فأول الغيبات غيبة إدريس النبي علیه لسلام المشهورة حتى آل الأمر بشيعته إلى أن تعذر عليهم القوت و قتل الجبار من قتل منهم و أفقر و أخاف باقيتهم ثم ظهر علیه السلام فوعد شيعته بالفرج و بقيام القائم من ولده و هو نوح علیه السلام ثم رفع الله عز و جل إدريس علیه السلام إليه فلم تزل الشيعة يتوقعون قيام نوح علیه السلام قرنا بعد قرن و خلفا عن سلف صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتى ظهرت نبوة نوح علیه السلام و بعد نوح وقع غيبة صالح عليه و بعد صالح وقع غيبة ابراهیم علیه السلام و بعد ابراهیم وقع غيبة یوسف علیه السلام و بعد یوسف وقع غيبة موسی علیه السلام. اشتد امر شیعته فی زمن فرعون واستغاثوا الی الله و اصلح الله امره فی لیلة.
قال الصدوق: حَدَّثَنَا أَبِي وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالا حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ وَ أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ جَمِيعاً قَالُوا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الْبَزَنْطِيِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: إِنَّ يُوسُفَ بْنَ يَعْقُوبَ ص حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَمَعَ آلَ يَعْقُوبَ وَ هُمْ ثَمَانُونَ رَجُلًا فَقَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقِبْطَ سَيَظْهَرُونَ عَلَيْكُمْ وَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَ إِنَّمَا يُنْجِيكُمُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ بِرَجُلٍ مِنْ وُلْدِ لَاوَى بْنِ يَعْقُوبَ اسْمُهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ علیه السلام غُلَامٌ طُوَالٌ جَعْدٌ آدَمُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُسَمِّي ابْنَهُ عِمْرَانَ وَ يُسَمِّي عِمْرَانُ ابْنَهُ مُوسَى.
فَذَكَرَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: مَا خَرَجَ مُوسَى حَتَّى خَرَجَ قَبْلَهُ خَمْسُونَ كَذَّاباً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فَبَلَغَ فِرْعَوْنَ أَنَّهُمْ يُرْجِفُونَ بِهِ وَ يَطْلُبُونَ هَذَا الْغُلَامَ وَ قَالَ لَهُ كَهَنَتُهُ وَ سَحَرَتُهُ إِنَّ هَلَاكَ دِينِكَ وَ قَوْمِكَ عَلَى يَدَيْ هَذَا الْغُلَامِ الَّذِي يُولَدُ الْعَامَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَوَضَعَ الْقَوَابِلَ عَلَى النِّسَاءِ وَ قَالَ لَا يُولَدُ الْعَامَ وَلَدٌ إِلَّا ذُبِحَ وَ وَضَعَ عَلَى أُمِّ مُوسَى قَابِلَةً فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَالُوا إِذَا ذُبِحَ الْغِلْمَانُ وَ اسْتُحْيِيَ النِّسَاءُ هَلَكْنَا فَلَمْ نَبْقَ فَتَعَالَوْا لَا نَقْرَبِ النِّسَاءَ فَقَالَ عِمْرَانُ أَبُو مُوسَى علیه السلام بَلْ بَاشِرُوهُنَّ فَإِنَّ أَمْرَ اللَّهِ وَاقِعٌ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ اللَّهُمَّ مَنْ حَرَّمَهُ فَإِنِّي لَا أُحَرِّمُهُ وَ مَنْ تَرَكَهُ فَإِنِّي لَا أَتْرُكُهُ وَ وَقَعَ عَلَى أُمِّ مُوسَى فَحَمَلَتْ فَوَضَعَ عَلَى أُمِّ مُوسَى قَابِلَةً تَحْرُسُهَا فَإِذَا قَامَتْ قَامَتْ وَ إِذَا قَعَدَتْ قَعَدَتْ فَلَمَّا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْمَحَبَّةُ وَ كَذَلِكَ حُجَجُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ فَقَالَتْ لَهَا الْقَابِلَةُ مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ تَصْفَرِّينَ وَ تَذُوبِينَ قَالَتْ لَا تَلُومِينِي فَإِنِّي إِذَا وَلَدْتُ أُخِذَ وَلَدِي فَذُبِحَ قَالَتْ: لَا تَحْزَنِي فَإِنِّي سَوْفَ أَكْتُمُ عَلَيْكِ فَلَمْ تُصَدِّقْهَا فَلَمَّا أَنْ وَلَدَتْ الْتَفَتَتْ إِلَيْهَا وَ هِيَ مُقْبِلَةٌ فَقَالَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ فَقَالَتْ لَهَا أَ لَمْ أَقُلْ إِنِّي سَوْفَ أَكْتُمُ عَلَيْكِ ثُمَّ حَمَلَتْهُ فَأَدْخَلَتْهُ الْمِخْدَعَ وَ أَصْلَحَتْ أَمْرَهُ ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى الْحَرَسِ فَقَالَتِ انْصَرِفُوا وَ كَانُوا عَلَى الْبَابِ فَإِنَّمَا خَرَجَ دَمٌ مُنْقَطِعٌ فَانْصَرَفُوا فَأَرْضَعَتْهُ فَلَمَّا خَافَتْ عَلَيْهِ الصَّوْتَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا أَنِ اعْمَلِي التَّابُوتَ ثُمَّ اجْعَلِيهِ فِيهِ ثُمَّ أَخْرِجِيهِ لَيْلًا فَاطْرَحِيهِ فِي نِيلِ مِصْرَ فَوَضَعَتْهُ فِي التَّابُوتِ ثُمَّ دَفَعَتْهُ فِي الْيَمِّ فَجَعَلَ يَرْجِعُ إِلَيْهَا وَ جَعَلَتْ تَدْفَعُهُ فِي الْغَمْرِ وَ إِنَّ الرِّيحَ ضَرَبَتْهُ فَانْطَلَقَتْ بِهِ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَدْ ذَهَبَ بِهِ الْمَاءُ هَمَّتْ أَنْ تَصِيحَ فَرَبَطَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهَا. قَالَ: وَ كَانَتِ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَ هِيَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَتْ لِفِرْعَوْنَ: إِنَّهَا أَيَّامُ الرَّبِيعِ فَأَخْرِجْنِي وَ اضْرِبْ لِي قُبَّةً عَلَى شَطِّ النِّيلِ حَتَّى أَتَنَزَّهَ هَذِهِ الْأَيَّامَ فَضُرِبَتْ لَهَا قُبَّةٌ عَلَى شَطِّ النِّيلِ إِذْ أَقْبَلَ التَّابُوتُ يُرِيدُهَا فَقَالَتْ هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى عَلَى الْمَاءِ قَالُوا إِي وَ اللَّهِ يَا سَيِّدَتَنَا إِنَّا لَنَرَى شَيْئاً فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا ثَارَتْ إِلَى الْمَاءِ فَتَنَاوَلَتْهُ بِيَدِهَا وَ كَادَ الْمَاءُ يَغْمُرُهَا حَتَّى تَصَايَحُوا عَلَيْهَا فَجَذَبَتْهُ وَ أَخْرَجَتْهُ مِنَ الْمَاءِ فَأَخَذَتْهُ فَوَضَعَتْهُ فِي حَجْرِهَا فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ أَجْمَلُ النَّاسِ وَ أَسْتَرُهُمْ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ مِنْهَا مَحَبَّةٌ فَوَضَعَتْهُ فِي حَجْرِهَا وَ قَالَتْ: هَذَا ابْنِي. فَقَالُوا: إِي وَ اللَّهِ يَا سَيِّدَتَنَا وَ اللَّهِ مَا لَكِ وَلَدٌ وَ لَا لِلْمَلِكِ فَاتَّخِذِي هَذَا وَلَداً فَقَامَتْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَ قَالَتْ إِنِّي أَصَبْتُ غُلَاماً طَيِّباً حُلْواً نَتَّخِذُهُ وَلَداً فَيَكُونُ قُرَّةَ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ فَلَا تَقْتُلْهُ قَالَ: وَ مِنْ أَيْنَ هَذَا الْغُلَامُ؟ قَالَتْ: وَ اللَّهِ مَا أَدْرِي إِلَّا أَنَّ الْمَاءَ جَاءَ بِهِ فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّى رَضِيَ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ أَنَّ الْمَلِكَ قَدْ تَبَنَّى ابْناً لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ رُءُوسِ مَنْ كَانَ مَعَ فِرْعَوْنَ إِلَّا بَعَثَ إِلَيْهِ امْرَأَتَهُ لِتَكُونَ لَهُ ظِئْراً أَوْ تَحْضُنَهُ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنِ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ ثَدْياً قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ اطْلُبُوا لِابْنِي ظِئْراً وَ لَا تُحَقِّرُوا أَحَداً فَجَعَلَ لَا يَقْبَلُ مِنِ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ. فَقَالَتْ أُمُّ مُوسَى لِأُخْتِهِ: قُصِّيهِ انْظُرِي أَ تَرَيْنَ لَهُ أَثَراً فَانْطَلَقَتْ حَتَّى أَتَتْ بَابَ الْمَلِكِ فَقَالَتْ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ ظِئْراً وَ هَاهُنَا امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ تَأْخُذُ وَلَدَكُمْ وَ تَكْفُلُهُ لَكُمْ فَقَالَتْ أَدْخِلُوهَا فَلَمَّا دَخَلَتْ قَالَتْ لَهَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مِمَّنْ أَنْتِ قَالَتْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَتِ اذْهَبِي يَا بُنَيَّةِ فَلَيْسَ لَنَا فِيكِ حَاجَةٌ فَقُلْنَ لَهَا النِّسَاءُ انْظُرِي عَافَاكِ اللَّهُ يَقْبَلُ أَوْ لَا يَقْبَلُ فَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ أَ رَأَيْتُمْ لَوْ قَبِلَ هَلْ يَرْضَى فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ الْمَرْأَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْنِي الظِّئْرَ فَلَا يَرْضَى قُلْنَ فَانْظُرِي يَقْبَلُ أَوْ لَا يَقْبَلُ قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ فَاذْهَبِي فَادْعِيهَا فَجَاءَتْ إِلَى أُمِّهَا وَ قَالَتْ إِنَّ امْرَأَةَ الْمَلِكِ تَدْعُوكِ فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا فَدُفِعَ إِلَيْهَا مُوسَى فَوَضَعَتْهُ فِي حَجْرِهَا ثُمَّ أَلْقَمَتْهُ ثَدْيَهَا فَازْدَحَمَ اللَّبَنُ فِي حَلْقِهِ فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ أَنَّ ابْنَهَا قَدْ قَبِلَ قَامَتْ إِلَى فِرْعَوْنَ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَصَبْتُ لِابْنِي ظِئْراً وَ قَدْ قَبِلَ مِنْهَا فَقَالَ مِمَّنْ هِيَ قَالَتْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ فِرْعَوْنُ هَذَا مِمَّا لَا يَكُونُ أَبَداً الْغُلَامُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ الظِّئْرُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ تَزَلْ تُكَلِّمُهُ فِيهِ وَ تَقُولُ مَا تَخَافُ مِنْ هَذَا الْغُلَامِ إِنَّمَا هُوَ ابْنُكَ يَنْشَأُ فِي حَجْرِكَ حَتَّى قَلَبَتْهُ عَنْ رَأْيِهِ وَ رَضِيَ فَنَشَأَ مُوسَى علیه السلام فِي آلِ فِرْعَوْنَ وَ كَتَمَتْ أُمُّهُ خَبَرَهُ وَ أُخْتُهُ وَ الْقَابِلَةُ حَتَّى هَلَكَتْ أُمُّهُ وَ الْقَابِلَةُ الَّتِي قَبِلَتْهُ فَنَشَأَ علیه السلام لَا يَعْلَمُ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَالَ وَ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَطْلُبُهُ وَ تَسْأَلُ عَنْهُ فَيَعْمَى عَلَيْهِمْ خَبَرُهُ. قَالَ: فَبَلَغَ فِرْعَوْنَ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَهُ وَ يَسْأَلُونَ عَنْهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَزَادَ فِي الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ وَ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ وَ نَهَاهُمْ عَنِ الْإِخْبَارِ بِهِ وَ السُّؤَالِ عَنْهُ قَالَ: فَخَرَجَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ إِلَى شَيْخٍ لَهُمْ عِنْدَهُ عِلْمٌ. فَقَالُوا: قَدْ كُنَّا نَسْتَرِيحُ إِلَى الْأَحَادِيثِ فَحَتَّى مَتَى وَ إِلَى مَتَى نَحْنُ فِي هَذَا الْبَلَاءِ. قَالَ: وَ اللَّهِ إِنَّكُمْ لَا تَزَالُونَ فِيهِ حَتَّى يَجِيءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِغُلَامٍ مِنْ وُلْدِ لَاوَى بْنِ يَعْقُوبَ اسْمُهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ غُلَامٌ طُوَالٌ جَعْدٌ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ مُوسَى يَسِيرُ عَلَى بَغْلَةٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَرَفَعَ الشَّيْخُ رَأْسَهُ فَعَرَفَهُ بِالصِّفَةِ فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ قَالَ: مُوسَى. قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ عِمْرَانَ. قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَبَّلَهَا وَ ثَارُوا إِلَى رِجْلِهِ فَقَبَّلُوهَا فَعَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ وَ اتَّخَذَ شِيعَةً فَمَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ خَرَجَ فَدَخَلَ مَدِينَةً لِفِرْعَوْنَ فِيهَا رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِهِ يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ مِنَ الْقِبْطِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ الْقِبْطِيِّ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ وَ كَانَ مُوسَى علیه السلام قَدْ أُعْطِيَ بَسْطَةً فِي الْجِسْمِ وَ شِدَّةً فِي الْبَطْشِ فَذَكَرَهُ النَّاسُ وَ شَاعَ أَمْرُهُ وَ قَالُوا إِنَّ مُوسَى قَتَلَ رَجُلًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَلَمَّا أَصْبَحُوا مِنَ الْغَدِ إِذَا الرَّجُلُ الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ عَلَى آخَرَ فَ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ بِالْأَمْسِ رَجُلٌ وَ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ: يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ: يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَخَرَجَ مِنْ مِصْرَ بِغَيْرِ ظَهْرٍ وَ لَا دَابَّةٍ وَ لَا خَادِمٍ تَخْفِضُهُ أَرْضٌ وَ تَرْفَعُهُ أُخْرَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَرْضِ مَدْيَنَ فَانْتَهَى إِلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ فَنَزَلَ فَإِذَا تَحْتَهَا بِئْرٌ وَ إِذَا عِنْدَهَا أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَ إِذَا جَارِيَتَانِ ضَعِيفَتَانِ وَ إِذَا مَعَهُمَا غُنَيْمَةٌ لَهُمَا قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا أَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ وَ نَحْنُ جَارِيَتَانِ ضَعِيفَتَانِ لَا نَقْدِرُ أَنْ نُزَاحِمَ الرِّجَالَ فَإِذَا سَقَى النَّاسُ سَقَيْنَا فَرَحِمَهُمَا مُوسَى علیه السلام فَأَخَذَ دَلْوَهُمَا وَ قَالَ لَهُمَا قَدِّمَا غَنَمَكُمَا فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ رَجَعَتَا بُكْرَةً قَبْلَ النَّاسِ ثُمَّ تَوَلَّى مُوسَى إِلَى الشَّجَرَةِ فَجَلَسَ تَحْتَهَا فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى شِقِّ تَمْرَةٍ فَلَمَّا رَجَعَتَا إِلَى أَبِيهِمَا قَالَ مَا أَعْجَلَكُمَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ قَالَتَا وَجَدْنَا رَجُلًا صَالِحاً رَحِمَنَا فَسَقَى لَنَا فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا: اذْهَبِي فَادْعِيهِ لِي فَجَاءَتْهُ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى علیه السلام قَالَ لَهَا وَجِّهِينِي إِلَى الطَّرِيقِ وَ امْشِي خَلْفِي فَإِنَّا بَنُو يَعْقُوبَ لَا نَنْظُرُ فِي أَعْجَازِ النِّسَاءِ فَلَمَّا جاءَهُ وَ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ.
فَرُوِيَ أَنَّهُ قَضَى أَتَمَّهُمَا لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ علیهم السلام لَا يَأْخُذُونَ إِلَّا بِالْفَضْلِ وَ التَّمَامِ فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَخْطَأَ عَنِ الطَّرِيقِ لَيْلًا فَرَأَى نَاراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ بِخَبَرٍ مِنَ الطَّرِيقِ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّارِ إِذَا شَجَرَةٌ تَضْطَرِمُ مِنْ أَسْفَلِهَا إِلَى أَعْلَاهَا فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا تَأَخَّرَتْ عَنْهُ فَرَجَعَ وَ أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً ثُمَّ دَنَتْ مِنْهُ الشَّجَرَةُ فَنُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ فَإِذَا حَيَّةٌ مِثْلُ الْجِذْعِ لِأَسْنَانِهَا صَرِيرٌ يَخْرُجُ مِنْهَا مِثْلُ لَهَبِ النَّارِ فَوَلَّى مُوسَى مُدْبِراً فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ارْجِعْ فَرَجَعَ وَ هُوَ يَرْتَعِدُ وَ رُكْبَتَاهُ تَصْطَكَّانِ. فَقَالَ: يَا إِلَهِي هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي أَسْمَعُ كَلَامُكَ قَالَ نَعَمْ فَلَا تَخَفْ فَوَقَعَ عَلَيْهِ الْأَمَانُ فَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى ذَنَبِهَا ثُمَّ تَنَاوَلَ لَحْيَيْهَا فَإِذَا يَدُهُ فِي شُعْبَةِ الْعَصَا قَدْ عَادَتْ عَصًا وَ قِيلَ لَهُ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً.
فَرُوِيَ أَنَّهُ أُمِرَ بِخَلْعِهِمَا لِأَنَّهُمَا كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ ..
وَ رُوِيَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أَيْ خَوْفَيْكَ خَوْفَكَ مِنْ ضِيَاعِ أَهْلِكَ وَ خَوْفَكَ مِنْ فِرْعَوْنَ ثُمَّ أَرْسَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى فِرْعَوْنَ وَ مَلَئِهِ بِآيَتَيْنِ بِيَدِهِ وَ الْعَصَا ..
فَرُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ كُنْ لِمَا لَا تَرْجُو أَرْجَى مِنْكَ لِمَا تَرْجُو فَإِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ علیه السلام خَرَجَ لِيَقْتَبِسَ لِأَهْلِهِ نَاراً فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ وَ هُوَ رَسُولٌ نَبِيٌّ فَأَصْلَحَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَمْرَ عَبْدِهِ وَ نَبِيِّهِ مُوسَى علیه السلام فِي لَيْلَةٍ وَ هَكَذَا يَفْعَلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بِالْقَائِمِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنَ الْأَئِمَّةِ علیهم السلام يَصْلُحُ لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ كَمَا أَصْلَحَ أَمْرَ نَبِيِّهِ مُوسَى علیه السلام وَ يُخْرِجُهُ مِنَ الْحَيْرَةِ وَ الْغَيْبَةِ إِلَى نُورِ الْفَرَجِ وَ الظُّهُور.
(كمال الدين و تمام النعمة (من کتب القرن الرابع) 1: صص 149 – 152 ح 13)
أحدث وجهات النظر