الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس قال في أوّل أربعينه: «أخرج الرجال الثقات من قول النبي: من حفظ من أمتي أربعين حديثاً كنت له شفيعاً. (إلى أن قال) فإن قال لنا السائل: ما هذه الأربعون حديثاً الذي (التي) إذا حفظها الإنسان كان له هذا الأجر والثواب والفضل العظيم؟
قلنا: الجواب: اعلم أن هذا السؤال وقع في مجلس السيد محمد بن إدريس الشافعي فقال: هي مناقب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مما اخبرنا به السيد جلال الدين محمد بن يحيى بن أبي بكر العباسي قال: حدثنا محيي الدين محمد بن غنا، قال: حدثنا الفقيه يوسف بن إبراهيم الهروي، قال: أخبرنا سمعان بن محمد الجوهري الغزنوي، عن الشيخ شيبان المقري بن عمر الفرداوي (الفرداني) قال: حدثنا يحيى بن بكريا بن أحمد البلخي قاضي الشام، قال: حدثنا أبو جعفر الترمذي، قال: حدثنا محمد بن الليث، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أعلم أحداً أعظم منة على الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي و إني لأدعو إلى الله في عقيب الصلاة فأقول: اللهم أغفر لي و لوالدي و لمحمد بن إدريس الشافعي منذ يوم سمعت منه أن الأحاديث الأربعين أراد بها النبي صلى الله عليه و آله و سلم مناقب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب و أهل بيته عليهم السلام.
قال أحمد بن حنبل: فخطر ببالي من أين صح عند الشافعي، فرأيت النبي في النوم و هو يقول: شككت في قول محمد بن إدريس الشافعي عن قولي من حفظ من أمتي أربعين حديثاً في فضائل أهل بيتي كنت له شفيعاً يوم القيامة؟ أما علمت أن فضائل أهل بيتي لا تحصى. إلى أن قال: (الحديث الرابع): أخبرنا محمود بن محمد الهروي بقريبة في جامعها في سلخ ذي الحجة، قال: أخبرنا أبوعبدالله محمد بن أحمد بن عبدالله، عن سعد بن عبدالله، عن عبدالله بن جعفر الحميري قال: حدثنا محمد بن عيسى الأشقري، عن أبي حفص أحمد بن نافع البصري، قال: حدثني أبي و كان خادماً للإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، قال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر ،قال: حدثني أبي جعفر الصادق، قال: حدثني أبي باقر علم الأنبياء محمد بن علي، قال: حدثني أبي سيدالعابدين علي بن الحسين، قال: حدثني أبي سيد الشهداء الحسين بن علي، قال: حدثني أبي سيدالأوصياء علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال: قال لي أخي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من أحب أن يلقى الله عز وجل و هو راض عنه فليوال ابنك الحسن عليه السلام، و من أحب أن يلقى الله و لا خوف عليه فليوال ابنك الحسين، و من أحب أن يلقى الله و هو تمحص عنه ذنوبه فليوال علي بن الحسين عليهما السلام فإنه كمال قال الله تعالى (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)، و من أحب أن يلقى الله عز و جل و هو قرير العين فليوال محمد بن علي عليهما السلام، و من أحب أن يلقى الله عز و جل فيعطيه كتابه بيمينه فليوال جعفر بن محمد عليهما السلام، و من أحب أن يلقى الله طاهراً مطهراً فليوال موسى بن جعفر النور الكاظم عليهما السلام، و من أحب أن يلقى الله و هو ضاحك فليوال علي بن موسى الرضا عليهما السلام، و من أحب أن يلقى الله و قد رفعت درجاته و بدلت سيئاته حسنات فليوال ابنه محمد، من أحب أن يلقى الله عز و جل فيحاسبه حساباً يسيراً و يدخله جنة عرضها السموات و الأرض فليوال ابنه علي و من أحب أن يلقى الله عز و جل و هو من الفائزين فليوال ابنه الحسن العسكري، و من أحب أن يلقى الله عز و جل و قد كمل إيمانه و حسن إسلامه فليوال ابنه صاحب الزمان المهدي، فهؤلاء مصابيح الدجى و أئمة الهدى و أعلام التقى فمن أحبهم و تولاهم كنت ضامناً له على الله الجنة. انتهى.
و لا يريب للعاقل أنه معتقد بصحة الخبر و بمضمونه و إلا لما أودعه في أربعينه و قد قال في أوله ما نقلناه و قال في آخر كلامه: و إنما ملت إلى تفضيلهم _ يعني أهل البيت عليهم السلام _ بعد أن تقدمت مذاهب فعرفتها و بان لي الحقيقة فعرفتها و تبينت الطريقة فسلكتها بالشواهد اللائحة و الأخبار الصحيحة الواضحة و نبأت بها من الثقات و أهل الورع و الديانات و كذلك أديناها حسب ما رويناها، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من كذب علي متعمداً فليتبؤ مقعده من النار و عن الذهبي في (دول الإسلام) سنة اثنتي عشرة و أربعمائة و فيها مات الحافظ أبوالفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس، و كذا رأيت في “كامل ابن الأثير” في حوادث السنة المذكورة و قد وصفه السيد نعمان آلوسي زاده في بعض مكاتيبه المطبوع من كتابه الموسوم ب”جلاء العينين” بقوله: عالم الملوك و ملك العلماء و مرجع الغني و الصعلوك و مستند الفضلاء وارث علوم السلف الصالح و ناشر لواء الحق من كل قول راجح كشاف غوامض التأويل و سالك جادة التفويض في معالم التنزيل البحر العذب للواردين و الدر المنثور للقاصدين المولى الأفخم و الأمير المكرم و النواب المفخم حسن القول و صديق الفعل و الإسم و طود الوقار و الصلاح و العلم _ إلى آخره…