السيد حيدر الحلي (1240 – 1304 ق) هو السيد حيدر بن سليمان بن داود، وينتهي نسبه إلى زيد الشهيد ابن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام). وُلد السيد الحلي بمدينة الحلة في العراق ما بين سنة (1240 – 1246 ق). نشأ السيد حيدر في حجر عمّه السيد مهدي، شهماً، أديباً، وقوراً، تقياً، عليه سمات العلماء الأبرار، كثير العبادة والنوافل، كريم الطبع، فاق شعراء عصره في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام).
فكان شاعراً بارعاً لا منازع له، وله إلمام بالعربية، مصنفاً تقياً، ناسكاً متقرباً إلى الله عزَّ وجلَّ بمدح آل البيت (عليهم السلام).
وممّا يُحكى عنه أنه قال: رأيت في المنام فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فأتيت إليها مُسَلِّماً، فالتَفَتَتْ إِليَّ ( عليها السلام) وقالت:
أَنَاعِيَ قَتلَى الطَّفِّ لا زِلتَ نَاعِياً* تُهِيجُ عَليَّ طُولَ اللَّيالِي البَوَاكِيَا
فقال السيد حيدر: وجعلتُ أبكي، وانتبهت وأنا أُردِّدُ هذا البيت، فقمت أتمشى وأنا أبكي وأريد أن أُتمم، ففتح الله عليَّ وقلت:
أَعِدْ ذِكرَهُم فِي كَربَلا إِنَّ ذِكرَهُم * طَوَى جَزَعاً طَيَّ السِّجِلِّ فُؤَادِيَا

إلى آخر القصيدة، وأوصى السيد الحلي بأن تكتب هذه القصيدة على كفنه وتُدفن معه. توفّي السيد الحلي (رحمه الله) عام 1304 ق، ودفن بجوار مرقد الإمام علي (عليه السلام) في مدينة النجف الأشرف.
قال المحدث النوري: ندبة أنشأها السيد السند الصالح الصفي إمام شعراء العراق بل سيد الشعراء في الندب و المراثي على الإطلاق السيد حيدر بن السيد سليمان الحلي المؤيّد من عند الملك العلي و قد جمع أيّده الله تعالى بين فصاحة اللسان و بلاغة البيان و شدة التقوى و قوة الإيمان بحيث لو رآه أحد لا يتوهم في حقه القدرة على النظم فكيف بأعلى مراتبه.
أنشأها بأمر سيّد الفقهاء السيّد المهدي القزويني النزيل في الحلة في السنة التي صار عمر پاشا واليا على أهل العراق و شدد عليهم و أمر بتحرير النفوس لإجراء القرعة و أخذ العسكر من أهل القرى و الأمصار سواء الشريف فيه و الوضيع و العالم فيه و الجاهل و العلوي فيه و غيره و الغني فيه و الفقير فاشتد عليهم الأمر و عظم البلاء و ضاقت الأرض و منعت السماء فأنشأ السيد هذه الندبة المشجية فرأى واحد من صلحاء المجاورين في النجف الأشرف الحجة المنتظر علیه السلام فقال‏ له ما معناه قد أقلقني السيد حيدر قل له لا يؤذيني فإن الأمر ليس بيدي و رفع الله عنهم القرعة في أيامه و بعده بسنين و هي هذه‏:::::::::::::
يا غمرة من لنا بمعبرها ** موارد الموت دون مصدرها
يطفح موج البلاء الخطير بها ** فيغرق العقل في تصورها
و شدة عندها انتهت عظما ** شدائد الدهر مع تكثرها
ضاقت و لم يأتها مفرجها ** فجاشت النفس من تحيرها
الآن رجس الضلالة استغرق ** الأرض فضجت إلى مطهرها
و ملة الله غيرت فغدت ** تصرخ لله من مغيرها
من مخبري و النفوس عاتبة ** ما ذا يؤدي لسان مخبرها
لم صاحب الأمر عن رعيته ** أغضى فغضت بجور أكفرها
ما عذره نصب عينه أخذت ** شيعته و هو بين أظهرها
يا غيرة الله لا قرار على ** ركوب فحشائها و منكرها
سيفك و الضرب إن شيعتكم ** قد بلغ السيف حز منحرها
مات الهدى سيدي فقم و أمت ** شمس ضحاها بليل عيثرها «1»
و اترك منايا العدى بأنفسهم ** تكثر في الروع من تعثرها
لم يشف من هذه الصدور سوى ** كسرك صدر القنا بموغرها «2»
و هذه الصحف محو سيفك للأعمار ** منهم امحى لأسطرها «3»
فالنطف اليوم تشتكي و هي في ** الأرحام منها إلى مصورها
فالله يا ابن النبي في فئة ** ما ذخرت غيركم لمحشرها
ما ذا لأعدائها تقول إذا ** لم تنجها اليوم من مدمرها
أشقة البعد دونك اعترضتٍ ** أم حجبت منك عين مبصرها
فهاك قلب قلوبنا ترها ** تفطرت فيك من تنضرها
كم سهرت أعين و ليس سوى ٍ** انتظارها غوثكم بمسهرها
أين الحفيظ العليم للفئة ** المضاعة الحق عند أفخرها
تغضي و أنت الأب الرحيم لها ** ما هكذا الظن في ابن أطهرها
إن لم تغثها لجرم أكبرها ** فارحم لها ضعف جرم أصغرها
كيف رقاب من الجحيم بكم ** حررها الله في تبصرها
ترضى بأن تسترقها عصب ** لم تله عن نأيها و مزهرها
إن ترض يا صاحب الزمان بها ** و دام للقوم فعل منكرها
ماتت شعار الإيمان و اندفنت ** ما بين خمر العدى و ميسرها
أبعد بها خطه تزاد لها ** لا قرب الله دار مؤثرها
الموت خير من الحياة بها ** لو تملك النفس من تخيرها
ما غر أعداءنا بربهم ** و هو ملي‏ء بقصم أظهرها
مهلا فلله من بريته ** عوائد جل قدر أيسرها
فدعوة الناس إن تكن حجبت ** لأنها ساء فعل أكثرها
فرب جرى حشى لواحدها ** شكت إلى الله في تصورها
توشك أنفاسها و قد صعدت ** أن تحرق القوم في تسعرها
و له أيّد الله تعالى ندبة أخرى تجري في هذا المجرى تورث في العين قذى و في القلب شجى.
أ قائم بيت الهدى الطاهر ** كم الصبر فت حشى الصابر
و كم يتظلم دين إلا ** له إليك من النفر الجائر
يمد يدا تشتكي ضعفها ** لطبك في نبضها الفاتر
ترى منك ناصره غائبا ** و شرك العدى حاضر الناصر
فنوسع سمعك عتبا يكاد ** يثيرك قبل ندا الآمر
نهزك لا مؤثرا للقعود ٍ** على وثبة الأسد الخادر
و نوقض عزمك لا بائتا ** بمقلة من ليس بالساهر
و نعلم أنك عما تروم ** لم يك باعك بالقاصر
و لم تخش من قاهر حيث ما ** سوى الله فوقك من قاهر
و لا بد من أن نرى الظالمين ** بسيفك مقطوعة الدابر
بيوم به ليس تبقى ضباك ** على دارع الشرك و الحاسر
و لو كنت تملك أمر النهوض ٍ** أخذت له أهبة الثائر
و إنّا و إن ضرستنا الخطوب ** لنعطيك جهد رضى العاذر
و لكن نرى ليس عند الإله **أكبر من جاهك الوافر
فلو نسأل الله تعجيله ** ظهورك في الزمن الحاضر
لوافتك دعوته في الظهور ** بأسرع من لمحة الناظر
فثقف عدلك من ديننا ** قنا عجمتها يد الآطر
و سكن أمنك منا حشى ** غدت بين خافقتي طائر
إلى م و حتى م تشكو العقام ** لسيفك أم الوغى العاقر
و لم تتلظى عطاش السيوف ** إلى ورد ماء الطلي الهامر «1»
أ ما لقعودك من آخر ** أثرها فديتك من ثائر
و قدها يميت ضحى المشرقين ** بظلمة قسطلها المائر
يردن بمن لا يغير الحمام ** أو درك الوتر بالصادر
و كل فتى حنيت ضلعه ** على قلب ليث شرى هامر «2»
يحدثه أسمر حاذق ** بزجر عقاب الوغى الكاسر
بأن له أن يسر مستميتا ** لطعن العدى أوبة الظافر
فيغدو أخف لضم الرماح ** منه لضم المها العاطر
أولئك آل الوغى الملبسون ** عدوهم ذلة الصاغر
هم صفوة المجد من هاشم ** و خالصة الحسب الفاخر
كواكب منك بليل الكفاح ** تحف بنيرها الباهر
لهم أنت قطب وغى ثابت ** و هم لك كالفلك الدائر
ظماء الجياد و لكنهم ** رواء المثقف و الباتر
كماة تلقب أرماحهم ** برضاعة الكبد الواغر
و تسمى سيوفهم الماضيات ** لدى الروع بالأجل الحاضر
فإن سددوا السمر حكوا السماء ** و سدوا الفضاء على الطائر
و إن جردوا البيض فالصافنات ** تعوم ببحر دم زاخر
فثمة طعن قنا لا تقيل ** أسنتها عثرة الغادر
و ضرب يؤلف بين النفوس ** و بين الردي ألفة القاهر
ألا أين أنت أيا طالبا ** بماضي الذحول و بالغابر
و أين المعد لمحو الضلال ** و تجديد رسم الهدى الداثر
و ناشر راية دين الإله ** و ناعش جد التقى العاثر
و يا ابن العلي ورثوا كابرا ** حميد المآثر عن كابر
و مدحهم مفخر المادحين ** و ذكرهم شرف الذاكر
و من عاقدوا الحرب أن لا تنام ** عن السيف عنهم يد الشاهر
تدارك بسيفك وتر الهدى ** فقد أمكنتك طلي الواتر
كفى أسفا أن يمر الزمان ** و لست بناه و لا آمر
و أن ليس أعيننا تستضي‏ء ** بمصباح طلعتك الزاهر
على أن فينا اشتياقا إليك ** كشوق الربا للحيا الماطر
عليك إمام الهدى غر ما ** غدا البر تلقى من الفاخر
لك الله حلمك غر النعام ** فأنساهم بطشة القادر
و طول انتظارك فت القلوب ** و أغضى الجفون على عائر
فكم ينحت الهم أحشاءنا ** و كم تستطيل يد الجائر
و كم نصب عينك يا ابن النبي ** نساط بقدر البلا الفاتر
و كم نحن في كهوات الخطوب ** نناديك من فمها الفاغر
و لم تك منا عيون الرجاء ** بغيرك معقودة الناظر
أ صبرا على مثل حز المدى ** و نفحة جمر الغضا الساغر
أ صبرا و هذي تيوس الضلال ** قد أمنت شفرة الجازر
أ صبرا و سرب العدى واقع ** يروح و يغدو بلا ذاعر
نرى سيف أولهم منتضى ** على هامنا بيد الآخر
به تعرق اللحم منا و فيه ** تشظى العظام يد الكاسر
و فيه يسوموننا خطة ** بها ليس يرضى سوى الكافر
فنشكو إليهم و لا يعطفون ** كشكوى العقيرة للعاقر
و حين البطان التقت حلقتاه ** و لم نر للبغي من زاجر
عججنا إليك من الظالمين ** عجيج الجمال من الناحر
[راجع: الجنة المأوي للمحدث النوري]