حسين بن حمدان الخصيبى (المتوفی 334 ق)، ‏ الهداية الكبرى: 373 و مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر ‏8: 131 , 132، ح 2735/ 79. باسناده، عن [أبي محمّد] عيسى بن مهدي الجوهريّ قال: خرجت في سنة ثمان و ستّين و مائتين إلى الحجّ، و كان قصدي المدينة، حيث صحّ عندنا أنّ صاحب الزمان- عليه السلام- قد ظهر، فاعتللت و قد خرجنا من فيد[1]، فتعلّقت نفسي بشهوة السّمك و التمر، فلمّا وردت المدينة و لقيت بها إخواننا بشّروني بظهوره- عليه السلام- بصاريا فصرت الى صاريا.[2]

فلمّا أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافا تدخل القصر، فوقفت ارقب الأمر إلى أن صلّيت العشاءين و أنا أدعو و أتضرّع و أسأل، فاذا أنا ببدر الخادم يصيح بي: يا عيسى بن مهدي الجوهريّ أدخل، فكبّرت و هلّلت و أكثرت من حمد اللّه عزّ و جلّ و الثناء عليه.
فلمّا صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة، فمرّ بي الخادم [إليها] فأجلسني عليها و قال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علّتك و أنت خارج من فيد، فقلت في نفسي: حسبي بهذا برهانا فكيف آكل و لم أر سيّدي و مولاي، فصاح: «يا عيسى كل من طعامك فإنّك تراني»، [فجلست‏] على المائدة، فنظرت فإذا فيها سمك حارّ يفور، و تمر إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا، و بجانب التمر لبن.
فقلت في نفسي: [أنا] عليل و سمك و تمر و لبن، فصاح بي: «يا عيسى أ تشكّ في أمرنا، أ فأنت أعلم بما ينفعك و يضرّك»، فبكيت و استغفرت اللّه تعالى و أكلت من الجميع، و كلّما رفعت يدي منه لم يتبيّن موضعها فيه، و وجدته أطيب ما ذقته في الدنيا، فأكلت منه كثيرا حتّى استحييت. فصاح بي: «لا تستحي يا عيسى فإنّه من طعام الجنّة، لم تصنعه يد مخلوق»، فأكلت فرأيت نفسي لا تنتهي عنه من أكله.
فقلت: [يا] مولاي حسبي، فصاح بي: «أقبل إليّ»، فقلت في نفسي: آتي مولاي و لم اغسّل يدي، فصاح بي: «يا عيسى (ممّا الماء؟ و هل لما أكلت غمر؟» فشممت يدي فإذا هي أعطر من المسك و الكافور، فدنوت منه- عليه السلام- فبدا لي نور غشي بصري و رهبت حتّى ظننت أنّ عقلي قد اختلط، فقال لي: «يا عيسى ما كان لكم أن تزوروني، و لو لا المكذّبون القائلون: [أين هو؟]: بأيّ [مكان‏] هو؟ و متى كان؟
و اين ولد؟ و من رآه؟ و ما الذي خرج إليكم منه؟ و بأيّ شي‏ء نبّأكم؟ و أيّ معجز آتاكم؟ أما و اللّه لقد رفضوا أمير المؤمنين- عليه السلام- [مع ما رأوه‏] و قدّموا عليه و كادوه و قتلوه، و كذلك فعلوا بآبائي- عليهم السلام- و لم يصدّقوهم، و نسبوهم إلى السحرة (و الكهنة) و خدمة الجنّ» إلى أن قال: «يا عيسى فخبّر أولياءنا بما رأيت، و ايّاك [أن] تخبر عدوّا فتسلبه».
فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات، فقال لي: «لو لم يثبّتك اللّه ما رأيتني، فامض لحجّك راشدا»، فخرجت أكثر حمدا للّه و شكرا. [3]
———————————————————————————————————————————-
(1) الفيد: بليدة في نصف طريق مكّة من الكوفة (معجم البلدان).
(2) لعلّ هو صريا، قال ابن شهرآشوب في المناقب: 4/ 382: هي قرية اسّسها موسى بن جعفر- عليه السلام- على ثلاثة أميال من المدينة، و يحتمل كونها الصارية أي المكان البعيدة العهد بالماء (لسان العرب: صري).
(3) الهداية الكبرى للحضيني: 72 و 92 (مخطوط) و عنه البحار: 52/ 68 ح 54 و تبصرة الولي: 195 ح 83، و في إثبات الهداة: 3/ 700 ح 138 عنه مختصرا.