تشرّف رجل آخر اسمه آقا محمّد مهدي من قاطني بندر ملومين في السرداب الشريف، و شفاؤه بإعجاز الحجّة عليه السلام من الصمم و الخرس‏

في شهر جمادى الأولى من سنة ألف و مائتين و تسعة و تسعين ورد الكاظمين علیهما السلام رجل اسمه آقا محمد مهدي و كان من قاطني بندر ملومين من بنادر ماجين و ممالك برمة و هو الآن في تصرف الإنجريز و من بلدة كلكتة قاعدة سلطنة ممالك الهند إليه مسافة ستة أيام من البحر مع المراكب الدخانية و كان أبوه من أهل شيراز و لكنه ولد و تعيش في البندر المذكور و ابتلي قبل التأريخ المذكور بثلاث سنين بمرض شديد فلما عوفي منه بقي أصم أخرس.
فتوسّل لشّفاء مرضه بزيارة أئمة العراق علیهم السلام و كان له أقارب في بلدة كاظمين علیهما السلام من التجار المعروفين فنزل عليهم و بقي عندهم عشرين يوما فصادف وقت حركة مركب الدخان إلى سر من‏ رأى لطغيان الماء فأتوا به إلى المركب و سلموه إلى راكبيه و هم من أهل بغداد و كربلاء و سألوهم المراقبة في حاله و النظر في حوائجه لعدم قدرته على إبرازها و كتبوا إلى بعض المجاورين من أهل سامرا للتوجّه في أموره.
فلما ورد تلك الأرض المشرفة و الناحية المقدّسة أتى إلى السّرداب المنوّر بعد الظهر من يوم الجمعة العاشر من جمادى الآخرة من السنة المذكورة و كان فيه جماعة من الثقات و المقدسين إلى أن أتى إلى الصفة المباركة فبكى و تضرع‏ فيها زمانا طويلا و كان يكتب قبيلة حاله على الجدار و يسأل من النّاظرين الدّعاء و الشّفاعة.
فما تم بكاؤه و تضرّعه إلاّ و قد فتح الله تعالى لسانه و خرج بإعجاز الحجة علیه السلام من ذلك المقام المنيف مع لسان ذلق و كلام فصيح و أحضر في يوم السبت في محفل تدريس سيِد الفقهاء و شيخ العلماء رئيس الشِيعة و تاج الشريعة المنتهى إليه رئاسة الإمامية سيِدنا الأفخم و أستاذنا الأعظم الحاج الآميرزا محمد حسن الشيرازي متع الله المسلمين بطول بقائه و قرأ عنده متبركا سورة المباركة الفاتحة بنحو أذعن الحاضرون بصحته و حسن قراءته و صار يوما مشهودا و مقاما محمودا.
و في ليلة الأحد و الاثنين اجتمع العلماء و الفضلاء في الصحن الشريف فرحين مسرورين و أضاءوا فضاءه من المصابيح و القناديل و نظموا القصة و نشروها في البلاد و كان معه في المركب مادح أهل البيت علیه السلام الفاضل اللبيب الحاج ملا عباس الصفار الزنوزي البغدادي فقال و هو من قصيدة طويلة. و رآه مريضا و صحيحا.
و في عامها جئت و الزائرين — إلى بلدة سر من قد رآها
رأيت من الصين فيها فتى — و كان سمي إمام هداها
يشير إذا ما أراد الكلام — و للنفس منه. براها
و قد قيد السقم منه الكلام — و أطلق من مقلتيه دماها
فوافى إلى باب سرداب من — به الناس طرا ينال مناها
يروم بغير لسان يزور — و للنفس منه دهت بعناها
و قد صار يكتب فوق الجدار — ما فيه للروح منه شفاها
أروم الزيارة بعد الدعاء — ممن رأى أسطري و تلاها
لعل لساني يعود الفصيح — و علي أزور و أدعو الإلها
إذا هو في رجل مقبل — تراه ورى البعض من أتقياها
تأبط خير كتاب له — و قد جاء من حيث غاب ابن طه‏
فأومى إليه ادع ما قد كتب — و جاء فلما تلاه دعاها
و أوصى به سيدا جالسا — أن ادعوا له بالشفاء شفاها
فقام و أدخله غيبة الإمام — المغيب من أوصياها
و جاء إلى حفرة الصفة — التي هي للعين نور ضياها
و أسرج آخر فيها السراج — و أدناه من فمه ليراها
هناك دعا الله مستغفرا — و عيناه مشغولة ببكاها
و مذ عاد منها يريد الصلاة — قد عاود النفس منه شفاها
و قد أطلق الله منه اللسان — و تلك الصلاة أتم أداها.
و لما بلغ الخبر إلى خريت صناعة الشعر السيد المؤيد الأديب اللبيب فخر الطالبيين و ناموس العلويين السيد حيدر بن السيد سليمان الحلي أيده الله تعالى بعث إلى سرمن‏رأى كتابا صورته.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لما هبت من الناحية المقدسة نسمات كرم الإمامة فنشرت نفحات عبير هاتيك الكرامة فأطلقت لسان زائرها من اعتقاله عند ما قام عندها في تضرعه و ابتهاله أحببت أن أنتظم في سلك من خدم تلك الحضرة في نظم قصيدة تتضمن بيان هذا المعجز العظيم و نشره و أن أهنئ علامة الزمن و غرة وجهه الحسن فرع الأراكة المحمدية و منار الملة الأحمدية علم الشريعة و إمام الشيعة لأجمع بين العبادتين في خدمة هاتين الحضرتين فنظمت هذه القصيدة الغراء و أهديتها إلى دار إقامته و هي سامرا راجيا أن تقع موقع القبول فقلت و من الله بلوغ المأمول.
كذا يظهر المعجز الباهر — و يشهده البر و الفاجر
و تروى الكرامة مأثورة — يبلغها الغائب الحاضر
يقر لقوم بها ناظر — و يقذي لقوم بها ناظر
فقلب لها ترحا واقع — و قلب بها فرحا طائر
أجل طرف فكرك يا مستدل — و أنجد بطرفك يا غائر
تصفح مآثر آل الرسول — و حسبك ما نشر الناشر
و دونكه نبأ صادقا — لقلب العدو هو الباقر
فمن صاحب الأمر أمس استبان — لنا معجز أمره باهر
بموضع غيبته مذ ألم — أخو علة داؤها ظاهر
رمى فمه باعتقال اللسان — رام هو الزمن الغادر
فأقبل ملتمسا للشفاء — لدى من هو الغائب الحاضر
و لقنه القول مستأجر — عن القصد في أمره جائر
فبيناه في تعب ناصب — و من ضجر فكره حائر
إذ انحل من ذلك الاعتقال — و بارحه ذلك الضائر
فراح لمولاه في الحامدين — و هو لآلائه ذاكر
لعمري لقد مسحت داءه — يد كل خلق لها شاكر
يد لم تزل رحمة للعباد — لذلك أنشأها الفاطر
تحدر و إن كرهت أنفس — يضيق شجى صدرها الواغر
و قل إن قائم آل النبي — له النهي و هو هو الآمر
أ يمنع زائره الاعتقال — مما به ينطق الزائر
و يدعوه صدقا إلى حله — و يقضي على أنه القادر
و يكبو مرجيه دون الغياث — و هو يقال به العاثر
فحاشاه بل هو نعم المغيث — إذا نضنض الحارث الفاغر «1»
فهذي الكرامة لا ما غدا — يلفقه الفاسق الفاجر
أدم ذكرها يا لسان الزمان — و في نشرها فمك العاطر
و هن بها سرمن‏رأى و من — به ربعها آهل عامر
هو السيد الحسن المجتبى — خضم الندى غيثه الهامر
و قل يا تقدست من بقعة — بها يهب الزلة الغافر
كلا أسميك في الناس باد له — بأوجههم أثر ظاهر
فأنت لبعضهم سرمن‏رأى — و هو نعت لهم ظاهر
و أنت لبعضهم ساء من — رأى و به يوصف الخاسر
لقد أطلق الحسن المكرمات — مهياك فهو بهي سافر
فأنت حديقة زهو به — و أخلافه روضك الناضر
عليم تربى بحجر الهدى — و نسج التقى برده الطاهر.
إلى أن قال سلمه الله تعالى:
كذا فلتكن عترة المرسلين — و إلا فما الفخر يا فاخر

(الجنة المأوی؛ للمحدث النوری [1254 – 1320 ق])
__________________________________________________
(1) الحارث: لقب الأسد، و الفاغر: الذي فتح فاه يقال: نضنض لسانه: اذا حركه، فالسبع إذا فغرفاه و نضنض لسانه أشدّ ما يكون.