة و السلاح أخرج بنا إليهم، فيرونه قد جبن و هو عالم بما يراد منه، فلا يزالون به حتى يخرج فيخرج بخيله و رجله بمائتي ألف و ستين ألف حتى ينزلوا بحيرة فيسير المهدي عليه السلام لا يحدث في بلد حادثة إلا الأمن و الإيمان و البشرى و عن يمينه جبرئيل و عن يساره ميكائيل و الناس يلحقونه من الآفاق حتى يلحقوا السفياني على بحيرة طبرية و يغضب الله تعالى على السفياني و جيشه و يغضب سائر خلقه عليهم حتى الطير في السماء فترميهم بأجنحتها و أن الجبال لترميهم بصخورها، فتكون وقعة يملك الله عز و جل فيها جيش السفياني فيمضي هارباً، فيأخذه رجل من الموالي اسمه ضباح فيأتي به إلى المهدي عليه السلام و هو يصلي العشاء الآخرة فيبشره فيخفف في الصلاة و يخرج و يكون السفياني قد جعلت عمامته في عنقه و يسحب ويوقف بين يديه فيقول السفياني للمهدي: يا ابن عم منّ عليّ بالحياة أكون سيفاً بين يديك أجاهد أعداءك، و المهدي جالس بين أصحابه و هو أحيى من عذراء فيقول خلّوه، فيقول أصحاب المهدي عليه السلام: يا ابن بنت رسول الله تمن عليه بالحياة و قد قتل أولاد رسول الله، و يقولون ما نصبر على ذلك. فيقول: شأنكم و إياه فيلحقه ضباح في جماعة إلى عند السدرة فيضجعه و يذبحه و يأخذ رأسه فيأتي به المهدي عليه السلام فتنظر شيعته إلى الرأس فيهللون و يكبرون و يحمدون الله على ذلك، ثم يأمر المهدي عليه السلام بدفنه.
ثمّ يسير في عساكره فينزل دمشق و كان أصحاب أندلس أحرقوا مسجدها و أخربوا فيقيم في دمشق فيأمر بعمارة جامعها و إن دمشق فسطاط المسلمين يومئذ و هي خير مدينة على وجه الأرض في ذلك الوقت ألا و فيها آثار النبيين و بقايا الصالحين معصومة من الفتن منصورة على أعدائها فمن وجد السبيل إلى أن يتخذ فيها موضعاً و لو مربط شاة فإن ذلك خير من عشرة حيطان بالمدينة فينتقل أخيار العراق إليها ثم أن المهدي عليه السلام يبعث بجيش إلى أحياء كلب و الخائب من خاب من غنيمة كلب و الله العالم بالصواب.
هذه بعض ما رواه مشايخ أهل السنة و علماؤهم في الآيات و العلامات التي تتقدم على ظهور المهدي عليه السلام، و تركنا جملة أخرى من الأحاديث الواردة في ذلك و كذا ما رواه علماء الإمامية في هذا الباب، و لو أردنا جميع ما أخرجوه لخرجت الرسالة عن وضعها، مع أنا بنينا على عدم الاحتجاج بما رواه أصحابنا.
و من جميع ذلك يظهر أن انتشار الجور و عموم الظلم من إحدى العلامات التي هو منها قليل من كثير و كنسبة الواحد إلى عشر العشير، و جملة منها ورد فيها أحاديث كثيرة كالنداء و الصيحة و خروج السفياني و قتل النفس الزكية و العدد المذكور من خواص أصحابه، و لا يقصر ما ورد في كل واحدة منها عما ورد في الانتشار.
و لا يجوز للمهدي عليه السلام أن يظهر و يخرج قبل ظهور تلك العلامات كما لم يكن لجده صلى الله عليه و آله و سلم أن يدعو الناس إلى الإسلام قبل و يوم البعثة مع وجوده و علمه بنبوته و عموم الشرك و الكفر لعدم الإذن من الله تعالى له في ذلك إلا في يوم المبعث، و ظهور المهدي عليه السلام كبعث جده صلى الله عليه و آله و سلم يحتاج إلى الإذن و الأمر الإلهي الذي يكشف عنه تلك العلامات، و مع عدم ظهورها لا يجوز له الظهور و الخروج لمجرد تبين علامة واحدة هي انتشار الجور.

(راجع کشف الاستار عن وجه الغائب عن الابصار؛ الشیخ میرزا حسين النوري الطبرسي)

—————————————————————————————————————————————–
الهوامش
(1) الموجود في النسخة أبو عبد الله الحسين بن علي، وهو سهو بل جعفر بن محمّد، والظاهر أنه كان في الأصل أبو عبد الله فظنه الحسين، فانتبه.