الشفاعة في يوم القيامة وتحقيق المرام في هذا المقام، يستدعي ذكر أمور:
الأول: في معنى الشفاعة.
الثاني: إثبات الشفاعة.
الثالث: الإشارة إلى الشفعاء يوم القيامة.
الرابع: من يستحق الشفاعة.
الخامس: كون الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) سببا للفوز بشفاعته صلوات الله عليه – فنقول ومن الله التوفيق.

الأمر الأول في معنى الشفاعة المقصودة وهو أن يطلب الشخص ممن فوقه خيرا لمن دونه، وذلك الخير إما إسقاط عقاب، أو زيادة ثواب، أو كلاهما، فإن كانت الشفاعة لأهل الطاعة كان معناه طلب زيادة ثوابهم ورفع درجاتهم، وإن كانت لأهل الإساءة كان معناه طلب العفو عن زلاتهم وسيئاتهم، وإسقاط عقابهم، أو إسقاط العذاب، والفوز بالمنافع جميعا وهذا الذي ذكرناه هو الحق في تحقيق معنى الشفاعة. وقد خالف في ذلك فرقتان: التفضيلية، والوعيدية على ما حكي عنهما. فقال الأولون: إنها مختصة بدفع المضار، وإسقاط العقاب عن مستحقيه من مذنبي المؤمنين، وإليه ذهب جمع من علمائنا. وقال آخرون: هي في زيادة المنافع للمطيعين، والتائبين دون العاصين. وقال المحقق الطوسي رفع الله تعالى درجته: الحق صدق الشفاعة فيهما أي لزيادة المنافع وإسقاط المضار، وثبوت الثاني له (عليه السلام) بقوله: ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. إنتهى.
الحق ثبوت الشفاعة له (عليه السلام) بكلا القسمين:
الأمر الثاني: في إثبات الشفاعة المصطلحة لا ريب في جواز الشفاعة عقلا. وأمّا وقوعها فيدل عليه مضافا إلى أنه من ضروريات المذهب، بل الدين، كما صرح به المجلسي في حق اليقين الكتاب والسنة والإجماع وكل واحد منها كاف لأهل الاستماع. فمن الآيات قوله تعالى في سورة البقرة: *(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)*. وفي سورة مريم: *(لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا)*. وفي سورة طه: *(يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا)*. وفي سورة الأنبياء: *(لا يشفعون إلا لمن ارتضى)*. وفي سورة سبأ: *(ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له)*.
وأمّا الأخبار: فهي في حد التواتر ونحن نكتفي بذكر نبذة مما روي في البحار.
فعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لكل نبي دعوة قد دعا بها، وقد سأل سؤالا وقد أخبأت دعوتي لشفاعتي لأمتي يوم
القيامة.
وعنه (صلى الله عليه وآله) قال ثلاثة يشفعون إلى الله عزّ وجلّ: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء.
وعنه (صلى الله عليه وآله) قال: من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي، فلا أناله الله شفاعتي، ثم قال (عليه السلام): إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون فما عليهم من سبيل.
المراد بالشفاعة في هذا الحديث هو طلب العفو عن المسئ، لا حصر الشفاعة فيه.
وعنه (عليه السلام) قال: أنا الشفيع لأمتي إلى ربي.
وعنه (صلى الله عليه وآله) إذا قمت المقام المحمود، تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي، فيشفعني الله فيهم، والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي.
وفي حديث آخر أنه دخل مولى لامرأة علي بن الحسين على أبي جعفر (عليه السلام) يقال له أبو أيمن فقال: يا أبا جعفر! تغرون الناس وتقولون شفاعة محمد شفاعة محمد! فغضب أبو جعفر (عليه السلام) حتى تربد وجهه، ثمّ قال: ويحك يا أبا أيمن! غرك أن عف بطنك وفرجك، أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله) ويلك، فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار. ثمّ قال: ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمّد (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة. ثم قال أبوجعفر (عليه السلام): إن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) الشفاعة في أمته، ولنا شفاعة في شيعتنا، ولشيعتنا شفاعة في أهليهم ثمّ قال: وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر، وإن المؤمن ليشفع حتى لخادمه، ويقول: يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد.
الأمر الثالث: في ذكر بعض الشفعاء يوم القيامة إعلم أن الشفاعة الكبرى من خصائص نبينا (صلى الله عليه وآله).
روى في الخصال وغيره عنه (صلى الله عليه وآله) قال: أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب، وأحل لي المغنم وأعطيت جوامع الكلم وأعطيت الشفاعة. وشفاعة غيره من شعب شفاعته الكبرى لانتهائها إليه (صلى الله عليه وآله). فمن الشفعاء: الأئمة الطاهرون، كما عرفت.
ويدل عليه أيضا ما في البحار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: *(فما لنا من شافعين ولا صديق حميم)* قال: الشافعون الأئمّة والصديق من المؤمنين.
وفي قوله تعالى: *(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)* قال: نحن أولئك الشافعون.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) الشفعاء خمسة القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيكم وأهل بيت نبيكم.
وعن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: *(لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا)* قال: نحن والله المأذون لهم في ذلك والقائلون صوابا، قلت: جعلت فداك وما تقولون؟ قال: نمجد ربنا ونصلي على نبينا (صلى الله عليه وآله) ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا. ومنهم ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ففي أمالي الصدوق والبحار عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة، جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فتغشاهم ظلمة شديدة فيضجون إلى ربهم ويقولون يا رب اكشف عنا هذه الظلمة قال: فيقبل قوم يمشي النور بين أيديهم قد أضاء أرض القيامة فيقول أهل الجمع هؤلاء أنبياء الله؟ فيجيئهم النداء من عند الله ما هؤلاء بأنبياء فيقول أهل الجمع: فهؤلاء ملائكة؟ فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بملائكة فيقول أهل الجمع: هؤلاء شهداء؟ فيجيئهم النداء من عند الله ما هؤلاء بشهداء فيقولون من هم؟ فيجيئهم النداء: يا أهل الجمع! سلوهم من أنتم فيقول أهل الجمع: من أنتم؟ فيقولون: نحن العلويون، نحن ذرية محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحن أولاد علي ولي الله، نحن المخصوصون بكرامة الله، نحن الآمنون المطمئنون، فيجيئهم النداء من عند الله عزّ وجلّ: اشفعوا في محبيكم وأهل مودّتكم وشيعتكم، فيشفعون. ومنهم المؤمنون.
وفي البحار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تستخفوا بفقراء شيعة علي وعترته من بعده، فإن الرجل منهم ليشفع لمثل ربيعة ومضر. ومنهم: العلماء العاملون.
ففيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة بعث الله العالم والعابد فإذا وقفا بين يدي الله عزّ وجلّ، قيل للعابد انطلق إلى الله، وقيل للعالم: قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم. ومنهم: زوار قبر الحسين (عليه السلام).
ففي خصائص الحسين وغيره، عن سيف التمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: زائر الحسين مشفع يوم القيامة لمائة ألف رجل: كلهم قد وجبت له النار.
وفي مزار البحار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ينادي مناد يوم القيامة أين شيعة آل محمّد فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم إلا الله فيقومون ناحية من الناس ثم ينادي مناد أين زوار قبر الحسين فيقوم أناس كثير فيقال لهم خذوا بيد من أحببتم انطلقوا بهم إلى الجنة فيأخذ الرجل من أحب حتى إن الرجل من الناس يقول لرجل يا فلان أما تعرفني أنا الذي قمت لك يوم كذا وكذا فيدخله الجنة لا يدفع ولا يمنع.
الأمر الرابع: في ذكر من يستحق الشفاعة اعلم رزقك الله تعالى وإيانا شفاعة الشافعين أنه لا يستحق الشفاعة سوى أهل الإيمان كما قال الله تعالى *(لا يشفعون إلا لمن ارتضى)*.
ففي البرهان وغيره عن الكاظم والرضا (عليهما السلام) معناه لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه. ويدل على ذلك أيضا روايات عديدة مع أن ذلك مما لا خلاف فيه أجده بين الإمامية.
ففي البحار عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن المؤمن ليشفع لحميمه إلا أن يكون ناصبا ولو أن ناصبا شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا.
وفي حديث آخر عنه قال: إن الجار يشفع لجاره والحميم لحميمه ولو أن الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين شفعوا في ناصب ما شفعوا.
وفي تفسير علي بن إبراهيم القمي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: *(لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا)* قال لا يشفع ولا يشفع ولا يشفع إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا إلا من أذن له بولاية أمير المؤمنين والأئمة من بعده فهو العهد عند الله، الخبر، والأخبار فيه كثيرة. ثم إنه لا يخفى أن المؤمنين على صنفين قوم مطيعون صالحون، وقوم مسرفون عاصون، فهل يشمل شفاعة الشافعين المحسنين والعاصين أم يختص بالمحسنين أو بالعاصين، أقوال والحق هو القول الأول، وهو شمول الشفاعة لكل منهما، أما بالنسبة إلى المحسنين فهي توجب ازدياد الثواب وارتفاع الدرجات وأما بالنسبة إلى العاصين فتوجب الخلاص من العقاب واندفاع المضرات أو مع الفوز بالمنافع أيضا، والدليل على ذلك بعد صدق الشفاعة على طلب زيادة الثواب ورفع العقاب عدة روايات:
منها: ما رواه ثقة الإسلام في أصول الكافي في كتاب فضل القرآن عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل في ذكر شفاعة القرآن إلى أن قال: فينطلق به إلى ربّ العزّة تبارك وتعالى، فيقول يا رب عبدك وأنت أعلم به قد كان نصبا لي مواظبا علي يعادي بسببي، ويحب في ويبغض في فيقول الله عزّ وجلّ: أدخلوا عبدي جنتي واكسوه حلة من حلل الجنة وتوجوه بتاج. فإذا فعل ذلك به عرض على القرآن فيقال له: هل رضيت بما صنع بوليك فيقول: يا رب إني أستقل هذا له فزده مزيد الخير كله، فيقول عز وجل وعزتي وجلالي، وعلوي وارتفاع مكاني، لأنحلن له اليوم خمسة أشياء مع المزيد له، ولمن كان بمنزلته ألا إنهم شباب لا يهرمون وأصحاء لا يسقمون، وأغنياء لا يفتقرون، وفرحون لا يحزنون، وأحياء لا يموتون ثم تلا هذه الآية: *(لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى)* الخبر.
وهو نص في وقوع الشفاعة، بطلب رفع العقاب وزيادة الثواب.
ومنها: قوله (عليه السلام) في رواية أبي أيمن التي ذكرناها في الأمر الثاني ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة. لشموله بعمومه جميع المؤمنين حتى المطيعين، بل الأنبياء السابقين وغيرهم من الصالحين ومن المعلوم أن احتياجهم إلى شفاعته ليس لرفع العذاب إذ لا مقتضى لتعذيبهم بل هو لارتفاع الدرجات وازدياد العنايات.
ويعضد هذه الرواية ما روي في البحار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من أحد من الأولين والآخرين، إلا وهو يحتاج إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة.
ومنها: ما في البحار والبرهان عن العياشي، عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الجن والإنس يحبسون يوم القيامة في صعيد واحد، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة، فيقولون: إلى من؟ فيأتون نوحا فيسألونه الشفاعة، فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون: إلى من؟ فيقال إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيسألونه الشفاعة فيقول هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون: إلى من؟ فيقال: ائتوا موسى فيأتونه، فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات، قد رفعت حاجتي فيقولون: إلى من؟ فيقال: ائتوا عيسى فيأتونه، ويسألونه الشفاعة، فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون: إلى من؟ فيقال: ائتوا محمدا. فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم مدلا، حتّى يأتي باب الجنّة، فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه، فيقال: من هذا؟ فيقال: أحمد فيرحبون ويفتحون الباب فإذا نظر إلى الجنة خر ساجدا يمجد ربه بالعظمة، فيأتيه ملك فيقول ارفع رأسك وسل تعط، واشفع تشفع فيرفع رأسه فيدخل من باب الجنة فيخر ساجدا، ويمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع فيقوم فما يسأل شيئا إلا أعطاه الله إيّاه.
قال المجلسي (رحمه الله): قوله قد رفعت حاجتي: أي إلى غيري والحاصل: إني أيضا أستشفع من غيري، فلا أستطيع شفاعتكم.
لا ريب أن احتياجهم إلى غيرهم ليس لأجل نجاتهم من العذاب لأنهم معصومون، لم يصدر عنهم ما يقتضيه بل هو لأجل فوزهم بالدرجات العالية، التي لا يصلون إليها إلا بسبب من هو أرفع منهم، أعني نبينا محمدا وآله المعصومين المكرمين (عليهم السلام).
فإن قلت: إن هذا الحديث وما بمعناه من الأحاديث ينافي ما مر سابقا من كونهم من شفعاء يوم القيامة. قلت: لا تنافي بين هذين الحديثين، إذ لا مانع من وصولهم إلى درجات ومنافع ببركة من فوقهم ووصول من دونهم في المرتبة إلى درجات ومنافع ببركتهم، وسقوط العقاب عنهم بشفاعتهم لمن دونهم من أهليهم.
ومنها: ما روي في اللئالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن المؤمنين المتواطئين في الله ليكون أحدهما في الجنّة فوق الآخر بدرجة، فيقول: يا رب إنه أخي وصاحبي، قد كان يأمرني بطاعتك، ويثبطني عن معصيتك ويرغبني فيما عندك، فاجمع بيني وبينه في هذه الدرجة فيجمع الله بينهما، الخبر.
ومنها ما روي في دار السلام عن الكافي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر شريف، وفيه: فأمّا الخليلان المؤمنان فتخالا حياتهما في طاعة الله تبارك وتعالى وتباذلا عليها، وتوادا عليها فمات أحدهما قبل صاحبه فأراه الله تعالى منزله في الجنة يشفع لصاحبه فيقول: خليلي فلان كان يأمرني بطاعتك ويعينني عليها وينهاني عن معصيتك رب فثبته على ما تشاء عليه من الهدى، حتّى تريه ما أريتني فيستجيب الله له حتى يلتقيان عند الله عزّ وجلّ فيقول كل واحد لصاحبه: جزاك الله من خليل خيرا كنت تأمرني بطاعة الله، وتنهاني عن معصيته. الخبر.
فهذه الروايات تدل على وقوع شفاعة الشافعين للصالحين من المؤمنين، طلبا لهم زيادة الثواب كما تقع للعاصين، مضافا إلى أن القائلين بتخصيص الشفاعة بطلب إسقاط العقاب، يلزمهم القول بكونها طلبا للثواب في حق المستوجبين للعقاب أيضا، وبيان ذلك: أن كل من قال بحصول نجاة العاصين من النار بشفاعة الشافعين، قال بدخولهم الجنة بسبب تلك الشفاعة، فلو كانت الشفاعة طلب إسقاط العقاب فقط لزم القول بأن من يشفع له شافع لا يدخل الجنة ولا النار، أما عدم دخوله الجنة، فلعدم المقتضى له وأما عدم دخوله النار فلشفاعة الشافعين.
الأمر الخامس في كون الدعاء لمولانا صاحب الزمان وبتعجيل فرجه سببا للفوز بشفاعته وبيان ذلك: أنه لا بد في الفوز بشفاعة الشافعين في يوم الدين، من تحقق رابطة بين الشافع والمشفوع له، في دار الدنيا كخدمة له، وإعانة، أو قضاء حاجة أو دعاء، أو إظهار محبة خالصة، أو إعزاز له، أو دفع أذى عنه ونحوها، كما عرفت في حديث شفاعة المؤمنين لمن يدعو لهم في أول الباب الرابع، وفي حديث شفاعة المؤمن، الذي ذكرناه في الأمر الثاني آنفا، وكذا في حديث شفاعة زائر الحسين (عليه السلام)، الذي رويناه في الأمر الثالث، ويدل على ذلك مضافا إلى ما ذكرناه روايات كثيرة:
منها ما في البحار عن تفسير الإمام عن أمير المؤمنين، قال (عليه السلام): الله رحيم بعباده، ومن رحمته أنه خلق مائة رحمة، جعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم، فبها يتراحم الناس وترحم الوالدة ولدها، وتحنن الأمهات من الحيوانات على أولادها، فإذا كان يوم القيامة، أضاف هذه الرحمة الواحدة إلى تسع وتسعين رحمة، فيرحم بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ويشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة. حتى إن الواحد ليجئ إلى مؤمن الشيعة فيقول اشفع لي فيقول: وأي حق لك علي فيقول: سقيتك يوما ماء فيذكر ذلك فيشفع فيه ويجيئه آخر فيقول: إن لي عليك حقا فاشفع لي فيقول: وما حقك علي فيقول: استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار فيشفع له، فيشفع فيه ولا يزال يشفع حتى يشفع في جيرانه، وخلطائه ومعارفه فإن المؤمن أكرم على الله مما تظنون.
وفي البحار أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل له المعرفة به في دار الدنيا وقد أمر به إلى النار، والملك ينطلق به قال فيقول يا فلان، أغثني، فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا وأسعفك في الحاجة تطلبها مني فهل عندك اليوم مكافأة! فيقول المؤمن للملك الموكل به: خل سبيله. قال: فيسمع الله قول المؤمن فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن، فيخلي سبيله.
إذا كان هذا حال المؤمن في الشفاعة، لمن كان بينه وبينه رابطة جزئية. فلا ريب في أن مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) يشفع لمن يداوم على الدعاء له، ولا يتركه معذبا يوم القيامة لأن الدعاء من الروابط العظيمة والحبال المتينة فهو قضاء لحاجته ودليل محبته، وموجب لمسرته، وهو مع ذلك من أقسام نصرته وأنواع خدمته، إلى غير ذلك من العناوين الصادقة عليه مما هو وسيلة إليه.

(مکیال المکارم ؛ ج 1 ؛ محمد تقی الموسوی الاصبهانی)