إن موضوع الغيبة في غاية الأهمية، ولا يصح أن يترك بوجه لأسباب عديدة نحن هنا ليس بصدد ذكرها ولكن نقول إن الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله) والأئمة المعصومين (علیهم السلام) ركزوا على هذا الأمر تركيزا تقتضيه أهمّيّة ذلك الأمر لذا هيأوا أذهان الأمة لتقبل هذا الأمر وما يكتنفه من ظروف وازالوا الغموض والأبهام عن هذه القضية الهامّة. حيث نجد ذلك واضحا في أحاديث رسول الله (صلی الله علیه وآله) مما يرويه علماء الفريقين وفي أحاديث الأئمة المعصومين (علیهم السلام) والهدف من كل هذا الحشد من الاحاديث هو التعبئة النفسية العامة لتقبل فكرة الإمام الغائب (عجل الله فرجه) وإنّها حقيقة واقعة لا محالة …
ولا نريد أن نكرّر ما صدر عنهم عليهم السلام بهذا الخصوص ولكن نشير الى قول الامام الحسن العسكري (علیه السلام) إلى رجل بقوله : (عثمان بن سعيد العمري وكيلي وإن إبنه محمداً وكيل إبني مهديّكم).
فبهذا القول أشار الإمام صلوات الله عليه إلى خصوصية خاصّة وهي زرع الإطمئنان الحسّي في نفوس الخاصّة والعامّة من خلال تنصيب نائباً عنه وعن إبنه عليهما السلام حتى لا تفاجأ الأمة بعد ذلك … حيث بدأ الإمام (علیه السلام) غيبته بالسّفراء وهذا أقرب إلى أذهان الناس وأشدّ أنساً لاسيما وأن هؤلاء السفراء أوّلهم نصّ عليه الإمام الحاضر وهو الامام العسكري (علیه السلام) وفي نفس الوقت نصّ على من يأتي بعده فبهذه الخصوصيّات وغيرها تكون الأمّة مهيأة ذهنياً ونفسياً لتلقي خبر غيبة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بلا أدنى تشكيك وبالخصوص عندما كانت تأتي توقيعات من الإمام نفسه بيد السفراء المعينين من قبل أبيه و من قبله …
إلا أن كلامنا هنا يبقى في مبدأ هذه الغيبة أي في زمان حصول الغيبة الصغرى بالتحديد فالأقوال في ذلك ثلاثة:
القول الأول
الغيبة الصغرى بدأت بمولده (عجل الله فرجه)، حيث كان مولده مبنيّاً على الكتمان، فكان الامام سلام الله عليه غائباً منذ ذلك الحين وإلى أن يظهر للعيان بشكل علني عام.
ولكن أورد البعض على هذا القول: بأنّ الامام من مولده إلى شهادة أبيه الامام العسكري سلام الله عليه، في هذه الفترة الامامة لم تكن له، وهذا خارج عن موضوع الغيبة التي نتحدث عنها، فإن الحديث عن غيبته في فترة إمامته.
نقول : هذا الامر سهل، لانّ الفرض من الغيبة مطلق الغيبة، سواء غيبته في عصر إمامة أبيه سلام الله عليه أو غيبته في عصر إمامته، الغرض ملفق من هذا وذاك بحيث المجموع يكون هذه الفترة من مولده (عليه السلام)إلى وفاة آخر نائب من النواب الاربعة وهو أبو الحسن علي بن محمد السمري رحمه الله سنة ثلاثمئة وتسعة وعشرين من الهجرة الشريفة، فاذا بدأنا بسنة مئتين وخمس وخمسين، أي سنة مولد الامام (عجل الله فرجه)، إلى سنة ثلاثمئة وتسعة وعشرين، يعني قرابة أربع وسبعين سنة، هذا التحديد طبق النظرية التي ذهب إليها الشيخ المفيد رحمه الله.
والمناقشة في هذه القول لا من هذه الجهة التي ذكرها البعض، بل المناقشة من جهة أخرى: حيث أنّ ظاهر جملة من الروايات أنّ الامام سلام الله عليه لم يكن غائباً بالمعنى المتعارف منذ ولادته، نعم كان محفوظاً إلاّ عن الخاصّة، وكان هناك تكتم على اللقاء به على الاجمال حيث كانت هناك محدوديّة في قضية رؤيته، أما غيبته (عجل الله فرجه) بتمام المعنى لم تشرع، والدليل على جملة من الروايات، حيث أن الامام العسكري سلام الله عليه كان يأتي إليه مجاميع من أصحابه فيطلعهم عليه، فالغيبة إذن لم تبدأ من حين مولده.
القول الثاني:
الغيبة بدأت من حين شهادة والده الامام العسكري سلام الله عليه، وبالضبط بعد صلاته على جنازة الامام العسكري (عليه السلام) في القضية التي رواها بعض الرواة.
وهذا القول يمكن الاخذ به لولا تعارضه مع قول آخر.
القول الثالث:
وهو قول متوسط بين ما ذكرنا. وهو مطابق للنص الذي ورد في غيبة الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه، حاصله:
إن غيبته بدأت بعد مولده (عليه السلام) بفترة، بدأت الغيبة وأعلن عن غيبته (عليه السلام) نفس والده الامام العسكري (عليه السلام).
وفي هذا عناية بليغة في واقع الامر، لانّ الامام (عليه السلام) إمام حاضر، فحينما ينبىء عن غيبة ابنه الامام المهدي سلام الله عليه يكون سكون النفوس إلى ذلك أكثر، بعكس ما لو الامام سلام الله عليه يغيب فجأة بدون سبق إنذار، فالامام العسكري (عليه السلام) حينما عرضه على من حضر عنده من شيعته قال: «ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر…».
إن الذي نفهمه إذن والله العالم: أنّ مبدأ الغيبة الصغرى من هذا الاعلام بالضبط.
(نقلا عن: مرکز آل البیت العالمی للمعلومات)
أحدث وجهات النظر