فأول الغيبات غيبة إدريس النبي علیه السلام المشهورة حتى آل الأمر بشيعته إلى أن تعذر عليهم القوت و قتل الجبار من قتل منهم و أفقر و أخاف باقيتهم ثم ظهر علیه السلام فوعد شيعته بالفرج و بقيام القائم من ولده و هو نوح علیه السلام ثم رفع الله عز و جل إدريس علیه السلام إليه فلم تزل الشيعة يتوقعون قيام نوح علیه السلام قرنا بعد قرن و خلفا عن سلف صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتى ظهرت نبوة نوح علیه السلام.

قال الصدوق: حَدَّثَنَا أَبِي وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ قَالُوا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ جَمِيعاً عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ ع قَالَ: كَانَ بَدْءُ نُبُوَّةِ إِدْرِيسَ ع أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَانِهِ مَلِكٌ جَبَّارٌ وَ أَنَّهُ رَكِبَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي بَعْضِ نُزَهِهِ فَمَرَّ بِأَرْضٍ خَضِرَةٍ نَضِرَةٍ لِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنَ الرَّافِضَةِ فَأَعْجَبَتْهُ فَسَأَلَ وُزَرَاءَهُ لِمَنْ هَذِهِ الْأَرْضُ قَالُوا لِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ عَبِيدِ الْمَلِكِ فُلَانٍ الرَّافِضِيِّ فَدَعَا بِهِ فَقَالَ لَهُ أَمْتِعْنِي بِأَرْضِكَ هَذِهِ فَقَالَ عِيَالِي أَحْوَجُ إِلَيْهَا مِنْكَ قَالَ فَسُمْنِي بِهَا أُثْمِنْ لَكَ قَالَ لَا أُمْتِعُكَ بِهَا وَ لَا أَسُومُكَ دَعْ عَنْكَ ذِكْرَهَا فَغَضِبَ الْمَلِكُ عِنْدَ ذَلِكَ وَ أَسِفَ وَ انْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ وَ هُوَ مَغْمُومٌ مُتَفَكِّرٌ فِي أَمْرِهِ وَ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَزَارِقَةِ وَ كَانَ بِهَا مُعْجَباً يُشَاوِرُهَا فِي الْأَمْرِ إِذَا نَزَلَ بِهِ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي مَجْلِسِهِ بَعَثَ إِلَيْهَا لِيُشَاوِرَهَا فِي أَمْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ فَرَأَتْ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ فَقَالَتْ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَا الَّذِي دَهَاكَ حَتَّى بَدَا الْغَضَبُ فِي وَجْهِكَ قَبْلَ فِعْلِكَ فَأَخْبَرَهَا بِخَبَرِ الْأَرْضِ وَ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِهِ لِصَاحِبِهَا وَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِهَا لَهُ فَقَالَتْ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّمَا يَهْتَمُّ بِهِ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّغْيِيرِ وَ الِانْتِقَامِ فَإِنْ كُنْتَ تَكْرَهُ أَنْ تَقْتُلَهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ فَأَنَا أَكْفِيكَ أَمْرَهُ وَ أُصَيِّرُ أَرْضَهُ بِيَدَيْكَ بِحُجَّةٍ لَكَ فِيهَا الْعُذْرُ عِنْدَ أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ. قَالَ: وَ مَا هِيَ؟ قَالَتْ: أَبْعَثُ إِلَيْهِ أَقْوَاماً مِنْ أَصْحَابِيَ الْأَزَارِقَةِ حَتَّى يَأْتُوكَ بِهِ فَيَشْهَدُوا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ دِينِكَ فَيَجُوزَ لَكَ قَتْلُهُ وَ أَخْذُ أَرْضِهِ. قَالَ: فَافْعَلِي ذَلِكِ. قَالَ: وَ كَانَ لَهَا أَصْحَابٌ مِنَ الْأَزَارِقَةِ عَلَى دِينِهَا يَرَوْنَ قَتَلَ الرَّوَافِضِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَبَعَثَتْ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْأَزَارِقَةِ فَأَتَوْهَا فَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى فُلَانٍ الرَّافِضِيِّ عِنْدَ الْمَلِكِ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ دِينِ الْمَلِكِ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ دِينِ الْمَلِكِ فَقَتَلَهُ وَ اسْتَخْلَصَ أَرْضَهُ فَغَضِبَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِ عِنْدَ ذَلِكَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى إِدْرِيسَ أَنِ ائْتِ عَبْدِي هَذَا الْجَبَّارَ فَقُلْ لَهُ: أَ مَا رَضِيتَ أَنْ قَتَلْتَ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنَ ظُلْماً حَتَّى اسْتَخْلَصْتَ أَرْضَهُ خَالِصَةً لَكَ فَأَحْوَجْتَ عِيَالَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَجَعْتَهُمْ أَمَا وَ عِزَّتِي لَأَنْتَقِمَنَّ لَهُ مِنْكَ فِي الْآجِلِ وَ لَأَسْلُبَنَّكَ مُلْكَكَ فِي الْعَاجِلِ وَ لَأُخَرِّبَنَّ مَدِينَتَكَ وَ لَأُذِلَّنَّ عِزَّكَ وَ لَأُطْعِمَنَّ الْكِلَابَ‏ لَحْمَ امْرَأَتِكَ فَقَدْ غَرَّكَ يَا مُبْتَلَى حِلْمِي عَنْكَ فَأَتَاهُ إِدْرِيسُ علیه السلام بِرِسَالَةِ رَبِّهِ وَ هُوَ فِي مَجْلِسِهِ وَ حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالَ أَيُّهَا الْجَبَّارُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ وَ هُوَ يَقُولُ لَكَ أَ مَا رَضِيتَ أَنْ قَتَلْتَ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنَ ظُلْماً حَتَّى اسْتَخْلَصْتَ أَرْضَهُ خَالِصَةً لَكَ وَ أَحْوَجْتَ عِيَالَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَجَعْتَهُمْ أَمَا وَ عِزَّتِي لَأَنْتَقِمَنَّ لَهُ مِنْكَ فِي الْآجِلِ وَ لَأَسْلُبَنَّكَ مُلْكَكَ فِي الْعَاجِلِ وَ لَأُخَرِّبَنَّ مَدِينَتَكَ وَ لَأُذِلَّنَّ عِزَّكَ وَ لَأُطْعِمَنَّ الْكِلَابَ لَحْمَ امْرَأَتِكَ فَقَالَ الْجَبَّارُ: اخْرُجْ عَنِّي يَا إِدْرِيسُ فَلَنْ تَسْبِقَنِي بِنَفْسِكَ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَخْبَرَهَا بِمَا جَاءَ بِهِ إِدْرِيسُ فَقَالَتْ لَا تَهُولَنَّكَ رِسَالَةُ إِلَهِ إِدْرِيسَ أَنَا أَكْفِيكَ أَمْرَ إِدْرِيسَ أُرْسِلُ إِلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ فَتَبْطُلُ رِسَالَةُ إِلَهِهِ وَ كُلُّ مَا جَاءَكَ بِهِ قَالَ: فَافْعَلِي وَ كَانَ لِإِدْرِيسَ أَصْحَابٌ مِنَ الرَّافِضَةِ مُؤْمِنُونَ يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ لَهُ فَيَأْنَسُونَ بِهِ وَ يَأْنَسُ بِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ إِدْرِيسُ بِمَا كَانَ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ وَ رِسَالَتِهِ إِلَى الْجَبَّارِ وَ مَا كَانَ مِنْ تَبْلِيغِهِ رِسَالَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى الْجَبَّارِ فَأَشْفَقُوا عَلَى إِدْرِيسَ وَ أَصْحَابِهِ وَ خَافُوا عَلَيْهِ الْقَتْلَ وَ بَعَثَتِ امْرَأَةُ الْجَبَّارِ إِلَى إِدْرِيسَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَزَارِقَةِ لِيَقْتُلُوهُ فَأَتَوْهُ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ فِيهِ أَصْحَابُهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَانْصَرَفُوا وَ قَدْ رَآهُمْ أَصْحَابُ إِدْرِيسَ فَحَسِبُوا أَنَّهُمْ أَتَوْا إِدْرِيسَ لِيَقْتُلُوهُ فَتَفَرَّقُوا فِي طَلَبِهِ فَلَقُوهُ فَقَالُوا لَهُ خُذْ حِذْرَكَ يَا إِدْرِيسُ فَإِنَّ الْجَبَّارَ قَاتِلُكَ قَدْ بَعَثَ الْيَوْمَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَزَارِقَةِ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَتَنَحَّى إِدْرِيسُ عَنِ الْقَرْيَةِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا كَانَ فِي السَّحَرِ نَاجَى إِدْرِيسُ رَبَّهُ فَقَالَ يَا رَبِّ بَعَثْتَنِي إِلَى جَبَّارٍ فَبَلَّغْتُ رِسَالَتَكَ وَ قَدْ تَوَعَّدَنِي هَذَا الْجَبَّارُ بِالْقَتْلِ بَلْ هُوَ قَاتِلِي إِنْ ظَفِرَ بِي فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ تَنَحَّ عَنْهُ وَ اخْرُجْ مِنْ قَرْيَتِهِ وَ خَلِّنِي وَ إِيَّاهُ فَوَ عِزَّتِي لَأُنْفِذَنَّ فِيهِ أَمْرِي وَ لَأُصَدِّقَنَّ قَوْلَكَ فِيهِ وَ مَا أَرْسَلْتُكَ بِهِ إِلَيْهِ فَقَالَ إِدْرِيسُ يَا رَبِّ إِنَّ لِي حَاجَةً قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ سَلْ‏ تُعْطَهَا قَالَ أَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَ مَا حَوْلَهَا وَ مَا حَوَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَسْأَلَكَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَا إِدْرِيسُ إِذاً تَخْرُبُ الْقَرْيَةُ وَ يَشْتَدُّ جَهْدُ أَهْلِهَا وَ يَجُوعُونَ قَالَ إِدْرِيسُ وَ إِنْ خَرِبَتْ وَ جَهَدُوا وَ جَاعُوا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكَ مَا سَأَلْتَ وَ لَنْ أُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَسْأَلَنِي ذَلِكَ وَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَى بِوَعْدِهِ فَأَخْبَرَ إِدْرِيسُ أَصْحَابَهُ بِمَا سَأَلَ اللَّهَ مِنْ حَبْسِ الْمَطَرِ عَنْهُمْ وَ بِمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ وَ وَعَدَهُ أَنْ لَا يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَسْأَلَهُ ذَلِكَ فَاخْرُجُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْقُرَى فَخَرَجُوا مِنْهَا وَ عِدَّتُهُمْ يَوْمَئِذٍ عِشْرُونَ رَجُلًا فَتَفَرَّقُوا فِي الْقُرَى وَ شَاعَ خَبَرُ إِدْرِيسَ فِي الْقُرَى بِمَا سَأَلَ رَبَّهُ تَعَالَى وَ تَنَحَّى إِدْرِيسُ إِلَى كَهْفٍ فِي جَبَلٍ شَاهِقٍ فَلَجَأَ إِلَيْهِ وَ وَكَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ مَلَكاً يَأْتِيهِ بِطَعَامِهِ عِنْدَ كُلِّ مَسَاءٍ وَ كَانَ يَصُومُ النَّهَارَ فَيَأْتِيهِ الْمَلَكُ بِطَعَامِهِ عِنْدَ كُلِّ مَسَاءٍ وَ سَلَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ مُلْكَ الْجَبَّارِ وَ قَتَلَهُ وَ أَخْرَبَ مَدِينَتَهُ وَ أَطْعَمَ الْكِلَابَ لَحْمَ امْرَأَتِهِ غَضَباً لِلْمُؤْمِنِ فَظَهَرَ فِي الْمَدِينَةِ جَبَّارٌ آخَرُ عَاصٍ فَمَكَثُوا بِذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ إِدْرِيسَ مِنَ الْقَرْيَةِ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ تُمْطِرِ السَّمَاءُ عَلَيْهِمْ قَطْرَةً مِنْ مَائِهَا عَلَيْهِمْ فَجَهَدَ الْقَوْمُ وَ اشْتَدَّتْ حَالُهُمْ وَ صَارُوا يَمْتَارُونَ الْأَطْعِمَةَ مِنَ الْقُرَى مِنْ بُعْدٍ فَلَمَّا جَهَدُوا مَشَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا إِنَّ الَّذِي نَزَلَ بِنَا مِمَّا تَرَوْنَ بِسُؤَالِ إِدْرِيسَ رَبَّهُ أَنْ لَا يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْنَا حَتَّى يَسْأَلَهُ هُوَ وَ قَدْ خَفِيَ إِدْرِيسُ عَنَّا وَ لَا عِلْمَ لَنَا بِمَوْضِعِهِ وَ اللَّهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْهُ فَأَجْمَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى أَنْ يَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَ يَدْعُوهُ وَ يَفْزَعُوا إِلَيْهِ وَ يَسْأَلُوهُ أَنْ يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ وَ عَلَى مَا حَوَتْ قَرْيَتُهُمْ فَقَامُوا عَلَى الرَّمَادِ وَ لَبِسُوا الْمُسُوحَ وَ حَثَوْا عَلَى رُءُوسِهِمُ التُّرَابَ وَ عَجُّوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ وَ الِاسْتِغْفَارِ وَ الْبُكَاءِ وَ التَّضَرُّعِ إِلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ حَلَّ إِلَى إِدْرِيسَ يَا إِدْرِيسُ إِنَّ أَهْلَ قَرْيَتِكَ قَدْ عَجُّوا إِلَيَّ بِالتَّوْبَةِ وَ الِاسْتِغْفَارِ وَ الْبُكَاءِ وَ التَّضَرُّعِ وَ أَنَا اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ أَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَ أَعْفُو عَنِ السَّيِّئَةِ وَ قَدْ رَحِمْتُهُمْ وَ لَمْ يَمْنَعْنِي إِجَابَتَهُمْ إِلَى مَا سَأَلُونِي مِنَ الْمَطَرِ إِلَّا مُنَاظَرَتُكَ فِيمَا سَأَلْتَنِي أَنْ لَا أُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَسْأَلَنِي فَسَلْنِي يَا إِدْرِيسُ حَتَّى أُغِيثَهُمْ وَ أُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ قَالَ إِدْرِيسُ اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَسْأَلُكَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَ لَمْ تَسْأَلْنِي يَا إِدْرِيسُ فَأَجَبْتُكَ إِلَى مَا سَأَلْتَ وَ أَنَا أَسْأَلُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي فَلِمَ لَا تجب [تُجِيبُ‏] مَسْأَلَتِي قَالَ إِدْرِيسُ اللَّهُمَّ لَا أَسْأَلُكَ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى الْمَلَكِ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ إِدْرِيسَ بِطَعَامِهِ كُلَّ مَسَاءٍ أَنِ احْبِسْ عَنْ إِدْرِيسَ ع طَعَامَهُ وَ لَا تَأْتِهِ بِهِ فَلَمَّا أَمْسَى إِدْرِيسُ فِي لَيْلَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَمْ يُؤْتَ بِطَعَامِهِ حَزِنَ وَ جَاعَ فَصَبَرَ فَلَمَّا كَانَ فِي لَيْلَةِ الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَمْ يُؤْتَ بِطَعَامِهِ اشْتَدَّ حُزْنُهُ وَ جُوعُهُ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ مِنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَمْ يُؤْتَ بِطَعَامِهِ اشْتَدَّ جُهْدُهُ وَ جُوعُهُ وَ حُزْنُهُ وَ قَلَّ صَبْرُهُ فَنَادَى رَبَّهُ يَا رَبِّ حَبَسْتَ عَنِّي رِزْقِي مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْبِضَ رُوحِي فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ يَا إِدْرِيسُ جَزِعْتَ أَنْ حَبَسْتُ عَنْكَ طَعَامَكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَ لَيَالِيَهَا وَ لَمْ تَجْزَعْ وَ لَمْ تَذْكُرْ جُوعَ أَهْلِ قَرْيَتِكَ وَ جُهْدَهُمْ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ سَأَلْتُكَ عَنْ جُهْدِهِمْ وَ رَحْمَتِي إِيَّاهُمْ أَنْ تَسْأَلَنِي أَنْ أُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَسْأَلْنِي وَ بَخِلْتَ عَلَيْهِمْ بِمَسْأَلَتِكَ إِيَّايَ فَأَدَّبْتُكَ بِالْجُوعِ فَقَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ صَبْرُكَ وَ ظَهَرَ جَزَعُكَ فَاهْبِطْ مِنْ مَوْضِعِكَ فَاطْلُبِ الْمَعَاشَ لِنَفْسِكَ فَقَدْ وَكَلْتُكَ فِي طَلَبِهِ إِلَى حِيلَتِكَ فَهَبَطَ إِدْرِيسُ ع مِنْ مَوْضِعِهِ إِلَى قَرْيَةٍ يَطْلُبُ أُكْلَةً مِنْ جُوعٍ فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ نَظَرَ إِلَى دُخَانٍ فِي بَعْضِ مَنَازِلِهَا فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ فَهَجَمَ عَلَى عَجُوزٍ كَبِيرَةٍ وَ هِيَ تُرَقِّقُ قُرْصَتَيْنِ لَهَا عَلَى مِقْلَاةٍ فَقَالَ لَهَا أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ أَطْعِمِينِي فَإِنِّي مَجْهُودٌ مِنَ الْجُوعِ فَقَالَتْ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا تَرَكَتْ لَنَا دَعْوَةُ إِدْرِيسَ فَضْلًا نُطْعِمُهُ أَحَداً وَ حَلَفَتْ أَنَّهَا مَا تَمْلِكُ غَيْرَهُ شَيْئاً فَاطْلُبِ الْمَعَاشَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَقَالَ لَهَا أَطْعِمِينِي مَا أُمْسِكُ بِهِ رُوحِي وَ تَحْمِلُنِي بِهِ رِجْلِي إِلَى أَنْ أَطْلُبَ قَالَتْ إِنَّمَا هُمَا قُرْصَتَانِ وَاحِدَةٌ لِي وَ الْأُخْرَى لِابْنِي فَإِنْ أَطْعَمْتُكَ قُوتِي مِتُّ وَ إِنْ أَطْعَمْتُكَ قُوتَ ابْنِي مَاتَ وَ مَا هَاهُنَا فَضْلٌ أُطْعِمُكَهُ فَقَالَ لَهَا إِنَ ابْنَكَ صَغِيرٌ يُجْزِيهِ نِصْفُ قُرْصَةٍ فَيَحْيَا بِهِ وَ يُجْزِينِي النِّصْفُ الْآخَرُ فَأَحْيَا بِهِ وَ فِي ذَلِكِ بُلْغَةٌ لِي وَ لَهُ فَأَكَلَتِ الْمَرْأَةُ قُرْصَتَهَا وَ كَسَرَتِ الْأُخْرَى بَيْنَ إِدْرِيسَ وَ بَيْنَ ابْنِهَا فَلَمَّا رَأَى ابْنُهَا إِدْرِيسَ يَأْكُلُ مِنْ قُرْصَتِهِ اضْطَرَبَ حَتَّى مَاتَ قَالَتْ أُمُّهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ قَتَلْتَ عَلَيَّ ابْنِي جَزَعاً عَلَى قُوتِهِ قَالَ لَهَا إِدْرِيسُ فَأَنَا أُحْيِيهِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَجْزَعِي ثُمَّ أَخَذَ إِدْرِيسُ بِعَضُدَيِ الصَّبِيِّ ثُمَّ قَالَ أَيَّتُهَا الرُّوحُ الْخَارِجَةُ عَنْ بَدَنِ هَذَا الْغُلَامِ بِأَمْرِ اللَّهِ ارْجِعِي إِلَى بَدَنِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ أَنَا إِدْرِيسُ النَّبِيُّ فَرَجَعَتْ رُوحُ الْغُلَامِ إِلَيْهِ بِإِذْنِ اللَّهِ فَلَمَّا سَمِعَتِ الْمَرْأَةُ كَلَامَ إِدْرِيسَ وَ قَوْلَهُ أَنَا إِدْرِيسُ وَ نَظَرَتْ عَلَى ابْنِهَا قَدْ عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَتْ أَشْهَدُ أَنَّكَ إِدْرِيسُ النَّبِيُّ وَ خَرَجَتْ تُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهَا فِي الْقَرْيَةِ أَبْشِرُوا بِالْفَرَجِ فَقَدْ دَخَلَ إِدْرِيسُ قَرْيَتَكُمْ وَ مَضَى إِدْرِيسُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى مَوْضِعِ مَدِينَةِ الْجَبَّارِ الْأَوَّلِ فَوَجَدَهَا وَ هِيَ تَلٌّ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ فَقَالُوا لَهُ يَا إِدْرِيسُ أَ مَا رَحِمْتَنَا فِي هَذِهِ الْعِشْرِينَ سَنَةً الَّتِي جُهِدْنَا فِيهَا وَ مَسَّنَا الْجُوعُ وَ الْجُهْدُ فِيهَا فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْنَا قَالَ لَا حَتَّى يَأْتِيَنِي جَبَّارُكُمْ هَذَا وَ جَمِيعُ أَهْلِ قَرْيَتِكُمْ مُشَاةً حُفَاةً فَيَسْأَلُونِي ذَلِكَ فَبَلَغَ الْجَبَّارَ قَوْلُهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَرْبَعِينَ رَجُلًا يَأْتُوهُ بِإِدْرِيسَ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا لَهُ إِنَّ الْجَبَّارَ بَعَثَنَا إِلَيْكَ لِنَذْهَبَ بِكَ إِلَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَمَاتُوا فَبَلَغَ الْجَبَّارَ ذَلِكَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ خَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ لِيَأْتُوهُ بِهِ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا لَهُ يَا إِدْرِيسُ علیه السلام إِنَّ الْجَبَّارَ بَعَثَنَا إِلَيْكَ لِنَذْهَبَ بِكَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ إِدْرِيسُ انْظُرُوا إِلَى مَصَارِعِ أَصْحَابِكُمْ فَقَالُوا لَهُ يَا إِدْرِيسُ قَتَلْتَنَا بِالْجُوعِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَدْعُوَ عَلَيْنَا بِالْمَوْتِ أَ مَا لَكَ رَحْمَةٌ فَقَالَ مَا أَنَا بِذَاهِبٍ إِلَيْهِ وَ مَا أَنَا بِسَائِلِ اللَّهِ أَنْ يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ حَتَّى يَأْتِيَنِي جَبَّارُكُمْ مَاشِياً حَافِياً وَ أَهْلُ قَرْيَتِكُمْ فَانْطَلَقُوا إِلَى الْجَبَّارِ فَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ إِدْرِيسَ وَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْضِيَ مَعَهُمْ وَ جَمِيعُ أَهْلِ قَرْيَتِهِمْ إِلَى إِدْرِيسَ مُشَاةً حُفَاةً فَأَتَوْهُ حَتَّى وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ خَاضِعِينَ لَهُ طَالِبِينَ إِلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُمْ أَنْ يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ إِدْرِيسُ أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ فَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِدْرِيسُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ وَ عَلَى قَرْيَتِهِمْ وَ نَوَاحِيهَا فَأَظَلَّتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنَ السَّمَاءِ وَ أَرْعَدَتْ وَ أَبْرَقَتْ وَ هَطَلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ سَاعَتِهِمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ الْغَرَقُ فَمَا رَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ حَتَّى أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ مِنَ الْمَاءِ.

(كمال الدين و تمام النعمة، (من کتب القرن الرابع) ‏1: صص 127 -132، ح 1)