تشرّف السيّد مرتضى النجفي بلقائه عليه السّلام في مسجد الكوفة و قصّة الشيخ الدّخنيّ إمام الجماعة:

حدثني السيد الثقة التقي الصالح السيد مرتضى النجفي رحمه الله و قد أدرك الشيخ شيخ الفقهاء و عمادهم الشيخ جعفر النجفي و كان معروفا عند علماء العراق بالصلاح و السداد و صاحبته سنين سفرا و حضرا فما وقفت منه على عثرة في الدين قال كنا في مسجد الكوفة مع جماعة فيهم أحد من العلماء المعروفين‏ المبرزين في المشهد الغروي و قد سألته عن اسمه غير مرّة فما كشف عنه لكونه محل هتك السّتر و إذاعة السّرّ.
قال: و لما حضرت وقت صلاة المغرب جلس الشيخ لدى المحراب للصلاة و الجماعة في تهيئة الصلاة بين جالس عنده و مؤذن و متطهر و كان في ذلك الوقت في داخل الموضع المعروف بالتنور ماء قليل من قناة خربة و قد رأينا مجراها عند عمارة مقبرة هانئ بن عروة و الدرج التي تنزل إليه ضيقة مخروبة لا تسع غير واحد.
فجئت إليه و أردت النزول فرأيت شخصا جليلا على هيئة الأعراب قاعدا عند الماء يتوضأ و هو غاية من السكينة و الوقار و الطمأنينة و كنت مستعجلا لخوف عدم إدراك الجماعة فوقفت قليلا فرأيته كالجبل لا يحركه شي‏ء؛ فقلت: و قد أقيمت الصلاة ما معناه لعلك لا تريد الصلاة مع الشيخ أردت بذلك تعجيله. فقال: لا. قلت: و لم؟ قال: لأنه الشيخ الدخني. فما فهمت مراده فوقفت حتى أتم وضوءه فصعد و ذهب و نزلت و توضأت و صليت فلما قضيت الصلاة و انتشر الناس و قد ملأ قلبي و عيني هيئته و سكونه و كلامه فذكرت للشيخ ما رأيت و سمعت منه فتغيرت حاله و ألوانه و صار متفكرا مهموما فقال قد أدركت الحجة علیه السلام و ما عرفته و قد أخبر عن شي‏ء ما اطلع عليه إلا الله تعالى.
اعلم أني زرعت الدخنة «1» في هذه السنة في الرحبة و هي موضع في طرف الغربي من بحيرة الكوفة محل خوف و خطر من جهة أعراب البادية المترددين إليه فلما قمت إلى الصلاة و دخلت فيها ذهب فكري إلى زرع الدخنة و أهمني أمره فصرت أتفكر فيه و في آفاته.
هذا خلاصة ما سمعته منه رحمه الله قبل هذا التأريخ بأزيد من عشرين سنة و أستغفر الله من الزيادة و النقصان في بعض كلماته.

(الجنة المأوی؛ للمحدث النوری)
__________________________________________________
(1) الدخن بالضم حبّ الجاورس، او حبّ أصغر منه أملس جدا بارد يابس حابس للطبع.