القرن السادس ابن العودي النيلي المولود 478 المتوفى ح 558
الربيب أبوالمعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف بابن العودي [العودي] التغلبي النيلي نسبة إلى بلدة النيل على نهر النيل المستمد من الفرات الممتد نحو الشرق الجنوبي وكانت ولادته بها سنة 478. لم أقف على ترجمة [أبي المعالي] أبسط مما نشرته مجلة الغري [النجفية] الغراء في العدد ال 22 و 23 من السنة السابعة بقلم الدكتور مصطفى جواد البغدادي ذلك البحاثة المنقب وإليك نصه قال: كان أبوالمعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلت أخبار سيرهم، فهو كوكب من كواكب الأدب، ومشاهد نوره مجهولة حقيقته أو حقائق أوصافه، وكان في الأيام التي جمع فيها عماد الدين الأصفهاني أخبار الشعراء ولذلك قال في نعته: شاب شبت له نار الذكاء وشاب لنظمه صرف الصهباء بصافي الماء، ودر من فيه شؤبوب الفصاحة يسقي من ينشده شعره راح الراحة، وردت واسطا سنة خمسين [يعني خمسين وخمسمائة] فذكر لي أنه كان بها للاسترفاد وقام في بعض الأيام ينشد خادم الخليفة (فاتنا) فسبقه غيره إلى الانشاد، فقعد ولم يعد إليه وسلم على رفده وعليه وصمم عزم الرحيل إلى وطنه بالنيل، ولقيته بعد ذلك في سنة أربع وخمسين بالهمامية. ا ه .
وإشارة العماد إلى أنه كان شابا من فلتات الشباب. ويلوح لنا من أثناء هذا الخبر أن ابن العودي كان مع تحريره إنشاده لاسترفاده أبي النفس معتمدا بشعره والشاعر الأبي المسترفد لا يورثه إباؤه إلا الحرمان وإساءة الزمان.
له:
متى يشتفي من لاعج القلب مغرم * وقد لج في الهجران من ليس يرحم؟!
إذا هم أن يسلو أبي عن سلوه * فؤاد بنيران الأسى يتضرم
ويثنيه عن سلوانه لفضيلة * عهود التصابي والهوى المتقدم
رمته بلحظ لا يكاد سليمه * من الخبل والوجد المبرح يسلم
إذا ما تلظت في الحشا منه لوعة * طفتها دموع من أماقيه تسجم
مقيم على أسر الهوى وفؤاده * تغور به أيدي الهموم وقتهم
يجن الهوى عن عاذليه تجلدا * فيبدي جواه ما يجن ويكتم
يعلل نفسا بالأماني سقيمة * وحسبك من داء يصح ويسقم
وقد غفلت عنا الليالي وأصبحت * عيون العدى عن وصلنا وهي نوم
فكم من غصون قد ضممت ثديها * إلي وأفواه بها كنت ألثم
أجيل ذراعي لاهيا فوق منكب * وخصرا غدا من ثقله يتظلم
وأمتاح راحا من شنيب كأنه * من الدر والياقوت في السلك ينظم
فلما علاني الشيب وابيض عارضي * وبان الصبا وأعوج مني المقوم
وأضحى مشيبي للعذار ملثما * به ولرأسي بالبياض يعمم
وأمسيت من وصل الغواني ممنعا * كأني من شيبي لديهن مجرم
بكيت على ما فات مني ندامة * كأني خنس في البكا أو متمم
وأصفيت مدحي للنبي وصنوه * وللنفر البيض الذين هم هم
هم التين والزيتون آل محمد * هم شجر الطوبى لمن يتفهم
هم جنة المأوى هم الحوض في غد * هم اللوح والسقف الرفيع المعظم
هم آل عمران هم الحج والنسا * هم سبأ والذاريات ومريم
هم آل ياسين وطأها وهل أتى * هم النحل والأنفال إن كنت تعلم
هم الآية الكبرى هم الركن والصفا * هم الحج والبيت العتيق المكرم
هم في غد سفن النجاة لمن وعى * هم العروة الوثقى التي ليس تفصم
هم الجنب جنب الله في البيت والورى * هم العين عين الله في الناس تعلم
هم الآل فينا والمعالي هم العلى * ينمم في منهاجهم حيث يمموا
هم الغاية القصوى هم منتهى العلى * سل النص في القرآن ينبئك عنهم
هم في غد للقادمين سقاتهم * إذا وردوا والحوض بالماء مفعم
فلولا هم لم يخلق الله خلقه * ولا هبطا للنسل حوا وآدم
هم باهلوا نجران من داخل العبا * فعاد المناوي فيهم وهو مفحم
وأقبل جبريل يقول مفاخرا * لميكال : من مثلي وقد صرت منهم؟!
فمن مثلهم في العالمين وقد غدا * لهم سيد الأملاك جبريل يخدم؟!
ومن ذا يساويهم بفضل ونعمة * من الناس والقرآن يؤخذ عنهم؟!
أبوهم أمير المؤمنين وجدهم * أبو القاسم الهادي النبي المكرم
هم شرعوا الدين الحنيفي والتقى * وقاموا بحكم الله من حيث يحكم
وخالهم إبراهيم والأم فاطم * وعمهم الطيار في الخلد ينعم
إلى الله أبرا من رجال تتابعوا * على قتلهم يا للورى كيف أقدموا؟!
حموهم لذيذ الماء والورد مفعم * وأسقوهم كأس الردى وهو علقم
وعاثوا بآل المصطفى بعد موته * بما قتل الكرار بالأمس منهم
وثاروا عليه ثورة جاهلية * على أنه ما كان في القوم مسلم
وألقوهم في الغاضريات صرعا * كأنهم قف على الأرض جثم
تحاماهم وحش الفلا وتنوشهم * بأرياشها طير الفلا وهي حوم
بأسيافهم أردوهم ولدينهم * أريق بأطراف القنا منهم الدم
وما قدمت يوم الطفوف أمية * على السبط إلا بالذين تقدموا
وأنى لهم أن يبرأوا من دمائهم * وقد أسرجوها للخصام وألجموا
وقد علموا أن الولاء لحيدر * ولكنه ما زال يؤذى ويظلم
تعدوا عليه واستبدوا بظلمه * وأخر وهو السيد المتقدم
وقد زعموها فلتة كان بدؤها * وقال : اقتلوا من كان في ذاك يخصم
وأفضوا إلى الشورى بها بين ستة * وكان ابن عوف منهم المتوسم
وما قصدوا إلا ليقتل بينهم * علي وكان الله للطهر يعصم
وإلا فليث لا يقاس بأضبع * وأين من الشمس المنيرة أنجم؟!
فواعجبا من أين كانوا نظائرا ؟! * وهل غيره طب من الغي فيهم؟!
ولكن أمور قدرت لضلالهم * ولله صنع في الإرادة محكم
عصوا ربهم فيه ضلالا فأهلكوا * كما هلكت من قبل عاد وجرهم
فما عذرهم للمصطفى في معادهم * إذا قال : لم خنتم عليا وجرتم؟!
وما عذرهم إن قال : ماذا صنعتم * بصنوي من بعدي ؟! وماذا فعلتم؟!
عهدت إليكم بالقبول لأمره * فلم حلتم عن عهده وغدرتم ؟!
نبذتم كتاب الله خلف ظهوركم * وخالفتموه ؟ بئس ما قد صنعتم
وخلفت فيكم عترتي لهداكم * فكم قمتم في ظلهم وقعدتم؟!
قلبتم لهم ظهر المجن وجرتم * عليهم وإحساني إليكم كفرتم
وما زلتم بالقتل تطغون فيهم * إلى أن بلغتم فيهم ما أردتم
كأنهم كانوا من الروم فالتقت * سراياكم صلبانهم وظفرتم
ولكن أخذتم من بني بثأركم * فحسبكم خزيا على ما اجترأتم
منعتم تراثي ابنتي لا أبا لكم * فلم أنتم آباءكم قد ورثتم؟!
وقلتم : نبي لا تراث لولده * أللأجنبي الإرث فيما زعمتم؟!
فهذا سليمان لداود وارث * ويحيي لزكريا فلم ذا منعتم؟!
فإن كان منه للنبوة وارثا؟! * كما قد حكمتم في الفتاوى وقلتم
فقد ينبغي نسل النبيين كلهم * ومن جاء منهم بالنبوة يوسم
وقلتم: حرام متعة الحج والنسا * أعن ربكم؟! أم عنكم ما شرعتم؟!
زناتكم تعفون عنهم ومن أتى * إليكم من المستمتعين قتلتم
ألم يأت: ما استمتعتم من حليلة * فآتوا لها من أجرها ما فرضتم؟!
فهل نسخ القرآن ما كان قد أتى * بتحليله؟! أم أنتم قد نسختم؟!
وكل نبي جاء قبل وصيه * مطاع وأنتم للوصي عصيتم
ففعلكم في الدين أضحى منافيا * لفعلي وأمري غير ما قد أمرتم
وقلتم : مضى عنا بغير وصية * ألم يوص لو طاوعتم وامتثلتم؟!
وقد قال : من لم يوص من قبل موته * يمت جاهلا . بل أنتم قد جهلتم
نصبت لكم بعدي إماما يدلكم * على الله فاستكبرتم وظلمتم
وقد قلت في تقديمه وولائه * عليكم بما شاهدتم وسمعتم
: علي غدا مني محلا وقربة * كهارون من موسى فلم عنه حلتم؟!
شقيتم به شقوى ثمود بصالح * وكل امرئ يبقى له ما يقدم
وملتم إلى الدنيا فضلت عقولكم * ألا كل مغرور بدنياه يندم
لحى الله قوما أجلبوا وتعاونوا * على (حيدر) فيما أساؤا وأجرموا
زووا عن أمير النحل بالظلم حقه * عنادا له والطهر يغضي ويكظم
وقد نصها يوم (الغدير) محمد * وقال: ألا يا أيها الناس فاعلموا
لقد جاءني في النص : بلغ رسالتي * وها أنا في تبليغها المتكلم
علي وصيي فاتبعوه فإنه * إمامكم بعدي إذا غبت عنكم
فقالوا: رضيناه إماما وحاكما * علينا ومولى وهو فينا المحكم
رأوا رشدهم في ذلك اليوم وحده * ولكنهم عن رشدهم في غد عموا
فلما توفي المصطفى قال بعضهم: * أيحكم فينا؟ لا، وباللات نقسم
ونازعه فيها رجال ولم يكن * لهم قدم فيها ولا متقدم
وظلوا عليها عاكفين كأنهم * على غرة كل لها يتوسم
يقيم حدود الله في غير حقها * ويفتي إذا استفتي بما ليس يعلم
يكفر هذا رأي هذا بقوله * وينقض هذا ما له ذاك يبرم
وقالوا: اختلاف الناس في الفقه رحمة * فلم يك من هذا يحل ويحرم
أربان للانسان؟! أم كان دينهم * على النقص من دون الكمال فتمموا؟!
أم الله لا يرضى بشرع نبيه * فعادوا وهم في ذاك بالشرع أقوم؟!
أم المصطفى قد كان في وحي ربه * ينقص في تبليغه ويجمجم؟!
أم القوم كانوا أنبياءا صوامتا * فلما مضى المبعوث عنهم تكلموا؟!
أم الشرع فيه كان زيغ عن الهدى * فسووه من بعد النبي وقوموا؟!
أم الدين لم يكمل على عهد أحمد * فعادوا عليه بالكمال وأحكموا؟!
أما قال: إني اليوم أكملت دينكم * وأتممت بالنعماء مني عليكم؟!
وقال: أطيعوا الله ثم رسوله * تفوزوا ولا تعصوا أولي الأمر منكم
فلم حرموا ما كان حلا ؟ ! وحللوا * بفتواهم ما جاز وهو محرم؟!
ترى الله فيما قال قد زل؟! أم هذا * نبي الهدى؟! أم كان جبريل يوهم؟!
لقد أبدعوا مما نووا من خلافهم * وقال: اقبلوا مما يقول وسلموا
وإلا تركتم إن أبيتم رماحنا * وأسيافنا فيكم تسدى وتلحم
وما مات حتى أكمل الله دينه * ولم يبق أمر بعد ذلك مبهم
ولكن حقود أظهرت وضغائن * وبغي وجور بين الظلم منهم
يقرب مفضول ويبعد فاضل * ويسكت منطيق وينطق أبكم
وما أخروا فيها عليا لموجب * ولكن تعد منهم وتظلم
وكم شرعوا في نقض ما شاد أحمد * ولكن دين الله لا يتهدم
وحاشى لدين شيد الحق ركنه * بسيف علي يعتريه التهدم
فحسبهم في ظلم (آل محمد) * من الله في العقبى عقاب ومأثم
فإن غصبوهم أمر دنيا دنية * فما لهم في الحشر أبقى وأدوم
فهل عظمت في الدهر قط مصيبة * على الناس إلا وهي في الدين أعظم؟!
تولى بإجماع على الناس أول * ونص على الثاني بها وهو مغرم
وقال: أقيلوني فلست بخيركم * فلم نصها لو صح ما كان يزعم؟!
وأثبتها في جوره بعد موته * صهاكية خشناء للخصم تكلم
ولو أدرك الثاني لمولى حذيفة * لولاه دون الغير والأنف يرغم
وقد نالها شورى من القوم ثالث * وجرد سيف للوصي ولهذم
أشورى؟ وإجماع؟ ونص؟ خلافة * تعالوا على الاسلام نبكي ونلطم
وصاحبها المنصوص عنها بمعزل * يديم تلاوات الكتاب ويختم
ولو أنه كان المولى عليهم * إذن لهداهم فهو بالأمر أعلم
هو العالم الحبر الذي ليس مثله * هو البطل القرم الهزبر الغشمشم
وما زال في بدر واحد وخيبر * يفل جيوش المشركين ويحطم
يكر ويعلوهم بقائم سيفه * إلى أن أطاعوا مكرهين وأسلموا
وما دخلوا الاسلام دينا وإنما * منافقة كي يرفع السيف عنهم
وقالوا: علي كان في الحكم ظالما * ليكثر بالدعوى عليه التظلم
وقالوا: دماء المسلمين أراقها * وقد كان في القتلى برئ ومجرم
فقلت لهم: مهلا عدمتم صوابكم * وصي النبي المصطفى كيف يظلم
أراق دماء المسلمين؟! فوالذي * هدانا به ما كان في القوم مسلم
ولكنه للناكثين بعهده * وممن تعدى منهم كان ينقم
أما قال: أقضاكم علي محمد * كذا قد رواه الناقد المتقدم
فإن جار ظلما في القضايا بزعمكم * علي فمن زكاه لا شك أظلم
فيا ليتني قد كنت بالأمس حاضرا * فأشركه في قتلهم وأصمم
وألقى إلهي دونهم بدمائهم * فننظر عند الله من يتندم
فمن كعلي عند كل ملمة * إذا ما التقى الجمعان والنقع مفعم؟
ومن ذا يساميه بعلم ولم يزل * يقول : سلوني ما يحل ويحرم؟!
سلوني ففي جنبي علم ورثته * عن المصطفى ما فاه مني به الفم
سلوني عن طرق السماوات إنني * بها من سلوك الأرض والطرق أعلم
ولو كشف الله الغطا لم أزد به * يقينا على ما كنت أدري وأعلم
وكأين له من آية وفضيلة * ومن مكرمات ما تعم وتكتم
فمن ختمت أعماله عند موته * بخير فأعمالي بحبيه تختم
فيا رب بالأشباح (آل محمد) * نجوم الهدى للناس والأفق مظلم
وبالقائم المهدي من (آل أحمد) * وآبائه الهادين والحق معصم
تفضل على (العودي) منك برحمة * فأنت إذا استرحمت تعفو وترحم
تجاوز بحسن العفو عن سيئاته * إذا ما تلظت في المعاد جهنم
ومن عليه من لدنك برأفة * فإنك أنت المنعم المتكرم
فإن كان لي ذنب عظيم جنيته * فعفوك والغفران لي منه أعظم
وإن كنت بالتشبيب في الشعر أبتدي * فإني بمدح الصفوة الزهر أختم
(الغدير – الشيخ الأميني – ج 4 – ص 372 – 380)
أحدث وجهات النظر