قالوا: إن الإمام الذي لا يحكم و لا يفتي و لا يقضي و لا يعطي و لا يأخذ و لا يتصرف في شيء و لا يراه أحد و لا ينتفع به أحد ما الفائدة في وجوده و وجوب التمسك به ؟و لذا قال ابن تيمية من علماء الحنابلة في “منهاج السنة”: مهدي الرافضة لا خير فيه إذ لا نفع ديني و لا دنيوي لغيبته _ انتهى.
و قال أبو سعيد عبدالرحمن بن المأمون المعروف بالمتولي الشافعي في “تتمة الإبانة”: لو أوصى لاجهل الناس يصرف إلى الإمامية المنتظرة للقائم.
و الجواب:
ان لوجوده الشريف نفعاً عاماً لجميع ما خلق الله تعالى في الأرض من المؤمن و الكافر و المشرك و المنافق و الحيوان و النبات و سكان الهواء و طبقات الأرض فإنه عليه السلام هو الأمان من أهل البيت عليهم السلام في هذه الأعصار. و قد قال صلى الله عليه و آله و سلم: النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض و هو الخليفة الثاني عشر.
و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: (لا يزال هذا الدين قائماً إلى إثني عشر من قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها).
و أنه أخرج ابن بطة العكبري في “الابانة” و في بعض طرقه كما تقدم ثم يكون الهرج فكل حي في الأرض يتعيش و يتنعم ببركة وجوده و بسبب وجوده أعطاهم الله تعالى و يعطيهم نعمة الوجود و الحياة و الرزق و لولاه لساخت الأرض بأهلها و قامت القيامة و أي نفع يطلب أعظم و أتم و اسبغ و أهنأ من هذا فإن قيل: لا أمان من آل محمّد عليهم السلام في هذه الأعصار، فهو رد لصريح هذه الأحاديث الصحيحة المتفقة عليها بين الفريقين.
و إن قيل بوجوده فإن كان مستوراً عاد المحذور و إلا فلا أظن أحداً عينه في شخص في كل قرن غير المهدي عليه السلام.
و قال الشيخ محیي الدين في الباب الثالث و الثمانين و الثلاثمائة: إعلم أن بالقطب تحفظ دائرة الوجود كله من عالم الكون و الفساد _ انتهى.
و نفع آخر عام هو دفع العذاب العام عن أهل الأرض متى استحقوه بسوء أعمالهم التي كان الله تعالى يهلك جملة من الأمم السالفة بأقل منها و يستأصلهم عن آخرهم بالصيحة و الصاعقة و الغرق و الخسف و المسخ و غيرها ببركة وجوده كما كان ذلك لجده صلى الله عليه و آله و سلم في حياته، قال الله تعالى: (وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ)، فكان أماناً لأهل الأرض من نزول العذاب عليهم و إذا جعل الله أهل بيته المخصوصين أماناً لهم فهم مثله صلى الله عليه و آله و سلم في دفع العذاب عن العالم.
قال ابن حجر في “الصواعق” فی قوله تعالى: (وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ): أشار صلى الله عليه و آله و سلم إلى وجود ذلك المعنى في أهل بيته و أنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو صلى الله عليه و آله و سلم أماناً لهم.
و في ذلك أحاديث كثيرة يأتي بعضها. قال: و في رواية ضعيفة: أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون.
و قال الفاضل الفيروز آبادي في كتاب “المبشر”: و أصح القولين في قوله تعالى: (وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) إنه على عمومه. و فيه على هذا التقدير وجهان:
أحدهما: أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته.
أما أتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا و الآخرة.
و أما أعداؤه: فالمحاربون عجل قتلهم و موتهم خير لهم من حياتهم لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة و هم قد كتب عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر.
و أما المعاهدون له: فعاشوا في الدنيا تحت ظله و عهده و ذمته و هم أقل شراً بذلك العهد من المحاربين له.
و أما المنافقون: فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم و أموالهم و أهلهم و احترامها و جريان أحكام المسلمين عليهم حتى التوارث و غيرها.
و أما الأمم النائية عنه فإن الله سبحانه دفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العالمين النفع برسالته _ انتهى.
و هو و إن قصر النظر في جعل الرحمة في رسالته لا في وجوده الشريف و النفع في الأمور التشريعية خاصة لا هي مع التكوينية إلا أن الغرض الاستشهاد بآخر كلامه.
و نفع آخر عام للمؤمنين، و هو حفظ للدين و أركانه و أساسه و قوائمه و حراسته عن الانهدام و الاندراس من حيث لا يعلمون.
و توضيح هذه الدعوى و شرحها يتم على بعض قواعد الإمامية و لا ينفع لغيرهم إلا أنه يمكن استظهاره من أحاديث الخلفاء فإن قوله صلى الله عليه و آله و سلم: (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً) و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: (لا يزال الدين قائماً صريح في ان عزة الدين و قوته و قوامه و محفوظيته بوجود أحد الخلفاء الإثني عشر هو يقويه و يحفظه و يحرسه دائماً بما أعطاه الله تعالى من الأسباب الغيبية التي لا تنال بالاكتساب).
و يؤيده ما أخرجه الملا في “الوسيلة” عنه صلى الله عليه و آله و سلم: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين.
و مما يناسب ذكره في هذا المقام ما ذكره المولى عبد الرحمن الجامي في رسالة “مناسك الحج” و ذكره الشيخ عبد الحق الدهلوي في كتابه الموسوم ب”جذب القلوب إلى ديار المحبوب” ناقلاً عن كتاب فصل الخطاب لرئيس العارفين خواجه محمّد بارسا البخاري قال: فصل عن الصادق عليه السلام أنه قال: (من زار أحداً من الأئمّة كان كمن زار رسول الله).
و قيل للرضا عليه السلام: علمني قولا بليغاً كاملا إذا زرت واحداً منكم فقال إذا صرت إلى الباب قف و اشهد الشهادتين و أنت على غسل فإذا دخلت و رأيت القبر فقف و قل الله أكبر ثلاثين مرة ثم امش و عليك السكينة و الوقار و قارب بين خطاك ثم قف و كبّر الله ثلاثين مرة ثم أدن من القبر و كبّر الله أربعين مرة تمام مائة مرة و قل:
(السلام عليكم يا أهل بيت الرسالة و مختلف الملائكة و مهبط الوحي و خزان العلم و منتهى الحكم و معدن الرحمة و أصول الكرم و قادة الأمم و عناصر الأبرار و دعائم الأخيار و أبواب الإيمان و أمناء الرحمن و سلالة خاتم النبيين و صفوة عترة المرسلين و رحمة الله و بركاته… السلام على أئمة الهدى و مصابيح الدجى و أعلام التقى و ذوي الحجى و النهى و رحمة الله و بركاته… السلام على محال معرفة الله و مساكن بركة الله و معادن حكمة الله و حفظة سر الله و حملة كتاب الله و ورثة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و رحمة الله و بركاته… السلام على الدعاة إلى حكم الله و الأدلاء على مرضاة الله و المظهرين لأمر الله و نهيه و المخلصين في توحيد الله و رحمة الله و بركاته… إني مستشفع بكم و مقدمكم أمام طلبتي و إرادتي و مسئلتي و حاجتي أشهد الله إني مؤمن بسركم و علانيتكم و إني أبرء إلى الله تعالى من عدو محمّد و آل محمّد من الجن و الإنس و صلى الله على محمّد و آله الطيبين الطاهرين و سلم تسليماً) انتهى.
و من اعتقد فيهم ما تضمنته هذه الزيارة الشريفة المطابقة لما لا يحصى من الأحاديث التي رواها مشايخ الإمامية و علم ما أعطاهم الله تعالى من المقامات العالية و القدرة الربانية في إفاضة العلوم و الأسرار و إغاثة الملهوفين و إجابة المضطرين و إعانة المكروبين إذا توسلوا بهم و تمسكوا بعروتهم و اعتصموا بحبلهم عند الحوائج الدينية و الدنيوية و الشدائد و الكروب و البلايا و المخاوف نال من حجته و إمام زمانه و ولي عصره و خليفة دهره من الفيوضات الظاهرية الباطنية ما أراده و طلبه فكم لمواليه و معتقدي إمامته من القصص و الحكايات في هذا الباب مما أذنوا في ذكره و كشفه ما ملأ الدفاتر و لكن لا ثمرة لذكر نبذة منها في هذا المقام لعدم وثوق المخاطب بناقليها إلا أنه قد ظهر في هذه الأيام كرامة باهرة من المهدي عليه السلام في متعلقات أجزاء الدولة العلية العثمانية المقيمين في المشهد الشريف الغروي و صارت في الظهور و الشيوع كالشمس في رابعة النهار و نحن نتبرك بذكرها بالسند الصحيح العالي.
حدث جناب الفاضل الرشيد السيد محمّد سعيد أفندي الخطيب فيما كتبه بخطه: كرامة لآل الرسول عليه و عليهم الصلاة و السلام ينبغي بيانها لأخواننا أهل الإسلام، و هي: أن امرأة اسمها ملكة بنت عبدالرحمن زوجة ملا أمين المعاون لنا في المكتب الحميدي الكائن في النجف الأشرف، ففي الليلة الثانية من شهر ربيع الأوّل من هذه السنة أي سنة 1317 ليلة الثلاثاء صار معها صداع شديد، فلما أصبح الصباح فقدت ضياء عينيها فلم ترشيئاً قط فأخبروني بذلك فقلت لزوجها المذكور: إذهب بها ليلاً إلى روضة حضرة المرتضى عليه من الله تعالى الرضا لتستشفع به و تجلعه واسطة بينها و بين الله لعل الله سبحانه و تعالى أن يشفيها، فلم تذهب في تلك الليلة يعني ليلة الأربعاء لانزعاجها مما هي فيه، فنامت بعض تلك الليلة فرأت في منامها أن زوجها المذكور و امرأة اسمها زينب كأنهما مضيا معها لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام فكأنهم رأوا في طريقهم مسجداً عظيماً مشحوناً من الجماعة فدخلوا فيه لينظروه فسمعت المصابة رجلاً يقول من بين الجماعة: لا تخافي أيتها المرأة التي فقدت عينيها أن شاء الله تشفيان فقالت: من أنت بارك الله فيك فأجابها أنا المهدي فاستيقظت فرحانة فلما صار الصباح يعني يوم الأربعاء ذهبت و معهما نساء كثيرات إلى مقام سيدنا المهدي خارج البلد فدخلت وحدها و أخذت بالبكاء و العويل و التّضرع فغشي عليها من ذلك فرأت في غشيتها رجلين جليلين الأكبر منهما متقدم و الآخر الشاب خلفه فخاطبها الأكبر بأن لا تخافي فقالت له من أنت قال: أنا عليّ بن أبي طالب و هذا الذي خلفي ولدي المهدي رضي الله عنهما ثمّ أمر الأكبر المشار إليه امرأة هناك و قال: قومي يا خديجة و امسحي على عيني هذه المسكينة! فجاءت و مسحت عليها فانبتهتُ و أنا أرى و أنظر أحسن من الأوّل و النساء يهلهلن فوق رأسي فجاءت النساء بها بالصلوات و الفرح و ذهبن بها إلى زيارة حضرة المرتضى كرم الله تعالى وجهه و عيناها الآن لله الحمد أحسن من الأول.
و ما ذكرناه لمن أشرنا إليهما قليل إذ يقع أكبر منه لخدامهما من الصالحين بإذن المولى الجليل فكيف بأعيان آل سيد المرسلين عليه و عليهم الصلاة و السلام إلى يوم الدين أماتنا الله على حبهم آمين آمين. هذا ما اطلع عليه الحقير الخطيب و المدرس في النجف الأشرف السيد محمّد سعيد _ انتهى.
قلت: هذا المقام واقع في خارج سور البلد في غربي المقبرة المعروفة بوادي السلام و له صحن و قبة فيها محراب ينسب إلى المهدي عليه السلام و لا يعلم سببه أنه رآه عليه السلام فيه أحد أو ظهر منه كرامة فيه إلا أنه قديم.
و قد ذكر بعض علماء القرن الحادي عشر في جامعه الكبير قصة رجل كاشاني مريض قد أيس من مرضه فذهب إليه فرآه من غير أن يعرفه فشفاه و يعلم منها أنه كان في ذلك الزمان معروفاً بالنسبة إليه.

(راجع کشف الاستار عن وجه الغائب عن الابصار؛ الشیخ میرزا حسين النوري الطبرسي)