الشبهة: لماذا يعاين الإمام ويستفاد منه الخاصّة فقط ويحرم منه الآخرون. أليس هذا ظلم للآخرين؟! والظلم قبيح عقلاً ونقلاً.
الجواب:
أولا – يظهر أن غياب الإمام عليه السلام بهذا الشكل عن عامّة النّاس وعن أكثر الأولياء والمقرّبين يكون مستحسنا قطعاً، لأنّه تحسب لمنع إفشاء سرّ الغياب، ولو حصل لهذه الفئة أو لتلك الالتقاء به سرّاً، لكان احتمال إشاعة نبأ الاجتماع به كبيراً بسبب التحّدث فيما بين الأفراد عنه غبطةً وسروراً، فلا يجوز عندئذٍ ضمان عدم تسرّب الوشاية به إلى الأعداء.

بالإضافة إلى أن الإمام استعمل تلك التقيّة ليس فقط للخوف على نفسه بل وعلى شيعته أيضاً، إذ لو ظهر إليهم وشوهد من بعض أعدائه أو علم به أحدهم لطولب أوليائه به، فأن فاتهم طلبته لتعرضت شيعته ومواليه لأفدح المكاره والأضرار بسببه وهذا ما لا يرضاه رئيس لأتباعه. وما الأخبار التي تحرم ذكر اسمه والمكان الّذي يقطنه على الشيعة إلّا من هذا القبيل.
وكذلك من مسوغات الغيبة أيضا قطع دابر المدعين للامام (عجل الله فرجه) المزورين الّذين يستغلون هذا الأمر ويدعون السفارة عن الإمام (عجل الله فرجه) في الغيبة التامة (أي الغيبة الكبرى) فورود الرّوايات احتجابه عن الجميع تسد الطرق على المدّعين.
وكذلك لقد حال الأعداء بين الإمام وبين ظهوره لعامّة المسلمين، وحرموا الأمّة من فيض علمه ومعرفته وحسن تدبيره لشؤونهم ومباشرته لأعمالهم، فبالرغم من أنّه نأى بشخصه عن الأنظار فلن ينقطع منه المدد والفائدة، فقد قيل في الحديث الشريف منفعته المستحصلة في غيبته كمنفعة دخول ضوء الشمس لأهل الأرض عندما يغيبها السحاب. كما نصّ عليه خبر المعصومين عليهم السلام.
ونحن لا نقطع أنّه عليه السلام لا يظهر لجميع أوليائه، لأنّ أحدنا لا يعلم إلا حال نفسه، فيحتمل منه ذلك لأغلب المخلصين ولو بالظهور المعنوي لا العيني.
نعم كل فرد من حقّه أن يعاين الإمام المهدي لأنّه إمام كل الأمّة ويطلب منه النّصح ويستمد منه المعونة. إلّا أن المعاينة تلك ترتضخ لضوابط وموازين تطبيق المنهجية الإلهيّة، ليكون المسلم من الناحيتين الدينية والأخلاقية ناجحاً بصفاتهما الكمالية، وحتمية المداومة عليهما. فقط عندئذٍ يكون العاملون على طريق الاستقامة والاستحقاق للتوجيه والتبرّك بالمشاهدة والالتقاء وإن لم يحصل التعارف في كثير من الأحيان، فهي مستويات متفاوتة تخضع لموازين الورع والتقوى وقبول الأعمال والطاعات.
والباقون إذا حصل منهم التقرّب استحقوا مثل ذلك لوجود المقتضي وارتفاع المانع.
إذن فمانع التعرف على الإمام والتشرف بلقائه، انما هو نحن، والحواجز المظلمة، وأمراض النفوس والتقصير والانحراف، إزاء كل الفروض والوظائف والمستحبات التي يجب القيام بها. ويدعم مقولتنا هذه حديث الإمام الشريف الذي ورد من ناحيته المقدسّة بإملائه وخط أحد ثقاته إلى الشيخ المفيد (قدس الله سرّه) قال فيه: (ولو ان أشياعنا وفّقهم الله لطاعته على الاجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السّعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة، وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلاته على سيّدنا البشير النّذير محمّد وآله الطّاهرين وسلّم).

(نقلا عن: مرکز آل البیت العالمی للمعلومات)