و في حديث هشام مع عمرو بن عبيد حجة في الانتفاع بالحجة الغائب علیه السلام. قال الصدوق رحمه الله فی کمال الدین و تمام النعمة:

حَدَّثَنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَرَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ وَ مُؤْمِنُ الطَّاقِ وَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَ الطَّيَّارُ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَ هُوَ شَابٌّ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: يَا هِشَامُ! قَالَ: لَبَّيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! قَالَ: أَ لَا تُخْبِرُنِي كَيْفَ صَنَعْتَ بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَ كَيْفَ سَأَلْتَهُ؟ قَالَ هِشَامٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي أُجِلُّكَ وَ أَسْتَحْيِيكَ وَ لَا يَعْمَلُ لِسَانِي بَيْنَ يَدَيْكَ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْ‏ءٍ فَافْعَلُوهُ. قَالَ هِشَامٌ: بَلَغَنِي مَا كَانَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَ جُلُوسُهُ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ وَ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ وَ دَخَلْتُ الْبَصْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَتَيْتُ مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ كَبِيرَةٍ وَ إِذَا أَنَا بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَلَيْهِ شَمْلَةٌ سَوْدَاءُ مِنْ صُوفٍ مُؤْتَزِرٌ بِهَا وَ شَمْلَةٌ مُرْتَدٍ بِهَا وَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَاسْتَفْرَجْتُ النَّاسَ فَأَفْرَجُوا لِي ثُمَّ قَعَدْتُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ عَلَى رُكْبَتَيَّ ثُمَّ قُلْتُ: أَيُّهَا الْعَالِمُ أَنَا رَجُلٌ غَرِيبٌ تَأْذَنُ لِي فَأَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ؟ قَالَ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ قُلْتُ لَهُ: أَ لَكَ عَيْنٌ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ! أَيُّ شَيْ‏ءٍ هَذَا مِنَ السُّؤَالِ إِذَا تَرَى شَيْئاً كَيْفَ تَسْأَلُ عَنْهُ؟ فَقُلْتُ: هَكَذَا مَسْأَلَتِي. قَالَ: يَا بُنَيَّ سَلْ وَ إِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُكَ حَمْقَاءَ. قُلْتُ: أَجِبْنِي فِيهَا. قَالَ فَقَالَ لِي: سَلْ. قَالَ قُلْتُ: أَ لَكَ عَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَرَى بِهَا؟ قَالَ: الْأَلْوَانَ وَ الْأَشْخَاصَ. قَالَ: قُلْتُ: أَ لَكَ أَنْفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَشَمُّ بِهِ الرَّائِحَةَ. قَالَ: قُلْتُ: أَ لَكَ لِسَانٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَتَكَلَّمُ بِهِ. قَالَ: قُلْتُ: أَ لَكَ أُذُنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِهَا الْأَصْوَاتَ. قَالَ: قُلْتُ: أَ فَلَكَ يَدَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِمَا؟ قَالَ: أَبْطِشُ بِهِمَا وَ أَعْرِفُ بِهِمَا اللَّيِّنَ مِنَ الْخَشِنِ. قَالَ: قُلْتُ: أَ لَكَ رِجْلَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِمَا؟ قَالَ: أَنْتَقِلُ بِهِمَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ. قَالَ: قُلْتُ: أَ لَكَ فَمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَعْرِفُ بِهِ الْمَطَاعِمَ عَلَى اخْتِلَافِهَا. قَالَ: قُلْتُ: أَ فَلَكَ قَلْبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أُمَيِّزُ بِهِ كُلَّمَا وَرَدَ عَلَى هَذِهِ الْجَوَارِحِ. قَالَ: قُلْتُ: أَ فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْجَوَارِحِ غِنًى عَنِ الْقَلْبِ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: وَ كَيْفَ ذَلِكَ وَ هِيَ صَحِيحَةٌ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ الْجَوَارِحَ إِذَا شَكَّتْ فِي شَيْ‏ءٍ شَمَّتْهُ أَوْ رَأَتْهُ أَوْ ذَاقَتْهُ رَدَّتْهُ إِلَى الْقَلْبِ فَلْيُقِرَّ بِهِ الْيَقِينَ وَ يُبْطِلُ الشَّكَّ. قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّمَا أَقَامَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْقَلْبَ لِشَكِّ الْجَوَارِحِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: وَ لَا بُدَّ مِنَ الْقَلْبِ وَ إِلَّا لَمْ يَسْتَيْقِنِ الْجَوَارِحُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا مَرْوَانَ! إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَتْرُكْ جَوَارِحَكَ حَتَّى جَعَلَ لَهَا إِمَاماً يُصَحِّحُ لَهَا الصَّحِيحَ وَ يَنْفِي مَا شَكَّتْ فِيهِ وَ يَتْرُكُ هَذَا الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي حَيْرَتِهِمْ وَ شَكِّهِمْ وَ اخْتِلَافِهِمْ لَا يُقِيمُ لَهُمْ إِمَاماً يَرُدُّونَ إِلَيْهِ شَكَّهُمْ وَ حَيْرَتَهُمْ وَ يُقِيمُ لَكَ إِمَاماً لِجَوَارِحِكَ يُرَدُّ إِلَيْكَ شَكُّكَ وَ حَيْرَتُكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ وَ لَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً. قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ‏:: أَنْتَ هِشَامٌ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: فَقَالَ لِي: أَ جَالَسْتَهُ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: فَأَنْتَ إِذاً هُوَ. قَالَ: ثُمَّ ضَمَّنِي إِلَيْهِ فَأَقْعَدَنِي فِي مَجْلِسِهِ وَ مَا نَطَقَ حَتَّى قُمْتُ. فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام ثُمَّ قَالَ: يَا هِشَامُ! مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ جَرَى عَلَى لِسَانِي. قَالَ: يَا هِشَامُ هَذَا وَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ فِي صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏…
و ذلك أن القلب غائب عن سائر الجوارح لا يرى بالعين و لا يشم بالأنف و لا يذاق بالفم و لا يلمس باليد و هو مدبر لهذه الجوارح مع غيبته عنها و بقاؤها على صلاحها و لو لم يكن القلب لانفسد تدبير الجوارح و لم تستقم أمورها فاحتيج إلى القلب لبقاء الجوارح على صلاحها كما احتيج إلى الإمام لبقاء العالم على صلاحه و لا قوة إلا بالله.
و كما يعلم مكان القلب من الجسد بالخبر فكذلك يعلم مكان الحجة الغائب علیه السلام بالخبر و هو ما ورد عن الأئمة علیهم السلام من الأخبار في كونه بمكة و خروجه منها في وقت ظهوره و لسنا نعني بالقلب المضغة التي من اللحم لأن بها لا يقع الانتفاع للجوارح و إنما نعني بالقلب اللطيفة التي جعلها الله عز و جل في هذه المضغة لا تدرك بالبصر و إن كشف عن تلك المضغة و لا تلمس و لا تذاق و لا توجد إلا بالعلم بها لحصول التمييز و استقامة التدبير من الجوارح و الحجة بتلك اللطيفة على الجوارح قائمة ما وجدت و التكليف لها لازم ما بقيت فإذا عدمت تلك اللطيفة انفسد تدبير الجوارح و سقط التكليف عنها فكما يجوز أن يحتج الله عزّ وجلّ بهذه اللطيفة الغائبة عن الحواس على الجوارح فكذلك جائز أن يحتج عزّ وجلّ على جميع الخلق بحجة غائب عنهم به يدفع عنهم و به يرزقهم و به ينزل عليهم الغيث و لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه‏.