منها:
الكذب العجيب الذي تكاد تنشق منه الأرض و يظلم الهواء و تحبس منه قطر السماء، و هو نسبة أعاظمهم و علمائهم إلى كافة الإمامية أنهم يعتقدون أن المهدي عليه السلام يخرج في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى.
فقال ابن خلكان فيما تقدم من كلامه: و هم ينتظرون خروجه آخر الزمان من السرداب بسر من رأى.
فإن هذه النسبة مسلمة بین جمع من العلماء العامة.
قال ابن حجر في “الصواعق” و لقد أحسن القائل:
ما آن للسرداب أن يلد الذي – صيرتموه بزعمكم إنسانا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم – ثلثتم العنقاء و الغيلانا
قلت: إن كان العقل هو الذي يبعث الإنسان على أن يفتري على المسلمين و يكذب عليهم ثم يثبت ذلك في كتابه ثم يستهزء بهم و يهجوهم بما افترى عليهم فعلى عقولهم العفاء، إذ ليس بناؤهم على الافتراء فإنهم إن نسبوا أمراً إلى غيرهم ذكروا كتابه و موضعه و صاحبه و نقول: يا معاشر العلماء! و يا أيها الناظم الذي تذكر في أبياتك:
فيا للأعاجيب التي من عجيبها – أن اتخذ السرداب برجاً له البدر
هذه كتب الإمامية من قدمائهم و متأخريهم و أكابرهم و أصاغرهم من مطولاتها و مختصراتها عربيها و عجميها موجودة و كثير منها مطبوعة شايعة نبؤنا في أي كتاب يوجد هذا المطلب و من ذكر أنه عليه السلام يخرج من السرداب. و نحن كلما تفحصنا لم نجد للسرداب ذكراً في أحاديثهم إلا في موضع نادر أشرنا إليه فضلاً عن كونه برجاً يطلع منه هذا البدر، بل الموجود في أحاديثهم الكثيرة المعتبرة عندهم إن هذا البدر المنير يطلع من المطلع الذي طلعت منه الشمس البازغة جده المعظم صلى الله عليه و آله و سلم وهو مكّة المشرفة و لا علينا أن نسوق بعضها.
أخرج أبو محمّد الفضل بن شاذان النسابوري المتوفى في حياة أبي محمّد العسكري والد الحجة عليه السلام في كتابه في “الغيبة” حدثنا الحسن بن رباب قال: حدثنا أبو عبد الله عليه السلام حديثاً طويلاً عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في آخره: ثم يقع التدابر في الاختلاف بين أمراء العرب و العجم فلا يزالون يختلفون إلى أن يصير الأمر إلى رجل من ولد أبي سفيان _ إلى أن قال عليه السلام _ ثم يظهر أمير الامرة و قاتل الكفرة السلطان المأمول الذي تحير في غيبته العقول و هو التاسع من ولدك يا حسين! يظهر بين الركنين يظهر على الثقلين و لا يترك في الأرض الادنين طوبى للمؤمنين الذين أدركوا زمانه و لحقوا أوانه و شهدوا أيامه و لاقوا أقوامه.
قال: وحدّثنا صفوان بن يحيى رضي الله عنه، قال حدثنا محمّد بن حمران، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: إن القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر … فعند ذلك خروج قائمنا فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة و اجتمع ثلاثمائة و ثلاثة عشر و أوّل ما ينطق به هذه الآية: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إلى أن قال: فإذا اجتمع له العقد و هو عشرة آلاف خرج من مكة. الحديث.
حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر فيصبحون بمكة و هو قول الله عز و جل: (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً) و هم أصحاب القائم عليه السلام.
حدثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر رضي الله عنه قال: حدثنا عاصم بن حميد قال حدثنا محمّد بن مسلم قال: سأل رجل أبا عبدالله عليه السلام متى يظهر قائمكم؟ قال: إذا كثر الغواية و قل الهداية _ إلى أن قال _ فعند ذلك ينادي باسم القائم في ليلة ثلاثة و عشرين من شهر رمضان و يقوم في يوم عاشوراء فكأني أنظر إليه قائماً بين الركن و المقام و ينادي جبرائيل بين يديه: البيعة لله فيقبل شيعته إليه من أطراف الأرض تطوى لهم طياً حتّى يبايعوا ثم يسير إلى الكوفة فينزل على نجفها ثم يفرق الجنود منها إلى الأمصار لدفع عمال الدجال فيملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً. قال: فقلت له يا ابن رسول الله! فداك أبي و أمي أ يعلم أحد من أهل مكة من أين يجئ قائمكم إليها؟ قال: لا؛ ثم قال: لا يظهر إلا بغتة بين الركن و المقام.
حدّثنا محمّد بن أبي عمير قال: حدثنا جميل بن دراج قال: حدثنا ميسر ابن عبد العزيز الحنفي قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: إذا أذن الله تعالى للقائم في الخروج صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه و ناشدهم بالله و دعاهم إلى حقه و أن يسير فيهم بسيرة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و يعمل فيهم بعمله. فيبعث الله عز و جل جبرئيل عليه السلام فيقول جبرئيل: أنا أوّل من يبايعك أبسط يدك فيمسح على يده و قد وافاه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلاً فيبايعونه و يقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف نفس ثم يسير بها إلى المدينة.
و أخرج أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمي في كتاب “علل الشرایع” مسنداً عن بكير بن أعين عن أبي عبدالله عليه السلام في وصف الحجر و الركن الذي وضع فيه قال: و من ذلك الركن يهبط الطير على القائم فأول من يبايعه ذلك الطير و هو و الله جبرئيل و إلى ذلك المقام يسند ظهره و هو الحجة و الدليل على القائم و هو الشاهد لمن وافى ذلك المكان _ الحديث.
و أخرج النعماني في كتاب “الغيبة” مسنداً عن عبيدالله بن زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: ينادي باسم القائم عليه السلام فيؤتي و هو خلف المقام فيقال له قد نودي باسمك فما تتفظر ثم يؤخذ بيده فيبايع _ الحديث.
أخرج أبو العباس الدمشقي القرماني في كتاب “أخبار الأول” عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين سنة أحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع و يقوم في عاشوراء و يظهر يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن و المقام و شخص قائم على يديه ينادي البيعة البيعة فيسير إليه أنصاره من أطراف الأرض يبايعونه فيملأ الله تعالى به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً ثم يسير عن مكة حتى يأتي الكوفة فينزل على نجفها ثم يفرق الجنود منها إلى جميع الأمصار.
إلى غير ذلك مما لا يحصى، و لا يوجد في تمام الأحاديث المتعلقة بهذا الباب ما يعارضها و لا في كلام أحد من العلماء ما يخالفها فالى الله المشتكى و إليه نستعدي من هذا الإفتراء فعنده العدوى.

(راجع کشف الاستار عن وجه الغائب عن الابصار؛ الشیخ میرزا حسين النوري الطبرسي)