تشرّف رجل من بقّالي النجف الأشرف بلقائه عليه السّلام في مسجد السهلة.

حدثني جماعة من الأتقياء الأبرار منهم السيد السند و الحبر المعتمد العالم العامل و الفقيه النبيه الكامل المؤيد المسدد السيد محمد بن العالم الأوحد السيد أحمد بن العالم الجليل و الحبر المتوحد النبيل السيد حيدر الكاظمي أيده الله تعالى و هو من أجلاء تلامذة المحقق الأستاذ الأعظم الأنصاري طاب ثراه و أحد أعيان أتقياء بلد الكاظمين علیهما السلام و ملاذ الطلاب و الزوار و المجاورين و هو و إخوته و آباؤه أهل بيت جليل معروفون في العراق بالصلاح و السداد و العلم و الفضل و التقوى يعرفون ببيت السيد حيدر جده سلمه الله تعالى.
قال فيما كتبه إلي و حدثني به شفاها أيضا قال محمد بن أحمد بن حيدر الحسني الحسيني‏ لما كنت مجاورا في النجف الأشرف لأجل تحصيل العلوم الدينية و ذلك في حدود السنة الخامسة و السبعين بعد المائتين و الألف من الهجرة النبوية كنت أسمع جماعة من أهل العلم و غيرهم من أهل الديانة يصفون رجلا يبيع البقل و شبهه أنه رأى مولانا الإمام المنتظر سلام الله عليه فطلبت معرفة شخصه حتى عرفته فوجدته رجلا صالحا متدينا و كنت أحب الاجتماع معه في مكان خال لأستفهم منه كيفية رؤيته مولانا الحجة روحي فداه فصرت كثيرا ما أسلم عليه و اشترى منه مما يتعاطى ببيعة حتى صار بيني و بينه نوع مودة كل ذلك مقدمة لتعرف خبره المرغوب في سماعه عندي حتى اتفق لي أني توجهت إلى مسجد السهلة للاستجارة فيه و الصلاة و الدعاء في مقاماته الشريفة ليلة الأربعاء فلما وصلت إلى باب المسجد رأيت الرجل المذكور على الباب فاغتنمت الفرصة و كلفته المقام معي تلك الليلة فأقام معي حتى فرغنا من العمل الموظف في مسجد سهيل و توجهنا إلى المسجد الأعظم مسجد الكوفة على القاعدة المتعارفة في ذلك الزمان حيث لم يكن في مسجد السهلة معظم الإضافات الجديدة من الخدام و المساكن.
فلما وصلنا إلى المسجد الشريف و استقر بنا المقام و عملنا بعض الأعمال الموظفة فيه سألته عن خبره و التمست منه أن يحدثني بالقصة تفصيلا فقال ما معناه.
أني كنت كثيرا ما أسمع من أهل المعرفة و الديانة أن من لازم عمل الاستجارة في مسجد السهلة أربعين ليلة أربعاء متوالية بنية رؤية الإمام المنتظر علیه السلام وفق لرؤيته و أن ذلك قد جربت مرارا فاشتاقت نفسي إلى ذلك و نويت ملازمة عمل الاستجارة في كل ليلة أربعاء و لم يمنعني من ذلك شدة حر و لا برد و لا مطر و لا غير ذلك حتى مضى لي ما يقرب من مدة سنة و أنا ملازم لعمل الاستجارة و أبات‏ «1» في مسجد الكوفة على القاعدة المتعارفة.
ثم إني خرجت عشية يوم الثلاثاء ماشيا على عادتي و كان الزمان شتاء و كانت تلك العشية مظلمة جدا لتراكم الغيوم مع قليل مطر فتوجهت إلى المسجد و أنا مطمئن بمجي‏ء الناس على العادة المستمرة حتى وصلت إلى المسجد و قد غربت الشمس و اشتد الظلام و كثر الرعد و البرق فاشتد بي الخوف و أخذني الرعب من الوحدة لأني لم أصادف في المسجد الشريف أحدا أصلا حتى أن الخادم المقرر للمجي‏ء ليلة الأربعاء لم يجئ تلك الليلة.
فاستوحشت لذلك للغاية ثم قلت في نفسي ينبغي أن أصلي المغرب و أعمل عمل الاستجارة عجالة و أمضي إلى مسجد الكوفة فصبرت نفسي و قمت إلى‏ صلاة المغرب فصليتها ثم توجهت لعمل الاستجارة و صلاتها و دعائها و كنت أحفظه.
فبينما أنا في صلاة الاستجارة إذ حانت مني التفاتة إلى المقام الشريف المعروف بمقام صاحب الزمان علیه السلام و هو في قبلة مكان مصلاي فرأيت فيه ضياء كاملا و سمعت فيه قراءة مصل فطابت نفسي و حصل كمال الأمن و الاطمئنان و ظننت أن في المقام الشريف بعض الزوار و أنا لم أطلع عليهم وقت قدومي إلى المسجد فأكملت عمل الاستجارة و أنا مطمئن القلب.
ثم توجهت نحو المقام الشريف و دخلته فرأيت فيه ضياء عظيما لكني لم أر بعيني سراجا و لكني في غفلة عن التفكر في ذلك و رأيت فيه سيدا جليلا مهابا بصورة أهل العلم و هو قائم يصلي فارتاحت نفسي إليه و أنا أظن أنه من الزوار الغرباء لأني تأملته في الجملة فعلمت أنه من سكنة النجف الأشرف.
فشرعت في زيارة مولانا الحجة سلام الله عليه عملا بوظيفة المقام و صليت صلاة الزيارة فلما فرغت أردت أكلمه في المضي إلى مسجد الكوفة فهبته و أكبرته و أنا أنظر إلى خارج المقام فأرى شدة الظلام و أسمع صوت الرعد و المطر فالتفت إلي بوجهه الكريم برأفة و ابتسام و قال لي تحب أن تمضي إلى مسجد الكوفة فقلت نعم يا سيدنا عادتنا أهل النجف إذا تشرفنا بعمل هذا المسجد نمضي إلى مسجد الكوفة و نبات فيه لأن فيه سكانا و خداما و ماء.
فقام و قال قم بنا نمضي إلى مسجد الكوفة فخرجت معه و أنا مسرور به و بحسن صحبته فمشينا في ضياء و حسن هواء و أرض يابسة لا تعلق بالرجل و أنا غافل عن حال المطر و الظلام الذي كنت أراه حتى وصلنا إلى باب المسجد و هو روحي فداه معي و أنا في غاية السرور و الأمن بصحبته و لم أر ظلاما و لا مطرا.
فطرقت باب الخارجة عن المسجد و كانت مغلقة فأجابني الخادم من الطارق فقلت افتح الباب فقال من أين أقبلت في هذه الظلمة و المطر الشديد فقلت من مسجد السهلة فلما فتح الخادم الباب التفت إلى ذلك السيد الجليل فلم أره و إذا بالدنيا مظلمة للغاية و أصابني المطر فجعلت أنادي يا سيدنا يا مولانا تفضل فقد فتحت الباب و رجعت إلى ورائي أتفحص عنه و أنادي فلم أر أحدا أصلا و أضر بي الهواء و المطر و البرد في ذلك الزمان القليل.
فدخلت المسجد و انتبهت من غفلتي و كأني كنت نائما فاستيقظت و جعلت ألوم نفسي على عدم التنبه لما كنت أرى من الآيات الباهرة و أتذكر ما شاهدته و أنا غافل من كراماته من الضياء العظيم في المقام الشريف مع أني لم أر سراجا و لو كان في ذلك المقام عشرون سراجا لما وفى بذلك الضياء و ذكرت أن ذلك السيد الجليل سماني باسمي مع أني لم أعرفه و لم أره قبل ذلك.
و تذكرت أني لما كنت في المقام كنت أنظر إلى فضاء المسجد فأرى الظلام الشديد و أسمع صوت المطر و الرعد و إني لما خرجت من المقام مصاحبا له سلام الله عليه كنت أمشي في ضياء بحيث أرى موضع قدمي و الأرض يابسة و الهواء عذب حتى وصلنا إلى باب المسجد و منذ فارقني شاهدت الظلمة و المطر و صعوبة الهواء إلى غير ذلك من الأمور العجيبة التي أفادتني اليقين بأنه الحجة صاحب الزمان علیه السلام الذي كنت أتمنى من فضل الله التشرف برؤيته و تحملت مشاق عمل الاستجارة عند قوة الحر و البرد لمطالعة حضرته سلام الله عليه فشكرت الله تعالى شأنه و الحمد لله.

(الجنة المأوی؛ للمحدث النوری [1254 – 1320 ق])
______________________________
(1) قال الفيروزآبادي: بات يفعل كذا يبيت و يبات بيتا و مبيتا و بيتوتة: أى يفعله ليلا و ليس من النوم، و من أدركه الليل فقد بات.