تشابه مولانا المهدی بخضر بجهات عدیدة:
1- الخضر عليه السلام: طوّل الله عزّ و جلّ عمره، و هذا ثابت عند الفريقين، و يدلّ عليه أخبار كثيرة . منها ما في البحار (1) عن المناقب عن داود الرقّي، قالا: قال: خرج أخوان لي يريدان المزار، فعطش أحدهما عطشا شديدا، حتّى سقط من الحمار و سقط الآخر في يده، فقام فصلّى، و دعا الله و محمّدا صلى الله عليه و آله و أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السلام، كان يدعو واحدا بعد واحد حتّى بلغ إلى آخرهم جعفر بن محمد عليه السلام فلم يزل يدعوه و يلوذ به، فإذا هو برجل قد قام عليه، و هو يقول يا هذا ما قصّتك؟ فذكر له حاله. فناوله قطعة عود، و قال: ضع هذا بين شفتيه. ففعل ذلك، فإذا هو قد فتح عينيه، و استوى جالسا، و لا عطش به فمضى حتّى زار القبر. فلمّا انصرفا إلى الكوفة، أتى صاحب الدعاء المدينة، فدخل على الصادق عليه السلام فقال له: اجلس ما حال أخيك؟ أين العود؟ فقال: يا سيّدي! إنّي لمّا أصبت بأخي اغتممت غمّا شديدا فلمّا ردّ الله عليه روحه نسيت العود من الفرح. فقال الصادق عليه السلام: أما إنّه ساعة صرت إلى غمّ أخيك أتاني أخي الخضر، فبعثت إليك على يديه قطعة عود من شجرة طوبى ثمّ التفت إلى خادم له فقال: عليّ بالسّفط. فأتي به. ففتحه، و أخرج منه قطعة العود بعينها، ثمّ أراها إيّاه حتّى عرفها، ثمّ ردّها إلى السفط.
القائم عليه السلام: طوّل الله عمره، بل يظهر من بعض الأحاديث، أن الحكمة في تطويل عمر الخضر عليه السلام أن يكون دليلا على طول عمر القائم عليه السلام. روى الصدوق رحمه الله في كمال الدين (2) في حديث طويل عن الصادق عليه السلام أنّه قال: و أمّا العبد الصالح الخضر، فإنّ الله تبارك و تعالى ما طول عمره لنبوّة قدرها له و لا لكتاب ينزله عليه و لا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء و لا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها و لا لطاعة يفرضها له، بلى، إنّ الله تبارك و تعالى لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم ما يقدر من عمر الخضر و ما قدر في أيّام غيبته ما قدرّ و علم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طول عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلا لعلة الاستدلال به على عمر القائم عليه السلام و ليقطع بذلك حجّة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجة. و في كمال الدين (3) أيضا عن الرضا عليه السلام قال: إن الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة فهو حيّ لا يموت حتّى ينفخ في الصور و إنّه ليأتينا فيسلّم علينا، فيسمع صوته و لا يرى شخصه ، و إنّه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلّم عليه، و إنه ليحضر الموسم كلّ سنة، فيقضي جميع المناسك و يقف بعرفة، فيؤمن على دعاء المؤمنين و سيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته و يصل به وحدته.
2- الخضر عليه السلام اسمه “بليا” و قيل غير ذلك، سمّي خضرا  لأنّه كان لا يجلس على خشبة يابسة إلا اخضرت كما عن الصدوق علیه السلام. و قيل لأنّه كان إذا صلّى اخضر ما حوله و قيل (4) لأنّه كان في أرض بيضاء فإذا هي تهتزّ خضراء من خلفه.
القائم عليه السلام: روى في النجم الثاقب (5) أنه لا ينزل بأرض إلا اخضرت و اعشوشبت، و نبع منها الماء فإذا ارتحل غار الماء و صارت الأرض كما كانت.
أقول : لهذا الخبر شواهد أخر يطول ذكرها في هذا المختصر.
3- الخضر عليه السلام: أعطاه الله تعالى من القوّة أنّه يتصوّر كيف شاء. رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق عليه السلام (6).
القائم عليه السلام: أعطاء الله تعالى ذلك و الروايات و الحكايات الدالّة على ذلك كثيرة.
4- الخضر عليه السلام: كان مأمورا بعلم الباطن و لهذا قال لموسى: (إنّك لن تستطيع معي صبرا و كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا).
القائم عليه السلام: أيضا مأمور بعلم الباطن يدل على ذلك روایات الرواردة في حكمه و علمه.
5- الخضر عليه السلام: لم يتبين وجه أفعاله إلاّ بعد كشفه لذلك.
القائم عليه السلام لا يتبين وجه غيبته كما ينبغي إلاّ بعد ظهوره و كما مروّيا في الروایة.
6- الخضر عليه السلام: يحضر الموسم كلّ سنة فيقضي مناسك الحج.
القائم عليه السلام: يحضر الموسم كل سنة فيقضي مناسك الحج. روى الشيخ الصدوق رحمه الله في كمال الدين (7) بإسناده عن أبي نعيم الأنصاري و رواه الفاضل المجلسي رحمه الله في البحار (8) عن كتاب الغيبة للشيخ الأجل محمّد بن الحسن الطوسي رحمه الله بإسناده عن أبي نعيم أحمد بن محمد الأنصاري قال: كنت حاضرا عند المستجار بمكّة و جماعة زهاء ثلاثين رجلا لم يكن منهم مخلص غير محمّد بن القاسم العلوي فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجة سنة ثلاث و تسعين و مائتين إذ خرج علينا شابّ من الطواف عليه إزاران محرم بهما و في يده نعلان فلمّا رأيناه قمنا جميعا هيبة له و لم يبق منّا أحد إلاّ قام. فسلّم علينا و جلس متوسطا و نحن حوله. ثمّ التفت يمينا و شمالا ثمّ قال: أتدرون ما كان أبو عبد الله عليه السلام يقول في دعاء الإلحاح؟ قلنا: و ما كان يقول؟ قال (عليه السلام): كان يقول: اللهم إنّي أسئلك باسمك الّذي تقوم به السماء و به تقوم الأرض و به تفرّق بين الحق و الباطل و به تجمع بين المتفرّق و به تفرّق بين المجتمع و به أحصيت عدد الرمال وزنة الجبال و كيل البحار أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تجعل لي من أمري فرجا و مخرجا. ثمّ نهض و دخل الطواف. فقمنا لقيامه حتّى انصرف و نسينا أن نذكر أمره و أن نقول من هو؟ و أي شئ هو؟ إلى الغد في ذلك الوقت. فخرج علينا من الطواف فقمنا له كقيامنا بالأمس و جلس في مجلسه متوسطا فنظر يمينا و شمالا و قال: أتدرون ما كان يقول أمير المؤمنين عليه السلام بعد صلاة الفريضة؟ فقلنا: و ما كان يقول؟ قال (عليه السلام): كان يقول: اللهم إليك رفعت الأصوات، و دعيت الدّعوات، و لك خضعت الرّقاب، و إليك التحاكم في الأعمال، يا خير من سئل، و يا خير من أعطى، يا صادق يا بارئ يا من لا يخلف الميعاد يا من أمر بالدعاء و تكفل بالإجابة يا من قال: (9) ( ادعوني أستجب لكم ) يا من قال: (10) ( و إذا سئلك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ). يا من قال: (11) (يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنّه هو الغفور الرحيم) لبّيك و سعديك ها أنا ذا بين يديك، المسرف و أنت القائل (لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ). ثمّ نظر يمينا و شمالا بعد هذا الدعاء فقال ( عليه السلام): أتدرون ما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول في سجدة الشكر؟ فقلنا: و ما كان يقول؟ قال: كان يقول: يا من لا تزيده كثرة العطاء إلا سعة و عطاء، يا من لا يزيده إلحاح الملحين إلا جودا و كرما يا من لا تنفد خزائنه يا من له خزائن السماوات و الأرض، يا من له خزائن ما دقّ و جلّ لا تمنعك إسائتي من إحسانك، إنّي أسئلك أن تفعل بي ما أنت أهله ، فأنت أهل الجود و الكرم و العفو و التجاوز. يا ربّ يا الله! لا تفعل بي الّذي أنا أهله فإنّي أهل العقوبة و قد استحققتها لا حجّة لي و لا عذر لي عندك أبوء لك بذنوبي كلها و أعترف بها كي تعفو عنّي و أنت أعلم بها منّي بؤت (12) إليك بكلّ ذنب أذنبته و بكلّ خطيئة أخطأتها و بكلّ سيّئة عملتها. يا ربّ! اغفر لي و ارحم و تجاوز عمّا تعلم إنّك أنت الأعزّ الأكرم. و قام فدخل الطواف. فقمنا لقيامه و عاد من الغد في ذلك الوقت فقمنا لإقباله كفعلنا فيما مضى فجلس متوسطا و نظر يمينا و شمالا فقال: كان علي بن الحسين سيّد العابدين (عليه السلام) يقول في سجوده في هذا الموضع – و أشار بيده إلى الحجر تحت الميزاب – : عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك، سائلك بفنائك، يسألك ما لا يقدر عليه غيرك (13). ثمّ نظر يمينا و شمالا و نظر إلى محمّد بن القاسم العلوي من بيننا فقال: يا محمّد بن القاسم أنت على خير إن شاء الله و كان محمّد بن القاسم يقول بهذا الأمر ثمّ قام فدخل الطواف فما بقي منّا أحد إلا و قد ألهم ما ذكره من الدعاء و أنسينا أن نتذاكر أمره إلاّ في آخر يوم. فقال لنا أبو علي المحمودي: يا قوم أتعرفون هذا؟ هذا و الله صاحب زمانكم. فقلنا: و كيف علمت يا أبا علي؟ فذكر أنّه مكث سبع سنين يدعو ربّه و يسأله معاينة صاحب الزمان (عليه السلام). قال فبينا نحن يوما عشية عرفة و إذا بالرجل بعينه يدعو بدعاء وعيته فسألته ممّن هو؟ فقال ( عليه السلام): من النّاس. قلت: من أيّ النّاس قال: من عربها. قلت: من أي عربها؟ قال: من أشرفها. قلت: و من هم؟ قال: بنو هاشم. قلت: من أيّ بني هاشم؟ قال: من أعلاها ذروة و أسناها رفعة. قلت: ممّن؟ قال: ممّن فلق الهام و أطعم الطعام و صلّى بالليل و النّاس نيام. قال: فعلمت أنّه علوي فأحببته على العلويّة ثمّ افتقدته بين يدي فلم أدر كيف مضى في السماء أم في الأرض؟ فسألت القوم الّذين كانوا حوله أتعرفون هذا العلوي؟ فقالوا: نعم، يحجّ معنا في كلّ سنة ماشيا. فقلت: سبحان الله و الله ما أرى به أثر مشي. قال: فانصرفت إلى المزدلفة كئيبا حزينا على فراقه و نمت في ليلتي تلك فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه و آله فقال: يا محمّد! رأيت طلبتك؟ فقلت: و من ذاك يا سيّدي؟ فقال  صلى الله عليه و آله: الّذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك. قال: فلمّا سمعنا ذلك منه عاتبناه عليه أن لا يكون أعلمنا ذلك فذكر أنه كان ناسيا أمره إلى وقت ما حدّثنا به.
أقول: كان بين رواية الشيخ الصدوق في كمال الدين، و بين ما ذكره الفاضل المجلسي في البحار، نقلا عن غيبة الشيخ الطوسي، اختلاف يسير في بعض الألفاظ، بحيث لا يغير المعنى، فجمعت بين الروايتين. و الله الموفق.

(مكيال المكارم، ميرزا محمد تقي الأصفهاني 1: 170 – 175)

………………………………………………………………………
1 – بحار الأنوار : 47 / 138.
2 – إكمال الدين 2: 357، باب 33، ذيل 53.
3 – إكمال الدين 2: 390، باب 38، ذيل  .
4 – كما يدلّ عليه ما في إكمال الدين 2: 391، ح 6.
5 – النجم الثاقب: 84، فصل 23.
6 – تفسير القمي 2: 404.
7 – إكمال الدين 2: 470، باب 43، ذيل 24.
8 – بحار الأنوار 52: 9، باب 18، ذيل 5.
9 – سورة الغافر: 60.
10 – سورة البقرة: 186.
11 – سورة الزمر: 53.
12 – في نسخة ثانية: أبوء لك.
13 – الدعاء في كمال الدين هكذا عبيدك بفنائك، مسكينك ببابك، فقيرك ببابك، أسألك ما لا يقدر عليه سواك (لمؤلفه).