القرن الثامن علاء الدين الحلي
أبوالحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين الحلي الشهيفي المعروف بابن الشهفية، عالم فاضل، وأديب كامل، وقد جمع بين الفضيلتين علم غزير وأدب بارع بفكر نابغ، ونظر صائب، ونبوغ ظاهر، وفضل باهر، وجاء في الطليعة من شعراء أهل البيت عليهم السلام، وقصايده الرنانة السائرة الطافحة بالحجاج، الزاهية بالرقايق، المشحونة بالدقايق، المتبلجة بالمحسنات البديعية على جزالة في اللفظ، وحصافة في المعنى، ومتانة في الأسلوب، وقوة في المبنى، ورصانة في النضد، ورشاقة في النظيم في مدايح أمير المؤمنين ومراثي ولده الإمام السبط أعدل شاهد لعبقريته، وتقدمه في محاسن الشعر، وثباته على نواميس المذهب، واقتفائه أثر أئمة دينه عليهم السلام ولشيخنا الشهيد الأول معاصره المقتول سنة 786 شرح إحدى قصائد وهي الغديرية الثانية المذكورة ولما وقف المترجم على ذلك الشرح فخربه ومدح الشارع بمقطوعة. ترجمه وأثنى عليه بالعلم والفضل والأدب القاضي في ” المجالس “، وشيخنا الحر في أمل الآمل، والميرزا صاحب رياض العلماء، وسيدنا مؤلف رياض الجنة، وابن أبي شبانة في تتميم الأمل وغيرهم.
له: القصيدة الهائیة
أبرق تراءى عن يمين ثغورها؟ * أم ابتسمت عن لؤلؤ من ثغورها؟
ومرت بليل في بليل عراصها * بنا نسمة أم نفحة من عبيرها؟
وطلعة بدر أم تراءت عن اللوى * لعينيك ليلى من خلال ستورها؟
نعم هذه ليلى وهاتيك دارها * بسقط اللوى يغشاك لئلا نورها
سلام على الدار التي طالما غدت * جلاءا لعيني درة من درورها
وما عطفت بالصب ميلا إلى الصبا * بها شغفا إلا بدور بدورها
قضيت بها عصر الشباب بريئة * من الريب ذاتي مع ذوات خدورها
أتم جمالا من جميل وسؤددا * وأكثر كسبا للعلى من كثيرها
وبت بريئا من دنو دناءة * أعاتب من محظورها وخطيرها
لعلمي بأني في المعاد مناقش * حسابا على قطميرها ونقيرها
وما كنت من يسخو بنفس نفيسه * فأرخس بذلا سعرها بسعيرها
وأجمل ما يعزى إلى المجد عزوة * غدا مسفرا بالبشر وجه بشيرها
أعذر لمبيض العذار إذا صبا؟ * وأكبر مقتا صبوة من كبيرها
كفى بنذير الشيب نهيا لذي النهى * وتبصرة فيها هدى لبصيرها
وما شبت إلا من وقوع شوائب * لأصغرها يبيض رأس صغيرها
ولولا مصاب السبط بالطف ما بدا * بليل عذاري السبط وخط قتيرها
رمته بحرب آل حرب وأقبلت * إليه نفورا في عداد نفورها
تقود إليه القود في كل جحفل * إلى غارة معتدة من مغيرها
وما عدلت في الحكم بل عدلت به * وقايع صفين وليل هريرها
وعاضدها في غيها شر أمة * على الكفر لم تسعد برأي مشيرها
خلاف سطور في طروس تطلعت * طلايع غدر في خلال سطورها
فحين أتاها واثق القلب أصبحت * نواظرها مزورة غب زورها
فما أوسعت في الدين خرقا ولا سعت * إلى جورها إلا لترك أجورها
بنفسي إذ وافى عصاة عصابة * غرار الضبا مشحوذة من غرورها
قؤولا لأنصار لديه وأسرة * لذي العرش سر مودع في صدورها
: أعيذكم أن تطعموا الموت فاذهبوا * بمغفرة مرضية من غفورها
فأجمل في رد الندا كل ذي ند * ينافس عن نفس بما في ضميرها
: أعن فرق نبغي الفراق وتصطلي * وحيدا بلا عون شرار شرورها؟
وما العذر في اليوم العصيب لعصبة * وقد خفرت يوما ذمام خفيرها؟
وهل سكنت روح إلى روح جنة * وقد خالفت في الدين أمر أميرها؟
أبى الله إلا أن تراق دماؤنا * ونصبح نهبا في أكف نسورها
وثابوا إلى كسب الثواب كأنهم * أسود الشرى في كرها وزئيرها
تهش إلى الأقدام علما بأنها * تحل محل القدس عند مصيرها
قضت فقضت من جنة الخلد سؤلها * وسادت على أحبارها بحبورها
وهان عليها الصعب حين تأملت * إلى قاصرات الطرف بين قصورها
وما أنس لا أنسى ( الحسين ) مجاهدا * بنفس خلت من خلها وعشيرها
يصول إذا زرق النصول تأوهت * لنزع قني أعجمت من صريرها
ترى الخيل في أقدامها منه ما ترى * محاذرة إن أمها من هصورها
فتصرف عن بأس مخافة بأسه * كما جفلت كدر القطا من صقورها
يفلق هاماة الكماة حسامه * له بدلا من جفنها وجفيرها
فلا فرقة إلا وأوسع سيفه * بها فرقا أو فرقة من نفورها
أجدك هل سمر العواسل تجتني * لكم عسلا مستعذبا من مريرها؟
أم استنكرت أنس الحياة نفاسة * نفوسكم فاستبدلت أنس حورها؟
بنفسي مجروح الجوارح آيسا * من النصر خلوا ظهره من ظهيرها
بنفسي محزوز الوريد معفرا * على ظمأ من فوق حر صخورها
يتوق إلى ماء الفرات . ودونه * حدود شفار أحدقت بشفيرها
قضى ظاميا والماء يلمع طاميا * وغودر مقتولا دوين غديرها
هلال دجا أمسى بحد غروبها * غروبا على قيعانها ووعورها
فيا لك مقتولا علت بهجة العلى * به ظلمة من بعد ضوء سفورها
وقارن قرن الشمس كسف ولم تعد * نظارتها حزنا لفقد نظيرها
وأعلنت الأملاك نوحا وأعولت * له الجن في غيطانها وحفيرها
وكادت تمور الأرض من فرط حسرة * على السبط لولا رحمة من مميرها
ومرت عليهم زعزع لتذيقهم * مرير عذاب مهلك بمريرها
أسفت وقد آبوا نجيا ولم ترح * لهم دابر مقطوعة بدبورها
وأعجب إذ شالت كريم كريمها * لتكبيرها في قتلها لكبيرها
فيا لك عينا لا تجف دموعها * ونارا يذيب القلب حر زفيرها
على مثل هذا الرزؤ يستحسن البكا * وتقلع منا أنفس عن سرورها
أيقتل خير الخلق أما ووالدا * وأكرم خلق الله وابن نذيرها؟
ويمنع من ماء الفرات وتغتدي * وحوش الفلا ريانة من نميرها؟
أجل ( حسينا ) أن يمثل شخصه * بمثلة قتل كان غير جديرها
يدير على رأس السنان برأسه * سنان ألا شلت يمين مديرها
ويؤتى بزين العابدين مكبلا * أسيرا ألا روحي الفدا لأسيرها
يقاد ذليلا في القيود ممثلا * لاكفر خلق الله وابن كفورها
ويمسي يزيد رافلا في حريره * ويمسي حسين عاريا في حرورها
ودار بني صخر بن حرب أنيسة * بنشد أغانيها وسكب خمورها
تظل على صوت البغايا بغاتها * بها زمر تلهو بلحن زمورها
ودار علي والبتول وأحمد * وشبرها مولى الورى وشبيرها
معالمها تبكي على علمائها * وزائرها يبكي لفقد مزورها
منازل وحي أقفرت فصدورها * بوحشتها تبكي لفقد صدورها
تظل صياما أهلها ففطورها * التلاوة والتسبيح فضل سحورها
إذا جن ليل زان فيه صلاتهم * صلات فلا يحصى عداد يسيرها
وطول على طول الصلاة ومن غدا * مقيما على تقصيره في قصيرها
قفا نسأل الدار التي درس البلى * معالمها من بعد درس زبورها
متى أفلت عنها شموس نهارها * وأظلم ظلما أفقها من بدورها؟
بدور بأرض الطف طاف بها الردى * فأهبطها من جوها في قبورها
كواسر عقبان عليها تعاقبت * بغاث بغات إذ نأت عن وكورها
قضت عطشا والماء طام فلم تجد * لها منهلا إلا دماء نحورها
عراة عراها وحشة فأذاقها * وقد رميت بالهجر حر هجيرها
ينوح عليها الوحش من طول وحشة * وتندبها الأصداء عند بكورها
سيسأل تيم عنهم وعديها * أوائلها ما أكدت لأخيرها
ويسأل عن ظلم الوصي وآله * مشير غواة القوم من مستشيرها
وما جر يوم الطف جور أمية * على السبط إلا جرأة ابن أجيرها
تقمصها ظلما فأعقب ظلمه * تعقب ظلم في قلوب حميرها
فيا يوم عاشوراء حسبك إنك * المشوم وإن طال المدى من دهورها
لأنت وإن عظمت أعظم فجعة * وأشهر عندي بدعة من شهورها
فما محن الدنيا وإن جل خطبها * تشاكل من بلواك عشر عشيرها
بني الوحي هل من بعد خبرة ذي العلى * بمدحكم من مدحة لخبيرها
كفى ما أتى في هل أتى من مديحكم * وأعرافها للعارفين وطورها
إذا رمت أن أجلو جمال جميلكم * وهل حصر ينهى صفات حصورها
تضيق بكم ذرعا بحور عروضها * ويحسدكم شحا عريض بحورها
منحتكم شكرا وليس بضايع * بضائع مدح منحة من شكورها
أقيلوا عثاري يوم لا فيه عثرة * تقال إذا لم تشفعوا لعثورها
فلي سيئات بت من خوف نشرها * على وجل أخشى عقاب نشورها
فما مالك يوم المعاد بمالكي * إذا كنتم لي جنة من سعيرها
وإني لمشتاق إلى نور بهجة * سنا فجرها يجلو ظلام فجورها
ظهور أخي عدل له الشمس آية * من الغرب تبدو معجزا في ظهورها
متى يجمع الله الشتات وتجبر * القلوب التي لا جابر لكسيرها؟
متى يظهر المهدي من آل هاشم * على سيرة لم يبق غير يسيرها؟
متى تقدم الرايات من أرض مكة * ويضحكني بشرا قدوم بشيرها؟
وتنظر عيني بهجة علوية * ويسعد يوما ناظري من نضيرها
وتهبط أملاك السماء كتائبا * لنصرته عن قدرة من قديرها
وفتيان صدق من لوي بن غالب * تسير المنايا رهبة لمسيرها
تخالهم فوق الخيول أهلة * ظهرن من الأفلاك أعلا ظهورها
هنالك تعلو همة طال همها * لإدراك ثار سالف من مثيرها
وإن حان حيني قبل ذاك ولم يكن * لنفس ( علي ) نصرة من نصيرها
قضى صابرا حتى انقضاء مراده * وليس يضيع الله أجر صبورها
(الغدير – الشيخ الأميني – ج 6 – ص 356 – 378)
أحدث وجهات النظر