مداومة الدعاء لفرج مولانا المهدی موجب لازدیاد النعم
والكلام في تحقيق هذا المرام يقع في مقامات:
الأول: في أن وجوده نعمة.
الثاني: في وجوب شكر النعمة.
الثالث: في أن شكر النعمة سبب للمزيد.
الرابع: في معنى الشكر.
الخامس: في أن الدعاء من أقسام الشكر والإشارة إلى سائر أقسامه.

أما الأول: فيدل عليه العقل والنقل، أما العقل فلا ريب في أن أعظم النعم الإلهية ما يكون سببا للفوز بمعرفة المعارف الربانية والعلوم النافعة ولنيل الدرجات الرفيعة والنعم الأبدية الأخروية وغيرها مما لا يخفى على ذي مسكة وهذا هو الإمام الذي به يعرف الله ويعبد وبه يصل العبد إلى ما يهواه من المقامات العلية والمواهب السنية كما ورد في روايات كثيرة. وأمّا النقل فروايات كثيرة جدا. – منها ما في (الكافي: 1 / 217 باب نعمة الأئمة ح 1) بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في قول الله عز وجل: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) قال: نحن النعمة التي أنعم الله بها على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيامة.
وروى في غاية المرام عن تفسيري العياشي والقمي، ومثله ما في غاية المرام أيضا بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى: * (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) * قال: نحن النعيم.
وعن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: نحن نعيم المؤمن، وعلقم الكافر.
العلقم: الحنظل، وكون وجود الإمام كذلك بزعم الكافر لانزجاره عنه بسبب كفره أو المراد بيان حالهما يوم القيامة، فإن المؤمن يتنعم بأنواع النعم الأبدية لأجل إيمانه بالأئمة (عليهم السلام)، والكافر يعذب بأنواع العقوبات الدائمة بسبب كفره بهم صلوات الله عليهم.
وفي مجمع البيان عن العياشي بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألف الله بين قلوبهم وجعلهم إخوانا بعد أن كانوا أعداء وبنا هداهم الله للإسلام وهي النعمة التي لا تنقطع والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي (صلى الله عليه وآله) وعترته.
وفي كفاية الأثر وكمال الدين بإسنادهما عن محمد بن زياد الأزدي قال سألت سيدي موسى بن جعفر (عليهما السلام)، عن قول الله تعالى عز وجل (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) قال (عليه السلام) النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب قال فقلت له فيكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره وهو الثاني عشر منا يسهل الله تعالى له كل عسير، ويذلل له كل صعب ويظهر له كنوز الأرض ويقرب عليه كل بعيد ويتبر كل جبار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد ذلك ابن سيدة الإماء، الذي يخفى على الناس ولادته، ولا يحل لهم تسميته، حتى يظهره الله، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
المقام الثاني: في بيان وجوب شكر النعمة ويدل عليه مضافا إلى حكم العقل السليم قوله تعالى في سورة البقرة: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون). وقوله تعالى في سورة إبراهيم (عليه السلام): (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). وقوله تعالى في سورة البقرة: (واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون). وقوله تعالى في سورة النحل: (واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون). وفي سورة مريم: (واشكروا له إليه ترجعون) وغيرها من الآيات الشريفة، وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالى.
المقام الثالث: في بيان كون الشكر سببا للمزيد ويدل عليه مضافا إلى الآية الشريفة الأخبار الكثيرة المتواترة.
منها ما في الكافي بسند كالصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما فتح الله على عبد باب شكر فخزن عنه باب الزيادة.
وفيه بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: مكتوب في التوراة اشكر من أنعم عليك، وأنعم على من شكرك فإنه لا زوال للنعماء إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت، الشكر زيادة النعم وأمان من الغير.
وفيه بإسناده عن معاوية بن وهب عنه (عليه السلام) قال: من أعطي الشكر أعطي الزيادة يقول الله عز وجل * (لئن شكرتم لأزيدنكم) *.
المقام الرابع: في معنى الشكر. إعلم أن الشكر هو مقابلة الإحسان بالإحسان والكفر هو مقابلة الإحسان بالإساءة وهذا التعريف مما ألهمت بفضل الله تعالى وكرمه، وإليه يرجع جميع ما قيل في تعريف الشكر، ويرجع إليه كل ما ورد في الروايات من أقسامه، ويرشد إليه الممارسة والتأمل التام في الآيات والأخبار المروية عن الأئمة الكرام، عليهم الصلاة والسلام، كالأخبار الواردة في أن المؤمن مكفر. وأن أشكر الخلق لله أشكرهم للناس، وغيرها، فنسبة الشكر إلى الله تعالى حقيقة، كما أن نسبته إلى الخلق أيضا حقيقة. وهذا التعريف أسد وأخصر مما قيل في تعريف الشكر، أنه صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله، لأن ما ذكرته يشمل شكر الخالق والخلق جميعا. كما لا يخفى.
المقام الخامس: في بيان أقسام الشكر وأن الدعاء شكر لنعمة وجود الإمام (عليه السلام) إذا علمت أن الشكر مقابلة النعمة بالإحسان، فلا يخفى عليك أن له أفرادا كثيرة بالوجدان، وأصولها شكر الجنان، وشكر اللسان وشكر الأركان، أعني جوارح الإنسان وسائر ما يتعلق به بكل عنوان.
أما الأول: فهو يحصل بعرفان النعمة، ومعرفة أنها من الله عز اسمه.
كما روي في أصول الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال: من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدى شكرها.
قال المجلسي (رحمه الله): فعرفها بقلبه، أي عرف قدر تلك النعمة، وأن الله هو المنعم بها. أقول: ومن آثار تلك المعرفة قصد تعظيم النعمة، وإظهار هذا القصد بما يترتب عليه من الآثار اللسانية، والأعمال البدنية، اللتين هما القسم الثاني والثالث من أقسام شكر النعمة فمن الآثار اللسانية التحميد والثناء، ومنها التحديث بالنعمة، ومنها الدعاء لبقاء تلك النعمة. ومن الآثار البدنية الاجتهاد في الطاعة والعبادة.
كما في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند عائشة ليلتها، فقالت يا رسول الله، لم تتعب نفسك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة ألا أكون عبدا شكورا.
وفيه عن الصادق (عليه السلام) قال: شكر النعمة اجتناب المحارم وتمام الشكر قول الرجل: الحمد لله رب العالمين. أقول: الظاهر من هذا الحديث أن أصل الشكر يحصل باجتناب المحارم والتحميد باللسان يكمله والله العالم. ومن الآثار البدنية أيضا بذل المال في سبيل الله، كما يدل عليه بعض الأخبار.
ومنها سجدة الشكر.
ومنها: تعظيم النعمة كأخذ كسرة الخبز من الأرض وأكلها، إلى غير ذلك، مما لا يخفى على العارف السالك. إذا عرفت ما ذكرناه، فنقول: لما كان وجود مولانا الحجة (عليه السلام) من أعظم نعم الله علينا، كما أثبتنا وبينا، ومعرفتنا به نعمة عظيمة أخرى، بل هي نعمة لا تقاس بها نعمة لأنها الجزء الأخير للإيمان، الذي يقال فيه إنه العلة التامة. وقد بينا أن جميع النعم الظاهرة والباطنة إنما هي من فروع تلك النعمة السنية، أعني وجود الإمام: فوجب علينا الاهتمام في أداء شكر هذه النعمة أشد الاهتمام حتى نفوز بازدياد أنواع النعم الجسام، لأن الله عز وجل وعد الازدياد شكرا لشكر العباد، والله لا يخلف الميعاد. وشكر هذه النعمة الكريمة الجسيمة على وجه يؤدي حقوقها العظيمة مما لا نقدر عليه بحكم العقول السليمة، ولكن القدر المقدور يحصل بعدة أمور:
منها: المعرفة القلبية بهذه النعمة البهية.
ومنها: ذكر فضائله، ونشر دلائله.
ومنها: بذل الصدقات لسلامته، لتصير من أهل كرامته.
ومنها: الإقبال إليه، بما يسره ويزلف لديه. ومنها: طلب معرفته من الله المتعال، لتكون من أهل الشكر والاقبال.
ومنها: الاهتمام له بخالص الدعاء، بتعجيل الفرج وكشف البلاء، فإن هذا أحد الأقسام لشكر النعماء.
ويشهد لذلك أمور:
أحدها: أنه تعظيم له صلوات الله عليه، كما نشاهد بالوجدان ونرى بالعيان أن من قصد تعظيم بعض الأعيان، دعى له بشخصه ونعته من بين الأقران، وقد بينا أن تعظيم النعمة أول أفراد الإحسان، وأن الشكر هو مقابلة الإحسان بالإحسان، فثبت ما ادعيناه بواضح البرهان.
الثاني: أنه يحصل بالدعاء له صلوات الله عليه كمال الإقبال إليه، وقد مر آنفا في سابق المقال، أن أحد أقسام شكر النعمة هو الإقبال، كما أن الإعراض عن النعمة من أقسام الكفران. والدليل على ذلك من آي القرآن، قول الخالق المنان، في سورة سبأ بعد ذكر موت سليمان * (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) * حيث عبر عن إعراضهم بالكفران، وجزاهم بالسخط والخذلان.
الثالث: ما روي في بعض الكتب المعتبرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من آتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا من أنفسكم أنكم قد كافأتموه. – وعن سيد العابدين في رسالة الحقوق قال (عليه السلام): وأما حق ذي المعروف عليك، فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه المقامة الحسنة، وتمحض له الدعاء فيما بينك وبين الله تعالى فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية ثم إن قدرت على مكافاته يوما كافيته.
الرابع: أنا قد بينا أن الشكر العملي يحصل باستعمال العبد كل واحدة من نعم الله تعالى فيما خلق هذه النعمة لأجله، وإن لم يفعل فقد قابل الإحسان بالإساءة وهو معنى الكفران بالنعمة. ولا ريب في أن الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان من جملة ما خلق لأجله اللسان، فبه يحصل شكر نعمة اللسان، فقد اتضح ما قصدناه بأبلغ بيان، ومن الله التوفيق وهو ولي الإحسان. والدليل على ما ذكرناه من كون هذا الدعاء مما خلق لأجله اللسان، الأخبار الآمرة، والدعوات الصادرة له من معادن الوحي والتبيان فانظر في دعاء الافتتاح لتفوز بالفيض والفلاح، وفي دعاء يوم دحو الأرض وعرفة، لتكمل لك المعرفة ودعاء يونس بن عبد الرحمن، ودعاء العمروي المروي عن صاحب الزمان والدعاء بعد صلاة الليل، وفي حال السجود، والمروي في الكافي لكل وقت مسعود، ودعاء يوم الجمعة عند الرواح، وبعد الظهر والعصر والصباح، وقنوت ظهر الجمعة المروي في جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع ودعاء مولانا الإمام موسى بن جعفر بعد صلاة عصره ويوم الجمعة بعد صلاة جعفر، وقنوت مولانا الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، الذي أمر بقراءة شيعته الكرام، إلى غير ذلك مما يوجب ذكره التطويل، والإشارة كافية لأهل التحصيل.

(مکیال المکارم ج 1؛ محمد تقی الموسوی الاصفهانی)